تتواصل الحوارات واللقاءات بين حركتي فتح وحماس من اجل ايجاد مخرج لحالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية منذ ما يزيد على 8 سنوات، لقاءات واتفاقيات الدوحة ومكة والقاهرة والشاطيء، وما يجري الان بقطر، الا انها حتى اللحظة لم تتمكن من اخراج الساحة الفلسطينية من مأزقها، وهذه اللقاءات افقدت الفلسطيني ثقته وزادت من احباطه من الوضع الفلسطيني المتأزم الغير قابل للحل.
منظمة التحرير الفلسطينية بكل مأزقها وازمتها، تشكل الاطار الوطني للشعب الفلسطيني، والذي حصل على اعتراف فلسطيني وعربي ودولي، الى ان اتى اتفاق اوسلو الذي مس بدور المنظمة ومكانتها وهمش تمثيلها الشرعي والوحيد.
ما يجري الان بفلسطين ومن حالة انقسام سياسية ادت بسيطرة طرفين على قطعتين جغرافيتين من الوطن، هو جزءا من الحالة العربية التي تشهدها الدول العربية اذا دققنا النظر بطبيعة الاحداث والاشتباكات العسكرية والسياسية التي تحصل فيها، وان الحالة الفلسطينية والاشتباك الفلسطيني الفلسطيني قد سبق الاشباكات بين الاطراف الحاكمة والتيارات الدينية بالكثير من الدول العربية سواء بمصر او سوريا، بغض النظر عن طبيعة او كيفية الاشتباك الفلسطيني الفلسطيني.
التيارات الدينية بمجملها شكلت بديلا للسلطات الحاكمة ليس بفلسطين فقط وانما بكافة الدول العربية، فلا نرى الا هناك صراع بين تيارين الاول الممثل بالسلطة وكل ما يدور بفلكها والاخر التيار الديني الذي برز من خلال الاحداث نتيجة قمع اجهزة الدولة للحراك الجماهيري، حركة حماس انطلقت مع بداية الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، وطرحت نفسها كقوى موازية او بديلة لقيادة الانتفاضة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وطرحت برنامجها المقاوم بعد مراهنة منظمة التحرير الفلسطينية على المفاوضات والحلول السلمية مع الكيان الصهيوني، وقد استغل الكيان هذا التناقض بين الاطراف الفلسطينية، وكان له دورا اساسيا بتعميقه ووصوله الى الحالة التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية بالمرحلة الحالية.
عرف اليسار الفلسطيني على مدار مسيرة الثورة والمنظمة بانه جزءا من هذه السلطة وانه جزءا من مؤسسة القرار بحكم تمثيله بالهيئات القيادية رغم اعتراضه ورفضه المتواصل للعديد من القرارات والخطوات التي اعتبرها انها لا تصب بخانة الاجماع الوطني، وانها قرارات فردية ومراهنات خاسرة، وطالب اليسار بخط ثوري واستراتيجية واضحة لهذا الصراع، لم يتمكن من منع توجهات القيادة الفلسطينية من الانخراط بمشاريع التسوية، وبقي ضمن السلطة الفلسطينية، ولم يتمكن من حشد قطاعات جماهيرية واسعة من اجل ان تشكل ضغط جماهيري قادر على منع قيادة المنظمة من التهور بمشاريع التسوية، كذلك ما زال حتى اللحظة عاجزا عن ان يشكل حالة يكون بها قادرا على تجاوز حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية.
لماذا خيب اليسار الجماهير الفلسطينية؟ لتقول ان لا فرق بينه وبين اليمين، فهو جزءا من السلطة والمؤسسات، يراها هكذا، كما ترى الجماهير ان معارضة ورفض اليسار لمواقف منظمة التحرير الفلسطينية تاتي ضمن العملية الديمقراطية ما دام هو جزءا منها، موقف اليسار لم يتغير على مدار خمسين عاما من عمر الثورة والمنظمة، "القيادة المهيمنة والتفرد باتخاذ القرار والمطالبة بموقف الاجماع الوطني" ولم يتمكن اليسار مرة واحدة من ردع القيادة عن مواقف شكلت خلافات كبيرة داخل المنظمة.
حركة حماس تمكنت من بناء المؤسسات الخاصة بها وقاعدة جماهيرية واسعة، شكلت من خلالها عاملا اساسيا بتثبيت سلطتها وفرض مواقفها، وقاعدتها توازي تقريبا قاعدة كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية مجتمعه، فلماذا حماس عليها ان ترضخ لمواقف تعتبرها بوجهة نظرها مفرطة بالحقوق الفلسطينية تمارسها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟ ومن الذي اعطى لحماس هذه القاعدة الجماهيرية الكبيرة؟ وقبلها منظمة التحرير الفلسطينية؟ اليس الكفاح المسلح والعمليات العسكرية هي التي اعطى لكافة القوى هذه القاعدة؟ اليست المؤسسات ايضا هي التي جمعت هذه الجماهير لتكون ركنا اساسيا داعما لهذا التوجهات بمقاومة الاحتلال؟
اليسار مطالب بمواقف لاعادة بناء الجسور بينه وبين الجماهير، هذه المواقف تعتمد اساسا على قناعة الجماهير بتحرر اليسار من سياسة القيادة المتنفذه والمهيمنة والتي تتفرد بالقرار وتضرب عرض الحائط موقف الاجماع الوطني، مطالب بأن يطرح برنامجا يشكل بديلا لحالة الانقسام واحتكار القرار سواء من قبل فتح او حماس، اليسار بحاجة الى ان يبرهن للجماهير انه يسعى من اجل حريتها وكرامتها وتوفير الحد الادنى من مقومات الحياة والمساواة والعدالة الاجتماعية، تحرر اليسار يعتمد على قدرته على التغيير من داخل المؤسسة بمرحلة التحرر الوطني او من خلال بناء مؤسسات قادرة على تنظيم الجماهير التي هي حقا جماهيريا من اجل حقوق الفئات والطبقات التي تسعى الى تنظيم نفسها، تعمل من اجل خلق حالة جماهيرية قادرة على التأثير بالساحة لا تسمح لاحد بالقفز عنها او تجاهلها، وإن عجز اليسار عن ذلك سيكون قد ساهم بحفر قبره بيده.
جادالله صفا – البرازيل
10 شباط 2016