التاريخ ما بين ...النجاح ...والفشل !!

بقلم: وفيق زنداح

صفحات التاريخ مليئة بالأحداث والمنعطفات ....كما أنها تعبير يقترب والي حد كبير من صدق السيرة والمسيرة ....عوامل الايجاب والسلب ...محطات النجاح والفشل .....فلكل مسيرة تاريخية ....عناوينها ومحطاتها .....التي يتوقف عندها الكثير من الباحثين والدارسين ....المحللين والكتاب وأصحاب الراي ....لما في صفحات التاريخ من سيرة لشخصيات لا زالت على حضورها... بكل ما حققته من انجازات ونجاحات ...وما تحقق عبر مسيرتها من اخفاقات وفشل ....وكما سيرة الشخصيات والشخوص كانت مسيرة الشعوب ....والدول ...وحتي الاحزاب والحركات السياسية .

هناك الكثير من صفحات التاريخ التي تتحدث عن محطات النجاح والانجازات ....وهناك بالمقابل ما يسطر على أنه اخفاقات ونكسات .....ليس من السهولة بمكان التحقق من صدق النجاح والانجاز ...كما الفشل والاخفاقات ....لان درجات القياس تختلف ما بين شخص واخر وحتي ما بين مرحلة وأخري ....لعوامل عديدة لها علاقة بمجمل المؤثرات والمتغيرات ...ومزاج الرأي العام ...وطبيعة العلاقات التي تحكم ما يراد قوله .

على مستوي الانسان الفرد ....هذا الكيان الذي يصعب فهمه وتحديد خطواته.... يضع لنفسه برنامج حياة....ويعمل بما يستطيع ....وبما يمتلك من قدرات خاصة ذهنية ومعنوية ....علمية ومادية ...خبرات متراكمة .... يحقق من خلالها ما تم تخطيطه ورسمه لحياته ....وهناك من يفشل في تحقيق الحد الأدنى بما تم تخطيطه ....وهناك الاخر..... الذي بدأ حياته دون تخطيط ودون ارادة عمل ....فكانت البداية كما النهاية ....دون بصمة حياتية ...ودون انجاز شخصي ....وهنا تكمن الفروق..... ما بين الانسان المخطط والقادر على التنفيذ ....وما بين الانسان الذي يتسم بالفوضى والعبثية في حياته غير المنظمة ....كما الفرق ما بين الانسان الذي لا يتحلى بأدني قدر من المعرفة والقدرة على التخطيط والعمل ....ونتيجته الصفرية في حياته .

الشعوب قد يصيبها حالة من الاستكانة والانتكاسة ...حالة من الضعف والهوان ...حالة من التردد والخوف ....نتاج تدني مستوي التعليم والثقافة ....وما تعيشه تلك المجتمعات من فقر ومرض وجهل ....وعدم قدرة على العمل والانجاز.... وغياب واضح... وربما بدرجات متفاوتة للمنهجية الفكرية العلمية والثقافية .....كما الغياب للتخطيط الاني والاستراتيجي ....مما يحدث حالة فوضى عارمة ....وانتكاسات متلاحقة ...ونكبات تتعمق بجذورها.... لتحدث الفشل الذريع ...والهزيمة المحققة .

وقد يحدث العكس لبعض الشعوب والمجتمعات ....التي يتوفر لها مقومات الحد الأدنى من القدرة ...لاستنهاض طاقاتها ومقوماتها .....واعادة روح الامل والعمل ....بمرحلة انبعاث فكري ثقافي ....اجتماعي ...يولد طاقات متجددة ....وارادات أكثر قوة وصلابة وتصميم بإحراز المزيد من التقدم على طريق النجاح .

مسيرة التاريخ الانساني حافلة ومليئة بالكثير ....كما حالة الشعوب والدول ...فهناك من الشعوب والدول التي لم تستسلم لما أصابها من نكبات وهزائم ...وما حدث بداخلها من فشل سياسي مجتمعي واقتصادي ......والامثلة التاريخية عديدة ....وفيها الكثير من العبر والدروس المستفادة.... التي يمكن الاستفادة منها والبناء عليها ....عندما يتم قراءة تاريخ تجاربها واستخلاصاتها ....تاريخ زعمائها...واحزابها ....تاريخ علاقاتها الداخلية.... وما افرزته عبر مراحلها من سلبيات وايجابيات ....كان لصوت العقل الغلبة في نهاية الامر ....كما في جنوب أفريقيا وسياسة التمييز العنصري الذي كان سائد وقائم ومتفشي ...وما حدث في هذا البلد من حروب طاحنة ....دماء سالت وقتلي بالشوارع والميادين ...هروب وهجرة ...غياب واضح للاستقرار والامن ....تجربة مريرة وقاسية عاني منها هذا البلد الافريقي ....وكانت النتائج بعكس المشهد وافرازاته السلبية ....عندما توحدت الجهود....وانتهي التمييز العنصري .....وبدا العمل على بناء الوطن الذي جمع الجميع تحت رايته ...نموذجا افريقيا ....ونموذجا قياديا للزعيم نلسون مانديلا ....الذي سيبقي التاريخ يذكره ...ويكتب عنه حيا ام ميتا .

الهند ....ومهاتما غاندي ....هذا الرجل العجوز العبقري ...الثائر الهادي ....المفكر الحالم المصمم على رؤية الهند وشعبها ....بكل عوامل اختلافهم وتناقضاتهم... شعب موحد...وبإرادة واحدة موحدة ....اوصلت خطابها للاحتلال البريطاني ...أن من يصنع الملح ..سيصنع اكبر من الملح .....ويستحق الحرية ....وها نحن اليوم نري الهند.... والتي تمتلك القنابل النووية والصواريخ والاقمار الصناعية ...كما الصناعات الحديثة... والتكنولوجيا المتقدمة.

الصين الشعبية وزعيمها ما وتسي تونج ....والثورة الثقافية ....والتي كانت سبيلا لمعالجة السلبيات واستنهاض الطاقات ...ثورة ثقافية ولدت فكرا وارادة خالصة ....وبقيادة مؤمنة بشعبها ...مؤمنة بإمكانياته وقدراته ....ٌقيادة مؤمنة أن هذه الاعداد الهائلة من الصينين ستكون ثروة قومية وانتاجية ...ولن تكون عبئا اقتصاديا .

قيادة تمسكت بمبادئها في ظل تمسكها بالحداثة والتكنولوجيا ...وروح الابداع .....حتي اصبحنا نري الصين منافسا أول في سوق التجارة العالمية .

أمثلة عديدة عبر مسيرة التاريخ... كالثورة البلشيفية.....جميعها تؤكد ان ما تحقق من نجاحات وتقدم وتطور بارادة الشعوب وقياداتها واحزابها ....وبالمقابل أمثلة عديدة لحالات الفشل والتراجع والتخلف ....لمن لا زالوا غير قارئين لمسيرة التاريخ وتجارب الشعوب ....لمن لا زالوا بفكرهم التقليدي ....الذي يقرأ التاريخ بسطحية عالية ....كما يقرأون تجارب التاريخ برؤية أحادية .

ليس من المنطق .....كما ليس من الحكمة ....كما يقال ان نجرب المجرب ...وان نعيد تكرار انفسنا ....وأن نعيد تكرار تجارب غيرنا.... وأخص تجارب غيرنا ....ممن فقدوا قدراتهم وحكمتهم وقدرتهم على التقدم والانجاز .... وتحقيق وحدة ارادتهم وعملهم ...واخلاصهم لوطنهم ولشعبهم .

