لا يختلف المراقبون، أن المشروع الوطني الفلسطيني قد بات يئن تحت وطأة الإنقسام الذي مهد له الإنسحاب الأحادي الجانب لقوات الإحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر عام 2005م وما أعقبه من إنتخابات تشريعية في يناير من عام 2006م والتي أوصلت أغلبية برلمانية من حركة حماس إلى المجلس التشريعي للسلطة، ما فتح شهيتها للسيطرة على المشروع الوطني الفلسطيني برمته، والذي قادها لإنقلابها الأسود في 15 يونيو 2007م وإعلان حسمها العسكري في قطاع غزة لتتحقق بذلك الغاية من الإنسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب، وتشرعن حالة من الإنقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، والتي مثلت الضربة النجلاء لوحدة المشروع الوطني الفلسطيني، وذلك ما يبرر غض الطرف الإسرائيلي عما أقدمت عليه حركة حماس، بدعم من تيار الإسلام السياسي الذي يتطلع إلى إختطاف المشروع الوطني الفلسطيني وتوظيفه في سياق تطلعاته السياسية الإسلاموية في السيطرة والتمكين في حكم الدول العربية والإسلامية كافة، يضاف إلى ذلك الإستخدام والتوظيف من قبل دول إقليمية لا تخفي أجندتها الداعمة لهذا التيار السياسي في فلسطين، وغيرها من الدول العربية والذي بدا جلياً مع الإنهيارات التي شهدتها العديد من الدول العربية فيما عرف بثورات الربيع العربي عام 2011م وما تلاه من تداعيات.
وفي ظل هذا الإنقسام تمكن الإحتلال الإسرائيلي من إطلاق العنان لحركة الإستيطان الصهيوني في القدس والضفة الغربية، ومواصلة الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية وتجريدها من صلاحياتها التي حددها إتفاق الحكم الذاتي إلى الحد الأدنى، التي لم تعد معه قادرة على تبرير وجودها لدى الشعب الفلسطيني، كما تمكن من مواجهة وإفشال كافة الجهود والضغوط السياسية الهادفة إلى دفع عملية السلام للوصول إلى مبتغاها، ووضع جملة من الشروط والعراقيل أمام إنطلاقها، بغرض الإستمرار في إحتلاله وتوسعه في القدس والضفة الغربية، وصولاً إلى تدمير كل فرصة ممكنة لقيام دولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967م، وبذلك تدمير المشروع الوطني الفلسطيني في حده الأدنى في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس.
وفي ظل الإنشغال العربي والعالمي بأحداث الربيع العربي من تونس إلى ليبيا ومصر واليمن وسوريا، تتجمع كل هذه العوامل، لتكرس أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وتجعل من عملية إنقاذه، عملية سياسية معقدة ومركبة، فلسطينياً وعربياً ودولياً، تفوق طاقات الشعب الفلسطيني وقدراته الوطنية، رغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها القيادة الوطنية الفلسطينية والقوى المجتمعية المختلفة، من نخب سياسية وإقتصادية وفكرية لم تستطع لغاية الآن الخروج به من هذا المأزق ومن هذه الأزمة المستفحلة، وبقي المشروع الوطني الفلسطيني في حالةٍ خطرة، وحالة من التآكل الداخلي والخارجي.
أحد عشر عاماً على الإنسحاب الأحادي من قطاع غزة، وتسع سنوات على حسم حماس العسكري، وسلبيات هذان الحدثان تتراكم وتتزايد تعقيداً يوماً بعد يوم، وصولاً إلى حالة من اليأس والقنوط من الخروج من هذه الدوائر القاتلة للمشروع الوطني الفلسطيني برمته، رغم جولات الحوارات المتكررة، والعديد من الوساطات والإتفاقات، والمحاولات الجارية لإنهاء الإنقسام، إلا أنها جميعها فشلت في إعادة الإعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وكأنه بات رهينة لدى قوى الإنقسام وداعميه، حتى يتم نعيه وتشييعه، وذلك ما يخطط له الإحتلال الصهيوني، ويحقق أمانيه، لم يعد هذا الوضع الخطير محتملاً من قبل الشعب الفلسطيني، لذلك جاءت الهبة الفلسطينية وإنتفاضة القدس لتعبر عن سخط الشعب الفلسطيني على هذا الوضع القائم، وفقدانه الأمل بتحقيق تطلعاته الوطنية في إنهاء الإحتلال وتقرير المصير.
إن إستمرار الإنقسام وبقاء الوحدة الوطنية، رهينة لأجندات تيار الإسلام السياسي وتحالفاته، وبالتالي المشروع الوطني الفلسطيني الذي أسست له وقادته منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها الوطنية منذ ستينات القرن الماضي، وقد قطع شوطاً كبيراً، وحقق إنجازات عديدة على طريق إنجازه، أمر في غاية الخطورة والسخافة، لا بد من وضع حد ونهاية حاسمة له، وهذا لا يتأتى إلا بإشراك الكل الفلسطيني في حوار مفتوح، وعقد مؤتمر شعبي يعيد الإعتبار للمشروع الوطني، ويرتكز أساساً على تفعيل دور كافة الفصائل والقوى والنقابات والإتحادات الشعبية، في إطار م.ت.ف، وتفعيل كافة مؤسساتها التمثيلية والتنفيذية، والخروج من حالة الإرتهان بتصور واضح ومحدد ينهي حالة اليأس والخطر المحدقة، بفلسطين الشعب والقضية.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس