حرق النفس أحد أساليب الإنتحار

بقلم: حنا عيسى

يعتبر حرق النفس أحد اساليب الانتحار التي يقوم بها الفرد لقتل نفسه عمداً وذاتياً، وأكثر الطرق شيوعاً هي الشنق ثم القتل بالسلاح الناري، ويحدث الانتحار لعدة عوامل منها النفسي حيث حلل فرويد الانتحار بانه عدوان تجاه الداخل ثم قام عالم آخر بتعريف ثلاث ابعاد للانتحار هي رغبة في القتل ثم رغبة في الموت ثم رغبة في أن يتم قتله، ويحرم الإسلام قتل النفس بأي حال من الأحوال لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" (النساء29، وفي أغلب المذاهب المسيحية يعتبر الانتحار ذنباً استناداً إلى كتابات المفكرين المسيحيين المؤثرين من العصور الوسطى مثل القديس أوغسطينوس والقديس توما الأكويني، حيث يحرم الانجيل الانتحار، وحوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان، و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار.

لا یزال الانتحار الأقل انتشاراً في العالم العربي والإسلامي مقارنة مع الدول المتقدمة وسجلت أعلى نسبة هي إقدام الفتیات على الانتحار بسبب عادات الزواج التي یتم فیها إجبارهن على الزواج من أشخاص غیر مرغوب فیهم، وهنا یبرز الدور الذي یلعبه رجال الدین في التوعیة الدینیة وفق تعالیم الدین، بالإضافة إلى التربیة وتاریخ الفرد وتكوینه النفسي الذي یحدد قدرته على التكیف والتحمل وايٕجاد الحلول لمختلف الصعوبات الحیاتیة، ولا تزال ظاهرة الانتحار محط انظار واهتمام الكثیر من الباحثین وخاصة ان معدلات الانتحار قد ازدادت عالمیاً وخصوصا في الدول الاوربیة والولایات المتحدة الامریكیة (بحسب إحصائیات منظمة الصحة العالمیة( إلى انه في كل یوم تسجل  ٣٠٠٠ ) حالة انتحار، وان أكثر من ملیون شخص یقدمون على قتل أنفسهم كل عام، وان هناك ما بین ٢٠ و ٦٠  ملیون شخص یحاولون الانتحار سنویاً، ومع تفشي هذه الظاهرة فقد خصصت المنظمة العاشر من ایلول من كل عام یوماً عالمیاً لحشد الجهد الدولي لمنع ومكافحة الانتحار.

وحرق النفس هي نوع من أنواع التضحية بالنفس وطريقة للإنتحار يراد بها لفت الإنتباه وهز مشاعر الرأي العام وموجهة ضد السلطات وعدم إهتمامها بمشاكل المعني، والطريقة الأكثر شيوعاً هي أن يستعمل المنتحر جرة من المواد الحارقة كالبنزين أو الكحول يصبها على نفسه في مكان عمومي أو ساحة شعبية.

وحرق النفس هو تصرف ينطوي عليه ضرر كبير للإنسان ما يعني مخالفته لضوابط ترسمها القوانين الوضعية لكل دولة على حدة، والانتحار قد يتعاظم في الدول التي تشهد سوء في الأوضاع المعيشية بحيث ﻻ يمكن اعتباره مجرد ظاهرة نفسية إنما اجتماعية وسياسية واقتصادية بالمجمل، وأصل حرق النفس يعود في جذوره إلى منطقة التبت في الصين حيث كانت الاحتجاجات تتم عبر حرق أنفسهم كاحتجاج على الاوضاع المعيشية.

عوامل وأسباب الانتحار

ان للانتحار اسباباً متعددة نفسیة منها واجتماعیة ومنها مرضیة تتمثل في الامراض النفسیة والعاطفیة والفصام وتعاطي المسكرات والقلق والشعور بالیأس، اما ابرز العوامل والأسباب المؤدیة لهذه الظاهرة هي:

