ذكرى تأسيس حزب الشعب تاريخ نعتز به ... لكنه ليس جواز سفر لكل المراحل

بقلم: وليد العوض

الشيوعيون الفلسطينيون يحتفلون في العاشر من شباط بالذكرى 34 لإعادة تأسيس حزبهم "حزب الشعب الفلسطيني" ومعهم تكتسي قمم الجبال بالثلوج ناصعة البياض رمزا للمحبة والنقاء ،يزهرون كما تزهر أشجار اللوز وتتفتح أزهار الأقحوان تفوح رائحة الياسمين ، والسهول تكتسي بثوبها الأخضر ، وفي شباط أيضا تتدفق مياه جبال الخليل ونابلس والقدس في جداول تروي سهول البلاد العطشى ، والبحر أمواجه تتهادي بلونها ألازووردي يطفو عليها رذاذ موجه الآفل يعلو موجه الهادر في غزة يردد قول إبنها الشيوعي معين بسيسو" هذي هي الحسناء غزة في مآتمها تدور. ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور. ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور. صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب .. إغضب.. ، اليوم العاشر من شباط كما كل يوم يجلس شيخ تحت ظل سنديانة وتحتضن فلسطينية شجرة زيتون وطفل يحمل حجر وعامل فلسطيني يحمل مطرقته كما يحمل الفلاح منجله وفأسه معلنا استعداده لاستقبال فصل جديد من فصول الحياة والأمل ، اليوم كما كل يوم العين تقاوم المخرز ويتصدى الأسرى لأسواط سجانيهم معلنين مرة أخرى أن لا عتمة الزنازين باقية ولا قيد السلاسل ومحمد القيق يدخل يومه الثامن والسبعين مضربا عن الطعام عنوان للمعركة ، واليوم أيضا تقف امرأة بثوبها ألفلاحي تلوح بمنديلها مودعة إبنها الشهيد وفي نفس الوقت تضع امرأة من بلادي مولودها على حاجز احتلالي معلنة بملىء فيها (إنا هنا باقون فلتشربوا البحر )، وفي هذا الخضم الذي يعكس إرادة الصمود والتحدي لشعبنا يتجدد الأمل في العاشر من شباط ، شهر العطاء المتجدد الذي اختاره الشيوعيون الفلسطينيون مناسبة لإعادة تأسيس حزبهم يحتفلون اليوم في كل مكان يتواجدون فيه كل بطريقته وظروفه التي يعيش بذكرى إعادة التأسيس الرابعة والثلاثين ومعهم يحتفل كل اليساريين والتقدميين والوطنيين الفلسطينيين تقديرا لدورهم وكفاحهم المجيد على مدار 97 عاما من الميلاد و 34 من إعادة التأسيس ، في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة عقود وأعوام أربع استطاع الشيوعيون الفلسطينيون الذي خاضوا كفاح صعبا وتعرضوا لكل إشكال القمع والاضطهاد والاعتقال على أيدي اجهزة المخابرات وفي أقبية التحقيق المعادية تارة وتارة أخرى ضيقة أفق قاتلوا بشجاعة وبشرف دفاعا عن شعبهم ،عاشوا نبلاءا انقياءا ولم يتفننوا في البحث عن مكامن الترف ولم يكن ببالهم ذات يوم أن يتحولوا جلادين لشعبهم ، خاضوا نضالهم فوق الأرض وتحت الأرض قبل غيرهم عرفوا قبل غيرهم الزنازين وسياط الجلادين اهتزت لإرادتهم أعواد المشانق هؤلاء هم الشيوعيون الفلسطينيين الذين لم ولن تنحني هاماتهم لجلاد، سجنوا في المجدل وعسقلان في نفحة وغيرها كما سجنوا في الجفر وأبو زعبل وفي الواحات عرفوا السجون في كل المراحل وكل العهود ولن تفت من عزيمتهم أن يعرفوا سجونا جديدة في هذا الزمن الأعور حيث يتحول فيها المناضلين والمجاهدين إلى جلادين ، وفي كل هذه المسيرة الشاقة لم يغب عن بالهم يوما أهمية وضرورة أن يكون لهم حزبهم الشيوعي الموحد إلى أن كان لهم ذلك في العاشر من شباط عام 1982 في الحزب الشيوعي الفلسطيني ، حزب مدافع عن العمال والفقراء والفلاحين وعموم الكادحين ، مدافع عن حقوق الشباب والمرأة وحقها في المساواة ، حزب ينشد العودة والحرية والاستقلال ويناضل لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أسسه وقاده بواسل وانتسب لصفوفه رفيقات ورفاق أشداء عرفوا طريقهم للحزب في أقسى الظروف وأشدها صعوبة ورغم كل ما تعرضوا له من تنكيل حافظوا على الهوية الفكرية للحزب باعتماد المنهج المادي الجدلي مستندين للنظرية الماركسية سلاح الشعوب المناضلة من اجل الحرية والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، رفاق مثقفين ثوريين زادوا من علمهم وثقافتهم التي صقلوها في السجون والمعتقلات فكانوا مناضلين ومثقفين تقدميين ثوريين يقولون كلمة الحق فيحترمها الشعب الذي أحبهم فحملهم الشعب ويحميهم في سويداء القلوب ،لم يخذلهم ففتح لهم بيوته إبان سنوات القحط والمطاردة العجاف ، ناضلوا بدأب وإخلاص فحملوا الحزب بين ضلوعهم التي تكسرت تحت عصي الجلادين فحموا والحزب وصانوه فلم ينكسر ،على كواهلهم تقدم الحزب وتعززت مكانته في مجمل الحياة السياسية الفلسطينية ، حزب تميز من الميلاد وحتى إعادة التأسيس بأنه حزب الصدق السياسي وهو الحزب الأكثر تنظيما والأكثر فعالية ، إنهم رفاق نستذكرهم الآن بعد أن غابوا ، رحلوا عنا بعد أن غيبهم الموت بعد رحلة المعاناة في المعتقلات وما الم بهم من مرض جراء المطاردة والملاحقة ، لقد رحلوا لكن بصماتهم ما زالت حاضرة نستمد منها بقايا البقاء ، بصماتهم باقية بما صنعته من صفحات لتاريخ ناصع لهذا الحزب الذي نحب ، لكن بموضوعية أقول أن هذا التاريخ وتلك الصفحات الناصعة التي منها نغترف وعلى مجدها نتغنى لم تعد تكفي ولم يعد لنا الحق في أن نعتبرها جواز مرور صالحا للعبور في كل المراحل ، هم رحلوا ونستذكرهم اليوم ونحن في خضم التحضير لعقد مؤتمر حزبنا وإعادة بناءه كحزب شيوعي يستند لذلك الإرث الكفاحي المجيد ويعيد إنتاجه بما يعيد للحزب هويته الفكرية وهيبته التنظيمية وموقعه الطبقي وبما يمكنه من استعادة مكانته في المجتمع الفلسطيني برمته ، إن استعادة مكانة الحزب قولا وفعلا في المجتمع الفلسطيني كحزب للعمال والفقراء والفلاحين والمزارعين والمثقفين الثوريين سيحدد ويحتل مكانته بجدارة على الخارطة السياسية دون منة من احد وسيمكننا دون شك من مواصلة الطريق الذي سلكه من قبلنا الرفاق ورحلوا قبل أن تكتحل عيونهم برؤية حصاد زرعهم ، إن الوقت قد حان للحفاظ على ما تركوه من إرث وصفحات عز نفتخر بها،،
إن هذا يفرض علينا في الحزب ونحن نحيي الذكرى الرابعة والثلاثين ونستعد لعقد المؤتمر الخامس أن نقف مع الذات لنرى على أية مساحة نقف دون أن نذهب إلى مربع جلد ذاتنا بل نقدها بمسئولية جادة، وأن نفتخر ونعتز بما قدمناه من رؤى سياسية صائبة وعمل دؤوب في الدفاع عن قضايا الناس في بحور الحيتان والظروف المتشابكة الصعبة، علينا وبكل وضوح الانفتاح لكل الاراء والنظر برؤية دقيقة لواقعنا كما هو على حقيقته وليس بالاستناد إلى مجد مضى ، إنها أسئلة عديدة تفرض نفسها على المستويات كافة سياسية وجماهيرية وفكرية وطبقية وتنظيمية بطبيعة الحال ،إنها أسئلة لن تجدي الإجابة عنها سياسية القفز فوقها والهروب منها بأي اتجاه ، أنها أسئلة الوفاء لرفاق رحلوا، أسئلة المواطن والعامل والكادح ، الفلاح والطالب ، الشاب المرأة والمثقف التقدمي،إنها أسئلة كل الشعب الطامح للتحرر والاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وما من شك إنها أسئلة لنا في قيادة الحزب قبل أن نصاب بالعمى، إنها الأسئلة التي تحملها الغالبية العظمى من شعبنا وهي تبحث عن قارب نجاة لعبور هذا النهر الهادر فهل سنكون ؟

بقلم وليد العوض
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
[email protected]
10-2-2016