هناك من الدول والشعوب التي تعيش بظروف سياسية ...اقتصادية ..اجتماعية متقدمة...وبمعدلات تنمية عالية ....وبمعدلات دخول مرتفعة ...شعوب متحضرة لها شأنها في خارطة السياسة الدولية ...وخارطة الاقتصاد العالمي ....لها شأنها وقوتها في سوق التجارة العالمية ....كما لها نفوذها في صناعة القرار الدولي ....وهناك من الدول والشعوب التي لا زالت تراوح مكانها ...وتتلقي مساعداتها ....تتلقي طعامها وملبسها ..كما تتلقي ما تم صناعته وإنتاجه في الدول المتقدمة ....لا علاقة لهم بسوق التجارة العالمي... ولا تأثير لهم بخارطة السياسة الدولية ....شعوب ودول مستهلكة..... بمعدلات تنموية منخفضة ....وبمعدلات دخل متدنية ....شعوب لا زال يحكمها الجهل ...وعدم التعلم.... في ظل تدني المستوي التعليمي الثقافي الصحي ....والامثلة عديدة ويطول شرحها وتفصيلها ....كما والنتائج التي وصلت اليها تلك الدول والشعوب ....لا زالت تدفع ثمنها من دماء ابنائها واستقرار دولها .

وكما مسيرة الانسان .....ومسيرة الشعوب والدول ...هناك مسيرة الاحزاب والحركات السياسية التي اصبحت اسما دون مضمون ....واصبحت مكتوبة على يافطات مكاتبها ....وعلى مانشتات الصحف ...وعلى عناوين الاخبار ...حالة حزبية رقمية ..اسمية ...صوتية ....يتم تداولها ....لها عشاقها ...والمستفيدين منها ....اسما محفورا بذاكرة التاريخ .... ولتلك الاحزاب ما لها وما عليها .

خارطة الاحزاب والحركات السياسية ....اذا ما تم التأمل بتاريخها .....سنجد أن هناك الكثير ممن شطب والغي ...جمد ....أو تم انهياره ....بحكم تفاعلات داخلية ...وهناك من انقسم على نفسه.... ليصبح الحزب أحزاب ...والحركة حركات .

قراءة تاريخية للأحزاب والحركات السياسية.... سنجد أن هناك العشرات من الاحزاب والحركات داخل كل دولة ....ولم يتبقى منها الا بعض الاحزاب التي لا تتعدي اليد الواحدة ....فالأحزاب والحركات ليست يافطة تعلق ...وليست برنامج يعلن ...وليست مؤتمرات ولقاءات وندوات ...الاحزاب والحركات السياسية فعل مخطط لفكر واضح ...ونشاط دؤوب ...لتنظيم شفاف يعتمد اليات واضحة ....يحاسب من يخطئ...ويكافئ من ينجز ....أحزاب وحركات تقوم بمراجعة نفسها عبر مؤسساتها ....أحزاب وحركات لا تسمح بالتجاوز .... من مرتبة الي اخري ...ولا تسمح بإطلاق التصريحات خارج اطار الموقف الرسمي ....بريطانيا العظمي يوجد بداخلها حزبين كبيرين العمال والمحافظين .....أمريكا لديها حزبين كبيرين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ....روسيا الاتحادية بداخلها الحزب الشيوعي ....الصين الشعبية بداخلها الحزب الشيوعي الصيني ...ملايين البشر يقودهم حزب واحد ....وداخل دولة واحدة ....بينما الدول المتخلفة او النامية يوجد بداخلها عشرات الاحزاب ....والتي لا نسمع صوتها .....ولا نشاهد فعلها ...ولا نعرف عنها ...وحتي اذا ما سمعت..... نجد أفراد يتحدثون ....لا يمتلكون قدرة تنفيذ ما يتحدثون به..... مما يضعهم في مربع الفشل ....بحكم واقعهم ...فكيف لهم ان يحققوا النجاح لمن حولهم ؟؟!!.

بقلم/ وفيق زنداح