إصرار المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا على عقد جلسة جنيف دون التحضيرات الكافية والتفاهمات المسبقة،كان يوحي بانه لن تحدث أية اختراقات جدية في تلك المباحثات،ولسنا من السذج او أصحاب التفكير السطحي،لكي نعتقد بان ما جرى ويجري في جنيف حوار سوري –سوري،فمقابل وفد الحكومة السورية،تجلس "معارضة" لا تمتلك لا إرادتها ولا قرارها،ولا قدراتها على تنفيذ او تطبيق ما يجري الإتفاق عليه،فأغلب هذه "المعارضة" وبالتحديد المنبثقة عن مؤتمر الرياض،هي خاضعة كلياً في قراراتها ومواقفها لأطراف عربية وإقليمية ودولية،والأزمة السورية ستستمر صعوداً وهبوطاً والدوران في حلقة مفرغة لحين الوصول الى لحظة الحسم، وحسم الأمور بشأن حل سياسي للأزمة هو الوصول الى حالة من التوافق والتفاهمات الروسية - الأمريكية...والتي يبدو انها حتى اللحظة غير متوفرة وليست ناضجة.. وكذلك الذي يسرع في الوصول الى تلك التفاهمات والتوافقات او تباعدها هو ما يحدث في الميدان والحسم العسكري الذي ينفذه الجيش السوري وحلفاءه...فحتى اللحظة هناك تباعد في المواقف بين الروس والأمريكان وحلفائهما حول تصنيف التنظيمات الإرهابية وأولوية الحرب عليها،فامريكا وتحالفها من مشيخات النفط والكاز العربية والخليفة العثماني السلجوقي وقوى الغرب الإستعماري،ترى بان الأولوية في الحرب على "داعش"،رغم انها مولتها وسلحتها ودربت وشكلت قواعد وماوى لعناصرها وقادتها، كذلك تشكل مكونات ومركبات وفود "المعارضة" السورية نقطة خلافية جوهرية،من يمثل هذه "المعارضة" وهويتها وارتباطها وخضوعها وولائها لمن...؟؟فالمحور السعودي- التركي - القطري ،فشل في تشكيل وفد يمثل "المعارضة" السورية بكل مكوناتها واطيافها وفقاً للقرار الأممي (2254)،فهو يرى بأن تمثيل "المعارضة" السورية وكالة حصرية للهيئة المنبثقة عن مؤتمر الرياض.
كان واضحاً بأن "معارضة" الرياض وتركيا وقطر تسعى لتفجير مؤتمر جنيف ،من خلال وضع اشتراطات مسبقة للمشاركة،وبعد الضغط الأمريكي عليها وجلبها مكرهة للحضور،كانت تريد النكوص والتراجع من خلال رفض الإلتزام بالقرار الأممي (2254) بشأن العملية السياسية،التي جوهرها يقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة النظام السوري ورئيسه الأسد،وإجراء انتخابات ديمقراطية بعد تعديل الدستور،والتلاقي حول عنوان رئيس،هو الحرب على الأرهاب،وهروبها تمثل بالإصرار على العودة الى الطرح أنه لا دور للرئيس السوري في الفترة الإنتقالية،ولتاتي التطورات الميدانية من خلال تقدم الجيش السوري وحلفاءه في درعا وحلب وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء،لتصيب مقتلاً من تلك "المعارضة" وتخرجها عن طورها وتصيبها بحالة من الهستيريا والجنون،التي دفعت بالمبعوث الدولي لتاجيل مفاوضات جنيف للخامس والعشرين من الشهر الحالي،ولتشن امريكا وبريطانيا وفرنسا وتوابعهما من مشيخات النفط العربي ودعاة الخلافة السلجوقيين،هجوماً على روسيا وسوريا بانهما مسؤولتان عن توقف المفاوضات وفشلها،رغم الحرص السوري على نزع كل الذرائع من خلال إدخال المساعدات الإنسانية المعضمية وغيرها من المناطق في ريف دمشق،وكذلك الزبداني ومضايا.
