المواطن بين سندان الحكومة ومطرقة البنوك

بقلم: حسن سلامة

معلوم أن راتب الموظف هو حق له ولأسرته له كامل الحرية في التصرف به كيفما يشاء، ولا يجوز المساس به من أي جهة كانت إلا بقرار قضائي، حتى هذا القرار لا يأتي إلا ضمن حالات خاصة ومحددة تخضع لاعتبارات الجهات القضائية لاتخاذ هذا القرار.
لم تكن مفاجأة كبيرة لشريحة كبيرة من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم بتقليص كبير في رواتبهم، خاصة وأنه كانت هناك مقدمات بخصوص هذا الموضوع من الشهر الماضي بعد القرار الذي اتخذته الحكومة في رام الله بخصم خمسمائة شيكل بالحد الأقصى على الموظفين الذين تراكمت عليهم مستحقات لدى شركة الكهرباء.
ولا يوجد لدينا أدنى شك في محاولة الحكومة تعزيز وصمود هذا المواطن في أرضه ووجوده ضد الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف اقتلاع المواطن الفلسطيني وتهجيره من أرضه، لكن ما تتخذه الحكومة من بعض القرارات كان يتوقع من خلالها الموظف والذي يعتبر ركيزة أساسة من المكونات الاجتماعية في الشعب الفلسطيني أن يشعر أن هناك من يقف خلفه ويعزز صموده وبقاءه على هذه الأرض لا أن يكون أداة طاردة لهذا المواطن وتكبيله بمجموعة من الإجراءات تعيقه عن الهدف الرئيس، وبغض النظر عن قانونية هذا الإجراء أو من عدمه، فإن هذا الموظف الغزي يشعر وكأن التضييق عليه هو أمر مقصود وممنهج، ويزيد من شعوره بالألم أن هذه القرارات لا تطبق على الجميع وأن المعيار الأساسي لهذا التطبيق يخضع للعامل الجغرافي دون غيره، وأن هناك من يبيت له من قرارات وإجراءات إدارية تستهدف تقليص راتبه إلى الحد الأدنى، خاصة وأنه محروم من كل الإجراءات التي يمكن عبرها تحسين راتبه الشهري من خلال الترقيات أو العلاوات أو ما شابه ذلك من إجراءات والمفترض أنها حق طبيعي للموظف يتلقاه بشكل دوري، تحت مبرر أن هؤلاء الموظفون ليسوا على رأس عملهم متجاهلين أن أن جلوسهم كان بقرار سياسي بعد التطمينات التي سمعوها أنه لا مساس مطلقا بوضعهم الوظيفي وأنهم سيعاملون كما لو كانوا على رأس عملهم.
يلحظ المواطن في قطاع غزة هذا التقلص في الراتب بعد أن كان راتب الموظف هو المقياس الحقيقي لمدى نشاط أو ضعف الحركة التجارية في الأسواق، فقد كانت الحركة التجارية تعتمد على رواتب الموظفين، وكان هو المحرك الرئيس لتحريك الدائرة الاقتصادية في قطاع غزة، وكان يعتمد عليه شرائح كبيرة من أبناء الشعب الفلسطيني سواء كانت من الشرائح العاملة في المجال التجاري أو العاملة في المجال المهني، هذا التذبذب في الراتب أثر بشكل مباشر وبشكل غير مباشر على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، أثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطن وضعفها، وبشكل غير مباشر عن ضعف القوة الشرائية لدى المواطن، وبالتالي ضعف القوة الإنتاجية لدى المنتج أو المستورد، وتأثير ذلك على التزاماته المالية في كافة الاتجاهات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاقتصاد الغزي هو اقتصاد مغلق، أي لا يعتمد بشكل كبير على حركة الصادرات والواردات ووجود أي نوع من الموارد التي يمكن تصديرها والحصول من خلالها على أي نوع من أنواع الدخل.
لا يمكن القول أن هذا الاستنزاف في الراتب مرجعيته هو ما تتخذه الحكومة من إجراءات تجاه الموظف فقط، بل هناك العديد من العوامل ، لعل أبرزها ما تستقطعه البنوك من بعض الموظفين وهم نسبة ليست بالقليلة نظير القروض التي أخذوها من البنوك بضمان الراتب الشهري.
هذه القروض يأخذها الموظف من البنك وفقا لسياسة محددة تحددها سلطة النقد والبنوك الهدف منها هدف مادي بحت، ولا ضير في ذلك، لكن هذه السياسات لم تراعي في الجانب الأكبر منها طريقة توجيه هذه القروض، والأخذ بعين الاعتبار وجود خطط توجه هذه القروض والتي في معظمها يتم توظيفها في أمور استهلاكية ولا توجه للأمور التنموية وأعطتها في صورة تسهيلات تضمن من خلالها عدم خروج هذا الموظف من البنك ضمن مجموعة من الشروط والقوانين يوافق عليها، بحجة أن المواطن له الحق كيفما يشاء في كيفية التصرف فيها، وبنسب فائدة عالية تتجاوز أحيانا قيمة القرض نفسه، ودخول المواطن فيما بعد في دوامة التفكير بطريقة سداد الديون، وما يسببه ذلك من إنهاك نفسي واجتماعي لهذا المواطن وأسرته، واستنزاف طاقته الفكرية في إيجاد حلول يتمكن من خلالها تدبير شؤونه الحياتية والمعيشية، دون التفكير في تعزيز آليات ووسائل صموده على هذه الأرض.


بقلم/ حسن نبهان سلامة