يعتقد على نطاق واسع، انه كان من الأجدر بقيادتي حماس وفتح تأجيل كل ما يتعلق بمحادثات إنهاء الانقسام ودوامة المصالحة، ذلك ان أية نتائج غير ايجابية سيكون لها أثار سلبية سيئة على الشارع الفلسطيني المنتفض حاليا ضد الاحتلال.
المصالحة الفلسطينية هي بدون ريب مطلب كل فلسطيني مخلص، لكن سنوات الفرقة العجاف أسهمت بخلق شريحة من المستفيدين من الوضع القائم، وهي تعمل على وضع العصي في دواليب المصالحة كلما بزغ ضوء يبشر بوضع حد لنهاية الانقسام.
بالإضافة إلى ذلك، فان الموقف العام لبقية الفصائل الفلسطينية لا يعبر عن إحساس عال بالمسؤولية في هذا الشأن، فهي تتساوق في الضفة مع موقف القيادة التي عمليا تسيطر عليها حركة فتح ، وتتساوق في قطاع غزة مع مواقف حركة حماس المسيطرة هناك، بحيث صار موقف الفصيل أو الحزب عمليا موقفان، موقف هنا في الضفة الغربية، وموقف أخر مختلف عنه لنفس الحزب في غزة.
هنالك إدراك عال لدى الجميع، ان عملية المصالحة بدون ضوء مصري اخضر لن تتم، ذلك ان قطاع غزة يمثل بعدا استراتيجيا للدولة المصرية، وعليه، فان مجرد انتقال الملف إلى الدوحة، يعني ان أمر المصالحة يعتبر غير جدي ومشكوك في تحقيقه.
موافقة القيادة الفلسطينية البدء أو استئناف محادثات المصالحة في الدوحة، بناء على طلب قطر، لم يأت من خلال قناعات راسخة، أو ان إمكانية تحقيق مصالحة حقيقية كبير الاحتمال، وإنما أتى من باب المجاملة بحسب المعلومات المتوفرة لدينا.
الدعوة القطرية لم تأت بسبب اهتمام مفاجئ بالمسالة الفلسطينية، وإنما لحسابات قطرية ذاتية محضة، تتعلق بعدم القدرة على الاستمرار في تحمل عبئ حماس، وبناء على نصائح تركية، إضافة الى ضغوط سعودية من جهة أخرى.
حركة حماس من جهتها استمعت الى نصائح اردوغان الذي يبدو انه طلب منها الانخراط في العملية السياسية الفلسطينية بشكل اكبر، وهذا لن يتم إلا اذا تمت المصالحة، وأصبح مشعل تحت مظلة الرئيس عباس.
هذا الأمر تسبب في خلافات كبيرة قد لا تكون معلنة في صفوف حركة حماس وخاصة بين الداخل "غزة" والخارج "الدوحة"، وجسد عمليا نهجين شبه متباينين في الحركة، احدهما متشدد في غزة ويرغب بإنهاء ولاية مشعل في الانتخابات القادمة، وإبراز دور الداخل من خلال "ربما" انتخاب هنية بدلا من مشعل.
حماس ذهبت إلى الدوحة وهي ليست على قناعة تامة بذلك، وإنما من اجل إرضاء حلفائها في تركيا تحديدا، وهذا كان جليا من خلال "المباحثات" التي أجريت في أنقرة وحضرها بعض قيادات فتح وحماس غير المخولين عمليا باتخاذ قرارات صعبة، وإنما من اجل جس النبض.
بالنسبة الى حركة فتح فإن لديها إحساس عال بان حماس لا ترغب حقيقة بالمصالحة، وان وضعها المالي الذي يزداد ترديا خاصة مع توقف الدعم الإيراني السخي، وفي ظل تدمير حركة التجارة عبر الأنفاق، هو ما يدفعها على ان تبدو ميالة لمصالحة، وفي هذا الصدد يقول العارفون في فتح، بان أقصى ما تريده حماس هو ان ترمي بأعباء وثقل حوالي 40000 موظف في حجر السلطة، وبعدها تكون قد قلصت من تبعاتها المالية وهذا يجعلها متحررة من هذه الضغوط، التي إذا ما استمرت قد تؤدي إلى انفجار الأوضاع في القطاع.
الرئيس أبو مازن نفسه، يرفض ان تتم المصالحة في الحضن القطري او أي حضن سوى المصري، وعليه فان أي حديث عن مصالحة لا بد ان يكون برعاية مصرية وان ترعاه الدولة المصرية، وذلك لحساسية الموضوع وخاصة انه يتعلق بمصر والأمن القومي المصري، وهذا من حق مصر بحسب قيادي فلسطيني.
البيان الذي صدر في الدوحة بعد انتهاء المحادثات بين عزام وبسيسو وابو مرزوق ووفد حماس، لم يكون سوى كلام منمق، يمكن لمن يطلع عليه بتأن ان يدرك ان الوفدين لم يحققا أي شيء سوى "التبويس" و"الابتسامات" أمام الكاميرات.
نعتقد ان هذا ما لم يكن يرجوه الجمهور الفلسطيني، ومن هنا قلنا في البداية، انه ما كان على قيادتي فتح وحماس الخوض في هذا الملف في الوقت الحالي، خاصة لما قد يتركه من إحباط في الشارع الفلسطيني، وكذلك في ظل معرفتنا ان الفريقين ذهبا وفي عقل كل منهما شك وعدم يقين برغبة الطرف الآخر بانجاز المصالحة.
بقلم/ رشيد شاهين