العامل النفسي: ویعد من ابرز العوامل المؤدیة إلى الانتحار، حیث أن الضغوط النفسیة على الفرد تؤدي إلى حدوث جروح معنویة عمیقة وشدیدة یمكن لها أن تدفعه للتفكیر في إنهاء حیاته بنفسه محافظاً بذلك على درجة من كرامته وقوته، ومن ناحیة أخرى فان رؤیته المغلقة والمسدودة والبائسة للواقع والأحداث وللظروف التي یمر بها تجعل فكرة الانتحار بدیلا مقبولا عن واقعة الذي یمر به لعدم تحقیق الهدف الذي كان یسعى إلیه، وتختلف رؤیة الأشخاص وتقدیراتهم ولظروفهم الحیاتیة التي تواجههم، وبعضهم اكثر تكیفا ًواحتمالاً للشدائد والصعاب وبعضهم لایتحمل درجات منخفضة من الإحباط والصعوبات وإيجاد المخارج والحلول المختلفة. ولاشك في ان الدلال المفرط وتلبیة الرغبات دائما یجعل الفرد ضعیفا أمام الاحباطات والأزمات، كما ان الفردیة والأنانیة والنرجسیة والتنافس الشدید مع الآخرین یلعب دوراً هاماً في تضخیم الاحباطات والأزمات ویمكن للضغوط النفسیة المتنوعة والاحباطات والصدمات ان تؤدي الى انفعالات سلبیة شدیدة وحزن وتوتر ویأس وغضب حیث یمكن للغضب ان یرتد إلى الذات بدلاً عن المحیط والآخرین وان تبرز الأفكار الانتحاریة ثم تتحول إلى سلوك انتحاري.

· العامل الاجتماعي: ویعتبر من اهم الاسباب المؤدیة الى الانتحار، ومن ابرز النظریات التي تناولت الانتحار كظاهرة اجتماعیة هي نظریة دوركایم ، التي فسرت اسباب حدوث هذه الظاهرة الى تكسر الروابط الاجتماعیة وضعف التضامن الأسري فیؤدي إلى انعزال الفرد عن مجتمعه نتیجة عدم اهتمام المحیطین به فینتهي الأمر به إلى احتمالات حدوث الانتحار.

·العامل الاقتصادي: للعامل الاقتصادي والانتحار علاقة طردیة، فتزداد حالات الانتحار عندما یكون الوضع الاقتصادي للفرد صعب ولیس لدیه فرص عمل او دخل ثابت، فمع ارتفاع معدلات البطالة ترتفع حالات الإقدام على الانتحار، والعكس صحیح فكلما توسع او انتعش الاقتصاد انعدمت او قلت حالات الانتحار..

·عوامل اخرى: الموضوع العاطفي والفقر والبطالة وعدم القدرة على التكیف مع المجتمع وعدم الالتفات للعوامل الحضاریة الاجتماعیة بالإضافة الى عامل البیئة .

ولم يقتصر الموقف الإسلامي الشديد فيما يخص حفظ النفس عند حد القتل أو إيذاء أبدان الآخرين، لكنه امتد ليحفظ النفس من صاحبها، إذ هي مجرد أمانة لديه، فالإنسان ملك لخالقه وليس ملكًا لنفسه؛ لذلك لا يجوز أن يتصرف في نفسه إلا في حدود ما أذن له الخالق، فليس له أن يضر نفسه بحجة أنه لم يتعد على أحد؛ لأن اعتداءه على نفسه كاعتدائه على غيره عند الله تعالى. وقد وردت في هذا التحريم العديد من الآيات منها قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]، في حين حرصت السنة على أن تشدد النهي عن هذا الفعل، وتوعدت صاحبه بعذاب أليم من جنس عمله بنفسه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًّا فقتل نفسه؛ فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) [متفق عليه، البخاري، (5778)، ومسلم، (313)].  وقد تنبهت التشريعات القانونية القديمة إلى فعل الانتحار، والذي شكل فرصة وهمية للكثيرين للهروب من الويل والعذاب الذي كانوا يلاقونه على يد الأمراء وأبناء الطبقة العليا آنذاك، فأسبغت إنزال العقاب بجثة المنتحر، فضلًا عن مصادرة أمواله لحرمان أهله منها. أما في القوانين الحديثة، فلا عقوبة على المنتحر، فقد فاضت روحه وأصبحت بين يدي الله يفعل فيه ما يشاء، فالعقوبة لابد أن تنفذ في شخص حي قادر عليها، وهو ما لم يتحقق في المنتحر.

بقلم/ د. حنا عيسى