حال حوارات المصالحة الفلسطينية كحال المفاوضات العبثية،تسع سنوات عجاف ومن ثم نكتشف بان الإنجاز المتحقق هو الإتفاق على إطار للمصالحة،كيف سيدير الطرفان الحوار مع باقي القوى،وطبعاً هذا يحتاج الى جولات ولقاءات مكوكيه،تلك الجولات واللقاءات يترتب عليها،ترحيل عدد من الملفات والإستحقاقات مثل إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية،وترحيل عقد مؤتمر فتح السابع،عدا عن ان الشعب ليس له كلمة او دور في ذلك،فهو مطلوب منه أن يحضر حفلات الأعراس والمهرجانات لكي "يهيزع" ويصفق ويرقص ل"الإنتصارات التاريخية"،ودائماً إنتصاراتنا حتى ولو كانت على الورق تاريخية ومجيدة، وحتى أيضاً لو لم تحرر سنتمتر واحد من الأرض،ننتصر على الورق وقضيتنا تتراجع والمشروع الوطني يتفكك،وبعد ان نجح المتحاورين في تحويل هذا المشروع،مشروع حوار الطرشان حول الإنقسام والمصالحة،والذي تشارك فيه نفس الوجوه،الوجوه التي قسمت وأرعدت وازبدت وهتكت سر كل شيء،وتطاولت على الوطن والشعب،واليوم تتحدث عن الوحدة والمصالحة وإنهاء الإنقسام،تقول لك بمسؤولية عالية اتفق الأخوة على تحقيق المصالحة "المحاصصة"،على ان يتكفل كفلاء الدفع بتغطية تكاليفها المالية،والمثير للضحك،عندما يتحدث الطرفان عن ما يسمونه وزارات "سيادية" و"خدماتية" تحت الإحتلال توزع بينهم،،وإقتسام باقي المغانم للسلطة منزوعة الدسم،والتي اكد اكثر من مسؤول وقائد بأنها سلطة بدون سلطة،بما في ذلك الرئيس عباس،تلك الغنائم القادمة من ريع للمعابر والجمارك والضرائب والشركات والمؤسسات ...الخ
اما المفاوضات التي مضى عليها عشرون عاماً وألف كبير مفاوضيها كتباً حولها،ووضع لها المفسرون شروحات وقواعد،كعروض ونحو وشروحات سيبويه وابو الأسود الدؤلي،والتي قال حاملي مشروعها ونهجها وخيارها ومروجي ثقافتها،بأنها ساحة من ساحات الإشتباك مع العدو،منذ عشرين عاماً ونحن مشتبكين تفاوضياً علناً وسراً وعن بعد وعن قرب،بشكل مباشر وغير مباشر،ومن عاصمة لأخرى،ومن مبادرة لمبادرة تارة عربية واخرى دولية،وكلها تركلها وترفضها اسرائيل،برغم كل ما تحويه من تنازلات ومضامين لصالحها،وتارة نسمع بان المفاوضات تحقق اختراقات جدية،وتناقش اموراً في العمق والجوهر،واخرى المفاوضات تراوح مكانها،المفاوضات تتوقف واسرائيل ترفض تقديم أي تنازلات بشأنها،الإستيطان يتكثف ويتصاعد والقدس "تهود" و"تأسرل"،المفاوضات تعود للمربع الأول،المفاوضات لم تفشل ولا احد مسؤول عن ما وصلت اليه الأمور..؟؟ وكذلك المصالحة لم تفشل وستتواصل الجهود...وساحة الإشتباك ستتوسع رقعتها من قطر الى الإمارات فالسعودية فمصر،وربما تنتقل الى العواصم الأوروبية.
