ثقافة الحوار وحق الاختلاف

بقلم: عباس الجمعة

من حقنا ان نتحاور دون إقصاء أو تهميش، والأجمل أن نتبادل المعرفة والرأي دون الغاء أو الانقضاض على حرية الرأي، التي يجب أن تترسخ وتتجذر ، اقول هذا الكلام لمن لا يحترمون الرأي الأخر ، لانهم يعيشون في ضعف ثقافة الحوار والديمقراطية وانعدامها في كثير من الأحيان.

فالمتتبع لطبيعة انتشار اصحاب طغيان ثقافة الاستهلاك وضعف الرؤية ، اصحاب شيوع نزعة التقليد في مقابل انحسار رغبةُ الابتكار، وتجريم حق الاختلاف ، عليهم الخروج من كل أشكال التعصب، والانفتاح على الآخر، واحترام وجهة نظره، اني لا اتحدث عن الصمت كونه افضل من الكلام، فأحيانا يكون كذلك واحيانا يكون عكس ذلك، لكل منا ولا شك اسلوبه وتوقيته مع الصمت ولكن تظل هناك عوامل مشتركة نختار على اثرها هذا الصمت، تظل هناك ظروف معينة هي ما تجبرنا على استخدام الصمت.

انطلاقاً من حاجتنا الماسة إلى الحرية والديمقراطية، وفي مواجهة تأجيج الصراعات وسياسة الهيمنة والتسلط من قيادات بعيدة عن النضال، تبرز الأهمية الكبيرة لنشر ثقافة تقوم على الاعتراف بالآخر، والاعتراف بحقه في الاختلاف وفي التعبير عن رأيه، والحوار معه، بقصد التفاهم وإيجاد الحلول المشتركة، ولأن هذه الثقافة تحتاج إلى عمل دؤوب لنشرها وترسيخها ، حيث يحتاج الحوار إلى لغة الصراحة والشفافية والابتعاد عن التشنج والشخصنة، دون الانزلاق إلى المهاترة والتجريح واستخدم لغة العقل والحكمة.

وأولى ميزات الحوار الجريء أن يجري للوقوف امام الأخطاء، والبحث عن الحلول الواقعية والفاعلة، وعن الإجابات الصحيحة والعقلانية، لأن أفضل ما يمكن أن يحققه رأي أو فكرة ما، هو تحريك العقل وإثارة الحوار بين الناس، وحفز التفكير للمساهمة في حل المشكلات، وخاصة ما يتعلق منها بحياة الشعب، وتقدم الوطن، ويفتح السبيل أمام إضافة خبرة إنسانية جديدة.

فالحوار لا يوفر فرصة معرفة الآخر فحسب، بل يؤمن معرفة الذات أيضاً، وبالتالي ففيه فائدة على أرض الواقع، فالفكر الجاد يعد أفكاره حواراً مع المجتمع وبحثاً عن الإجابات والاستنتاجات المحكمة.

امام كل ذلك فنحن نتجنب سلوك الكراهية والخصومة والإثارة وتضخيم عيوب الآخرين، والرغبة في الانتصار والهيمنة، بصورة أفضل لصالح الإنسان وحريته، فلا أفكار نهائية بل نسبية وآنية مع الحركة، ومع الحركة تتولد أسئلة جديدة تتطلب حواراً ورؤى في البحث عن الإجابات الأكثر سلامة ، لأنها قادرة دوماً أن تزيده وتغنيه وتقدم ما هو أفضل منه وأجمل وأقوى بعيداً عن المفاهيم والأطر الضيقة، ومن هنا نعتبر الحوار وسيلة حضارية متقدمة، وباعتباره أصبح علماً قائماً بحد ذاته، يجب إتقانه، والالتزام بمعاييره الأخلاقية من أجل الوصول إلى الغاية أو الهدف، ومع ذلك فالاختلاف لا يفسد للود قضية.

فنحن نصمت احيانا خوفا من أن تفضحنا كلماتنا، خوفا من أن تخوننا عباراتنا، خوفا من ان نفهم خطأ من الآخرين خاصة حينما تكون قسمات وجهنا وملامحه فاضحة،بل الاكثر من ذلك، فنحن احياناً نشتاق جدا ونتلهف بحرقة كي نناقش شخصاً ما في موضوع معين يهمنا، نريد ان نأخذ ونعطي معه في الحديث لانه اقرب الناس الينا كونه يفهمنا ويقدر مشاعرنا ويراعي ظروفنا حتى وهو بعيد عنا احيانا.

ولكن ما ينبغي الاشارة اليه، ان هذه الظروف التي نعيشها لا ينبغي ان تقف عائقا امام ابسط حقوقنا في السؤال عما نريده ومناقشة ما يعتمل في صدورنا والتعبير عن الرأي الخاص بنا نحن، فاحيانا نحن نصمت في مثل هذه المواقف غير المتوقعة، لاننا لم نكن نتوقع سماع صوت من يريد الغاء رأينا ، رغم الاحباطات التي نتعرض لها يوميا تجعلنا نستكثر على انفسنا حتى مجرد كلمة حلوة من الآخرين او مجاملة لطيفة او تشجيع صادق.

نعم نحن نصمت احيانا رغما عنا من هول الصدمة او المفاجأة التي لا نتحملها كي نستوعبها بل كي نصدقها خاصة حينما تكون تلك المفاجأة هي الكلمة التي تعبر عن رأينا ، فأذا اراد البعض ان نصمت لكي نفكر ،لأن الصمت هو الوسيلة التي تغيظ غيرنا وتجعلنا ننتصر عليه لاننا حينما ندير ظهرنا له ، لانه لم يعد له مكان بما يقوله لنا ، وهو لا يستحق منا ان نصغي اليه ، نعم اننا نصمت بارادتنا احيانا لاننا لا نريد ان نتحمل المزيد من الكلام الفارغ من اناس يعتقدون انهم كل شيء في حين أنهم لا شيء، ولكننا نقول لا نريد ان نخسر اعز الاصدقاء إلينا واعزهم الى قلوبنا لأننا نخشى ان نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة فتحدث شرخا كبيرا في علاقاتنا قد تؤدي بها الى النهاية، او قد تقودها الى الفتور، نصمت لاننا نريد ان نحتفظ بهذه العلاقة الحلوة التي لم نحس بطعمها من قبل مع اي انسان كائناً من كان،نتحمل ألم الصمت المر في سبيل شعورنا بأننا حققنا جزءاً ما ، او على الاقل دافعنا عن شيء يستحق ان ندافع عنه ونحافظ عليه ونتمسك به.

لهذا عندما نختلف مع البعض الذي يكرس هوية الاسلام السياسي بديلاً للهوية الديمقراطية ، فأن خلافنا لأن البعض يحاول بممارساتها الإكراهية إعادة انتاج التخلف التراثي والاجتماعي والتراثي السلفي النقيض لمفاهيم الديمقراطية ، وهي مفاهيم وأدوات وممارسات لم ولن تحقق تقدماً في سياق الحركة التحررية الوطنية ، بل على النقيض من ذلك ، ستعزز عوامل انهيارها والانفضاض الجماهيري عنها وصولاً إلى حالة غير مسبوقة من الاحباط واليأس ، كما هو حال ما تعيشه الشعوب العربية والشعب الفلسطيني.

ان الجمود العقائدي من بين اهم الاسباب التي ادت الى عزلة وتراجع وقصور وعجز بعض القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية والعربية ، نتيجة انتشار مظاهر الانتهازية والمحسوبيات والشللية والظواهر السلبية والامراض الخطيرة وشتم الاخرين دون مبرر وتكريس الشخصنة للقيادات وفقدانها لمصداقيتها ، لهذا اقول لهم فمَن كان منكم بلا حجر فليرجمني بخطيئة.

من هنا نتحدث نحن علنا في الشمس في كل مكان على سطح الكوكب وليس على الحدود ، الفلسطيني الذي ضاع وطنه نتيجة لأغتصاب ارض فلسطين من قبل الصهاينة وتشريده في اصقاع الارض ، تأمر العالم عليه لينشئ دولة كيان الاحتلال ، نتيجة تنتابه النزوات وشهوة

القيادة عند البعض، فيما العالم يصمت امام ما يتعرض له اللاجئون من سياسة وكالة الاونروا حيث تبلغ حدا لتجعل العمى والصمم مطبقين، بحيث لا تصل الصرخات التي يعبر عنها الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء إلى القلوب الرحيمة، ولا تسمع صرخات الاطفال، في مخيمات لبنان وسوريا والعراق وحتى في مخيمات غزة والضفة ، عصر مفعم بالهروب من الحقيقة، لكنه شعب لم يفقد قيمه ولكن، مع كل أسف البعض يتاجر به، ليس الكل كذلك.

لهذا المطلوب مواجهة سياسة تقليصات خدمات الاونروا للاجئين في المجالات التشغيلية والاغاثية والتعليمية والصحية، والاستمرار في خطوات تصعيديه تكون حضارية مع المحافظة على فتح العيادات والمدارس والثانويات من اجل اجبار الوكالة الخضوع لحوار بناء ومسؤول وايجاد حلول عادلة للازمة، لأن الحقيقة هي أنه ليس تمثال الحرية بمشعله وميزان عدالته المزيف بالتهرب من حق عودة شعب هجر من ارضه ، بل سيواجه هذا الشعب العظيم بقوة النضال صمت هذا العالم، من خلال حق العودة كحق ثابت وطني لا يتقادم وغير قابل للتفاوض إلا بالعودة لفلسطين كل فلسطين.

لذلك ندعو القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية والعربية الى العمل على مراجعة كاملة لكل المناهج والبرامج والمهمات المطروحة عليها, للخروج بفهم جديد يعيدها إلى دائرة الفعل المؤثر في حركة الواقع على مستوى الاستراتيجيا والتكتيك الصحيح الملائم لظروف المرحلة الراهنة، وهذا يستدعي من القوى والفصائل الديمقراطية واليسارية ان تقف امام الأزمة المستعصية داخلها وخاصة على الاقل التزام بهويتها الفكرية ، والعمل على فتح باب الحوار أيضاً بين مختلف التيارات والحركات الفاعلة على اختلاف مشاربها الفكرية والأيديولوجية اليسارية, والقومية, والإسلامية المتنورة ، لمواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني, والتيار الظلامي الاستئصالي التكفيري ، وهو دور سيتطلب من المثقف الثوري حجماً كبيراً من المعاناة والتضحية، عبر نضاله السياسي والكفاحي والعمل على إخراج جماهيرنا من حالة الركود والإحباط التي تعيشها في هذه اللحظة ومجابهة التحديات الماثلة أمام مسيرة النضال الوطني والديمقراطي لشعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات.

ومن هنا اقول نحن نحتاج ان نتحاور ونتحدث احيانا بصدق لان ما ترسمه الابتسامة على شفتينا من قبل اشخاص رائعين يدخلون السعادة لقلوبنا، نريد ان نستعيد تلك اللحظات التي استرجعنا فيها ثقتنا بمقدار وحجم ما بداخلنا من طاقات وقدرات ، وكي نستمع للآخرين بقلوبنا وعقولنا، كي نفهم ما يقولون، كي ندرك ما يقصدون، وكي نرد عليهم بأفضل مما يتوقعون، وكي نعطيهم اجمل مما يريدون، وكي نشعرهم ان هذا هو اقل ما يستحقون لأنهم ليسوا اي اناس ومهما كانوا مترددين ومهما كانوا غير واثقين بعد فلابد ان يشعروا بأننا متفهمون لوضعهم ومقدرون لظروفهم وما زلنا على استعداد لسماعهم والوقوف معهم.

ختاما : يكفي ان نعرف بأننا نبحث في قاموس مفرداتنا اللغوي عن اجمل الكلمات واعذب العبارات التي يمكن تقديمها لانسان استطاع بصدقه وعفويته وروعة تعامله ان يصنع طعم الحياة الحقيقي ، بعد سلسلة من الاحباطات والانكسارات التي كادت تهدم كل شيء جميل بداخلنا ، لذلك لابد ان تجعل مكانتهم في قلوبنا كبيرة واحترامنا لهم يتزايد، وأجمل ما في الحوار هو

تبادل الأفكار وتلاقيها، واغتناء المحتوى، ونقل التجارب بين آراء مختلفة، والوصول إلى نتيجة إيجابية ، تعتمد لغة العقل أساساً للعلاقات الإنسانية بين البشر.

بقلم/ عباس الجمعة