إفشال وإنهيار المفاوضات وترحيلها من قبل امريكا وتحالفها وتوابعها،وما حدث من تطورات عسكرية وإنهيارات لجماعات وعصابات "السعودية وتركيا" من "نصرة" ، "جيش الإسلام" و "احرار الشام" ،جعل امريكا تستثمر مثل هذه الحالة،لكي تدعو حلفائها من السعودية وتركيا الى المشاركة في حرب برية على الأراضي السورية،تحت ذريعة محاربة "داعش"،وقبل الغوص في الأهداف من هذه الدعوة ذات الطابع المشبوه والتآمري،فقد تلقف وزير خارجية السعودية الفتى جبير،تلك الدعوة ،وليخرج علينا في تصريحاته ومواقفه الموتورة،والتي تعبر عن تخبط وعدم نضج في سياسة حكومته للقول" بأن السعودية تدرس إرسال قوات برية الى سوريا،فهي جزء من التحالف الدولي على الإرهاب..؟؟؟،دولة تصنع الإرهاب وحاضنته ودفيئته الأساسية،ستعمل على محاربته..؟؟.
ما تريده امريكا من هذه الدعوة،هو ان تسبق تركيا والسعودية الجيش السوري في ظل إنهيار وتقهقر الجماعات الإرهابية التابعة لها في حلب ودرعا واللاذقية وحماة وحمص وريف دمشق،بحيث تكون الجغرافيا السورية التي تسيطر عليها تلك القوات امريكيا وسعودياً وتركياً اداة ووسيلة للتفاوض والمقايضة على وحدة الجغرافيا السورية مع تلك الجماعات في جنيف.
روسيا تشن طائراتها غاراتها على تلك الجماعات بطلب من النظام الرسمي،وهذه القوى والجماعات التي ستقدم على تلك الخطوة،هي قوى عدوان يجب التصدي لها ومحاربتها،لأن ذلك تعدي صارخ على السيادة والجغرافيا السورية،وليس محاربة للإرهاب.
مسار جنيف سقط قبل إنطلاقته كما كان متوقعاً،وتاجيل جنيف لعشرين يوماً ستتبعه تاجيلات اخرى،فك الحصار عن نبل والزهراء وتحرير بلدة عتمان شمال درعا،والتطورات العسكرية المتلاحقة ،ربما تسقط مسار جنيف نهائياً،فجنيف حتى هذه اللحظة،عبارة عن مسار ل" تقطيع الوقت" والظروف حتى اللحظة لا تبدو ناضجة لتفاهمات وتوافقات روسية – امريكية على وجه التحديد لحل سياسي،ولكن تطورات الميدان تقول بان على معارضة المحور السعودي – التركي القطري،ان تدرك إما القبول بتطبيق بنود القرار الأممي (2254) والفصل بين السياسة والإرهاب،وإلا فلا مناص من الحسم العسكري،وستبقى المفاوضات بلا قيمة او معنى ومحتوى جدي،وسيبقى الترحيل والتاجيل هو العنوان لحين إجراء الإنتخابات الأمريكية،وحينها ستحدد الوجهة بشكل دقيق ،إما نضج وتوافق روسي- امريكي،وإما تتجه المنطقة نحو حرب شاملة.
حلقات الصراع متشابكة ومتداخلة والإشتباك الدولي والإقليمي ممتد من اوكرانيا وحتى اليمن،والساحة الرئيسية لهذا الإشتباك هي المنطقة العربية خاصة والشرق الأوسط عامة،ويبدو بان الدب الروسي يغرز انيابه بقوة في المنطقة،وهو لن يتراجع عن فرض وحماية مناطق امنه ونفوذه،وكذلك ايران بعد الإتفاق النووي تترسخ كقوة إقليمية كبرى،وسوريا اذا ما تعافت ستكون الركن والحجر الأساسي والرافعة للمشروع القومي العربي.
تطورات ومعادلات وتحالفات ومتغيرات ذات ذات طابع جيواستراتيجي تحدث وتبزغ في المنطقة،ربما تقرر مصيرها لمئة عام قادمة.
والصراع في سوريا وعلى سوريا عامل حاسم وأساسي في كل ذلك.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة - فلسطين
6/2/2016
0524533879
[email protected]