ثمة تساؤلات تطرح بين فترة وأخرى حول نفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وقدرته على استمالة مواقف الإدارة الأميركية إلى جانب المواقف الإسرائيلية. وفي هذا السياق استفادت إسرائيل من وجود نسبة كبيرة من يهود العالم في الولايات المتحدة، حيث وصل عددهم إلى 5.7 مليون يهودي في نهاية العام الماضي 2015.
واستطاعت إسرائيل الاستفادة من إنشاء لوبي يهودي ضاغط في الولايات المتحدة، بالاعتماد على القانون الأميركي الصادر عام 1946، والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة في تشكيل مجموعة ضغط، يهدف إلى ضمان مصالحها من خلال استراتيجيات وتكتيكات متعددة، والتأثير المباشر، عبر الاتصال بكل من السلطة التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن محاولة التأثير غير المباشر، مثل تعبئة الرأي العام، وخلق اتجاه عام يؤثر في صانعي السياسة، لإقناعهم بقرار يحقق مصلحة مثل هذه الجماعات.
وتبعاً للقانون المشار إليه استطاعت الجماعات اليهودية بدعم من الحركة الصهيونية تشكيل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) AIPAC عام 1959، وسجلت لدى الدوائر الأميركية باعتبارها لوبي صهيونياً. وتتألف لجنة "إيباك" من رئيس ومدير تنفيذي، ويقوم مجلس الاتحاد الفيديرالي اليهودي، ومنظمة "بناي بريث"، بدعم "إيباك" لخدمة الحركة الصهيونية وإسرائيل، وذلك من خلال دعم اللوبي اليهودي، وزحف نفوذه في الكونغرس الأميركي ومواقع القرار الأخرى في الولايات المتحدة. وتحرص لجنة "إيباك" على أن يحضر ممثل عنها كل اجتماع مفتوح في الكونغرس الأميركي، ليوزع البطاقات، ويتصل بكل موظف من أعلاهم درجة إلى أدناهم. أما الاجتماعات المغلقة فيحضرها دائماً عضو من التجمع المؤيد لإسرائيل في المجلس ويطالع سجل الكونغرس بانتظام، وكل ملاحظة تدعو إلى القلق تستتبع زيارات من قبل اللجنة.
ويتضح من هذه الأمثلة مدى قوة اللوبي اليهودي في تأثيره على الكونغرس بمجلسي الشيوخ والنواب على حد سواء. إلا أن من الواضح أن المساندة الأميركية لإسرائيل تتجاوز حدود مجموعة اللوبي اليهودي، وهذا ما أكده رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، أثناء عمله كسفير لإسرائيل في واشنطن، حيث قال: "أعتقد أن ارتباط الشعب الأميركي وإدارته بإسرائيل يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها في الولايات المتحدة".
واللافت أنه في حين كان توجه الحركة الصهيونية إلى بريطانيا قبل عام 1948، أصبح بعد إنشاء إسرائيل في أيار (مايو) من نفس العام باتجاه القطب الأميركي، نظراً للنفوذ والقوة الأميركية الصاعدة في إطار العلاقات الدولية.
وتجلى النهج الصهيوني الإسرائيلي من أجل تحقيق الهدف المذكور في أنماط متعددة، بعضها رئيسي وبعضها فرعي، وأهم هذه الأنماط إطلاقاً، وأشدها سيطرة على النهج بأكمله، هو النمط المرحلي، فالمرحلية هي اللون السائد في لوحة السياسة الإسرائيلية، أو الخيط المتصل بنسيجها، والحديث عن النهج الصهيوني أو البرنامج الصهيوني الإسرائيلي، هو في أصدق معانيه الحديث عن النمط المرحلي الذي يتخلله بأكمله ويتجلى في كل لحظة من لحظاته وفي كل حركة من حركاته، وقوام فكرة المرحلية في نظرية العمل الصهيوني وتالياً إسرائيل تتلخص بأربعة مبادئ:
أولاً: الواقعية، التي تعين الحد الأقصى لما تطالب به الحركة الصهيونية وإسرائيل في كل ظرف، طبقاً للأوضاع والظروف المتاحة.
ثانياً: المرونة، التي تقوم بتكييف الأشكال والوسائل.
ثالثاً: مبدأ اللاتراجع، الذي يعين الحد الأدنى للمطالب الصهيونية والإسرائيلية في كل ظرف.
رابعاً: التصاعد أو الانتقال، بعد استنفاد مكاسب ذلك الظرف إلى مرحلة جديدة، تفصح فيها الحركة الصهيونية عن مطالب جديدة، يكون حدها الأدنى ما كان في المرحلة السابقة حداً أقصى ومطلباً كاملاً مدعوماً. وتبعاً لتلك المبادئ يمكن فهم العلاقات الإسرائيلية المتشعبة مع دول العالم خلال السنوات الأخيرة.
ويجمع متخصصون بأن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة استطاع على مدار السنوات السابقة محاربة أعضاء الكونغرس الذين حاولوا الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطين، ويتهمون عضو الكونغرس الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني بمعاداة السامية، وبمناهضة إسرائيل، ونجح اللوبي اليهودي في إبعاد المشرعين الأميركيين عن زيارة البلدان العربية، بقدر نجاحه في عرض وجهات نظر إسرائيل دون سواها.
* كاتب فلسطيني