قضية المصالحة التي أصبحت حديث الباحثين عن خبر، هم يعرفون قبل غيرهم أنه لا ينطوي على جديد يدعو للتفاؤل، تدخل مرحلة جديدة بعد لقاء الدوحة الذي تتوسط فيه كل من قطر وتركيا.
المؤشرات الأولية، بمعزل عن التصريحات المتفائلة والمتشائمة لا تدعو للاعتقاد بإمكانية طي ملف الانقسام، حتى لو أن الوفدين أظهرا شيئاً من الاحتفالية، التي تبددها الوقائع ويبددها ما يصدر من تصريحات هنا في فلسطين، من قبل بعض المسؤولين، أو صمت آخرين.
ما لم يحصل شيء ربّاني في لقاء الدوحة، فإنه قد يشكل آخر المحاولات في ظل وجود قيادتي فتح وحماس الحاليتين، خصوصاً الشخصيات النافذة صاحبة النفوذ في اتخاذ القرارات.
يصبح الوضع الفلسطيني على اختلاف طبيعة القضية أقرب إلى الحالة القبرصية التي مضى على وقوع الانقسام فيها أكثر من أربعين عاماً، كثرت خلالها المبادرات والتدخلات الدولية والإقليمية، دون أن تجد لها حلاً.
العالم يعترف بقبرص اليونانية، ولا يعترف بقبرص التركية، لكنه مضطر للتعامل معها عبر تركيا.
الدولة الأطلسية، والدولة الأقوى في ميزان القوى مع اليونان. الانقسام القبرصي لا تستند جذوره إلى تناقض عرقي يعبر عن نفسه بالحق في تقرير المصير، لكنه يعكس تناقض المصالح والاستراتيجيات وهذا التناقض مرشح لأن يتصاعد في الفترة القريبة القادمة على خلفية اكتشافات الغاز في شرق المتوسط، هذه القضية التي تفسر إلى حد كبير السياسة اليونانية السلبية التي ظهرت مؤخراً ضد الفلسطينيين، وتفسر إلى حد ما القرار التركي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد فترة من الجفاء.
فشل لقاءات الدوحة، من شأنه أن يضع حداً لبعض الوقت على الأقل، للمتفائلين بأن مبادراتهم الشعبية وغير الشعبية، يمكن أن تولد حالة من الضغط على الطرفين لتحقيق المصالحة، ويضع حداً لبعض المتاجرين بهذا العنوان، والمتعيشين عليه.
تسع سنوات على الانقسام خلقت وكرست وقائع عنيدة على الأرض وخلقت هياكل ممأسسة، يصعب تجاوزها، واستيعابها من قبل كل طرف للطرف الآخر، والمزيد من الوقت يعني المزيد من العقبات التي تحول دون استعادة الوحدة.
نعم هي إسرائيل صاحبة المصلحة الأساسية والأكبر في بقاء وتعميق الانقسام وهي مستعدة لأن تفرض من الوقائع ما يفاقم الانقسام إلى حد الانفصال التام، وقد لاحظ الجميع أنها بادرت إلى شن عدوان واسع وشرس على قطاع غزة بعد مرور أسابيع قليلة على تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي جاءت نتيجة لاتفاق الشاطئ.
سموها دولة، أو إمارة، أو سلطة أو كيانا، أو ما شئتم تخفيفاً أو مبالغة في وصف واقع حال قطاع غزة، فإن الجوهر سيظل وضعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ينشأ في غزة، يختلف عنه في الضفة الغربية، ويستطيع التعايش مع الأمر الواقع حتى لو لم يحظ بالاعتراف الرسمي والشرعية المتعارف عليها.
الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري قال قبل لقاء الوفدين في الدوحة إن حركته لا تقبل العمل في حكومة استناداً إلى برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وهو إعلان صادق ويعبر عن أن الاستعصاء متعلق بالرؤية السياسية والبرنامج والخيارات المتناقضة.
المسألة لا تقف عند حدود استعداد حركة حماس للموافقة على مبدأ وهدف قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة العام 1967، رغم أن هذه المسألة قد تجاوزها الزمن وتجاوزتها المخططات والسياسات الإسرائيلية التي عجز المجتمع الدولي عن التأثير فيها لصالح عملية سلام تستهدف تحقيق رؤية الدولتين.
واقعياً لا يمكن لحماس أن تشارك في حكومة وحدة وطنية تعمل تحت سقف اوسلو واشتراطاته، وخيار الرئيس الذي يتمسك بالمفاوضات والعملية السلمية، وببرنامج المقاومة الشعبية السلمية، لأن ذلك سيتسبب في وقوع تناقضات داخلية بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في حماس.
لا يمكن لطرف أن يتوقع من الطرف الآخر، تسليماً كاملاً، خصوصاً في ظل أزمة الثقة العميقة التي تجعل كل طرف يخشى من انتقام الطرف الآخر.
إن من يراهن على أن السلطة تعاني من أزمة، وهي تعاني حقيقة من أزمة لكنها لا تصل إلى حد التسليم لحركة حماس وبرنامجها ورؤيتها السياسية، وكذلك الحال مخطئ من يعتقد أن حركة حماس تعاني من أزمة وهي حقيقة تعاني من أزمة لكنها لا تصل إلى حد الاستعداد للتنازل عن برنامجها ودورها ورؤيتها لصالح السلطة وحركة فتح.
ثمة من يعتقد أن حركة حماس تعاني من أزمة مالية، وأنها تعاني من أزمة في علاقاتها مع المحيط، ومن تراجع دور جماعة الإخوان المسلمين عموماً وفي مصر خصوصاً، ما قد يدفعها إلى تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية غير أن هذه الاعتقادات والمراهنات لا تعدو كونها وهما خالصا لن تجد في حماس عضواً واحداً يوافق عليها.
ولو أننا تجاوزنا كل ذلك، فهل ثمة من يعتقد أن تجاوز الدور المصري يمكن أن يوفر ظرفاً مناسباً لنجاح أي اتفاق في الدوحة مهما كانت طبيعته؟ مرة أخرى فإن ما جرى في الدوحة، لا يقترب من الإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تحول دون تحقيق المصالحة، وليس صحيحاً أن اللقاء يمكن أن يثمر إيجابياً إذا توقف عند حدود البحث في كيفية تنفيذ ما سبق وتم الاتفاق عليه بين الطرفين.
هذا يعني أن على القوى السياسية الأخرى أن تتعايش مع الوضع الراهن، بما هو عليه وفي اتجاه تخفيف الأعباء، وتقليل المخاطر والارتكان إلى قادم التطورات والمتغيرات سواء على الصعيد الفلسطيني أو على الصعيد العربي والإقليمي.
قد يبدو الحديث عن هذا التعايش شكلاً من أشكال الاحباط واليأس أو حتى الاستسلام للأمر الواقع، ولكن من يملك بديلاً آخر قابلا للتحقيق دون المزيد من المخاطر والأثمان فليتقدم به.
قد تتوج التصريحات الإيجابية في الدوحة ببيان أو صيغة اتفاق ما، لكنه لن يتحرك من مكانه إلى الأرض التي ينبغي أن يصل إليها.
طلال عوكل
2016-02-08