عندما تغيب الإرادة السياسة،ويتم تغليب المصالح الخاصة والفئوية على المصالح العليا للشعب الفلسطيني،ويعتبر كل فريق من فريقي الإنقسام،بان برنامجه هو برنامج الشعب الفلسطيني،ولا مجال لرؤيا او برنامج آخر،ويجري إدارة الظهر للشعب،والتعاطي معه على قاعدة القطيع"،وناتي به متى نشاء،فنحن هنا امام كارثة جدية وحقيقة،ولا يمكن لا لمشروع وطني أو مصالحة أن تتحقق بهكذا ادوات ورؤى،ولا يمكن لذلك ان يقربنا من تحقيق اهدافنا حتى في حدودها الدنيا والمرحلية،دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967،وحق عودة وتقرير مصير.
الخروج من عقلية "المحاصصة" واقتسام الغنائم،ومشاركة الكل في القيادة والقرار،بما في ذلك مركبات المجتمع المدني من منظمات واتحادات شعبية واهلية،قد يشكل المدخل نحو حل ازماتنا المستعصية،وهذا كله يجب ان يكون مقروناً بحكومة قائمة على أساس برنامج سياسي متفق عليه،برنامج يعبر عن إرادة شعبنا الفلسطيني،وكذلك الهيئات والمؤسسات القيادية لا يجوز لأحد ان يمس بهيبتها وقراراتها كائن من يكن.
اما المفاوضات العبثية فاكثر من مرة،جرى الحديث عن ضرورة إجراء مراجعات لهذا النهج والخيار،وعدم العودة لها،إلا بإلتزام الإحتلال بوقف الإستيطان وإطلاق سراح الأسرى،ولكن نكتشف بأننا عدنا دون ان يتحقق أي من إشتراطاتنا،حتى أضحت مواقفنا وتهديداتنا بعدم العودة للمفاوضات،او التهديد بوقف التنسيق الأمني ومراجعات الإتفاقيات الأمنية والسياسية والإقتصادية مع المحتل،مجرد قنابل صوتية ضجيجها اكثر من فعلها،ولم يعد أحد يلتفت لها او يعيرها الإهتمام لكثرة تهديداتنا بها.
نحن في مازق جدي،خبراء في عمليات التشخيص والتحليل،ولكن نبتعد عن الحلول،ولا ناخذ بها،الكل يريد ان يثبت بانه قائد المشروع الوطني،وهو لا يتحمل المسؤولية فيما وصلت إليه اوضاعنا،بل دائماً الجماهير ملتفة حول نهجه وخياره وموقفه ورؤيته وبرنامجه ..؟؟،ولكن في أرض الواقع الجماهير تبتعد عن الفصائل بالجملة لا المفرق،ولو كانت حقيقة ملتفة حول القوى والفصائل،لما قادت الحركات الشبابية والجماهير،هبتها الشعبية الثالثة بمعزل عن القوى والفصائل.
الجماهير بحاجة الى المصارحة والمشاركة في القضايا التي تهم حقوقها ووجودها،فهي المستهدفة بالأساس،وهي التي تدفع الثمن قبل غيرها،ولا تريد ان تذهب نضالاتها وتضحياتها عبثاً وان يجري استثمارها من قبل البعض لخدمة اهداف واجندات تبعدنا عن مشروعنا الوطني،وتحقيق اهدافنا،فهذه الجماهير ذات النفس التضحوي والمعطاء،تريد ان ترى قيادة مؤتمنة على قدر تلك النضالات والتضحيات،ترفض ان تستمر بدفع الثمن،وان تكون حطباً ووقوداً لمن يستثمرون لمصالحهم وأهدافهم.
إما مصالحة حقيقية تنهي الإنقسام وتوحد مؤسسات واجهزة شطري الوطن المدنية والأمنية،وتستعيد الوحدة الوطنية على أساس برنامج وطني موحد متفق عليه،ووفق استراتيجية موحدة،وإما توقف عن العبث والكذب والخداع والتضليل ومصارحة الشعب،بمن يرفض ويعطل علانية وصراحة،حتى تاخذ تلك الجماهير دورها في القيادة والقرار.
وكذلك هي المفاوضات،إما التمسك بشروط العودة إليها،او المغادرة النهائية لهذا النهج والخيار،نحو خيار الصمود والمقاومة بموافقة ومشاركة الكل الفلسطيني.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
10/2/2016
0524533879
[email protected]