دارت طواحين المصالحة الفلسطينية من جديد وللمرة السادسة خلال تسع سنوات لتبحث عن وطن اضاعه الانقسام بعدما توقفت المفاوضات لأكثر من عام ونصف لتطحن الخلافات وتنهيها وتضع الانقسام الاسود في مجمع النفايات وتأتي بدقيق يمكن ان يعجن ويخبز دون حصي ويأكل الشعب الفلسطيني الذي جاع لأكثر من عشر سنوات بسبب الانقسام الاسود, لم يكن الشعب يحتاج الى الخبز بالدرجة الاولي ولا الزيت وانما كان ومازال يحتاج ان تعاد له ارادته وكرامته التي سلبها الانقسام بإعادة الوحدة للوطن الذي ضاعت رايته وتفتت كلمته وانقسم صفه واصبحت فيها البندقية تقاتل من اجل صاحبها , توجع الشعب وما زال بسبب الانقسام الذي احدث فجوة بعيدة بينه وبين المتسببين في هذا الشرخ القاتل في صدره , فالشعب يدرك ويقرأ ويقارن ويستخلص النتائج ويبقيها في عمق وجدانه لأنه شعب اصيل مقاوم يعرف ان الوطن اكبر من هذا الانقسام وتجاره ومروجي سلعه التي لن يشتريها الا الفاسدون .
لقاءات متتالية في الدوحة من جديد هي اشبه بحوارات لخض الماء في قرب اللبن للوصول الي آليات تزيل كل المعيقات وتحقق ما اوصي به كل العالم وهي الوحدة الوطنية وتوحيد التمثيل السياسي الفلسطيني , المعروف ان هناك خمس اتفاقات ابرمت بين الطرفين وبحضور جميع الفصائل ايضا فكان هناك اتفاق مكة والقاهرة والدوحة وصنعاء ومن ثم اتفاق الشاطئ الذي اعلن فيه ان الانقسام اصبح شيئا من الماضي والذي على اثرة تم تشكيل حكومة وفاق وطني , لكن لم يسمح لها ان تتولى مهامها في غزة بالمطلق وكان البديل حكومة ظل تمارس كافة المهام الحكومية تديرها حماس ,لم تترك الاتفاقات الخمس شيئا الا واشبعته بحثا وبدقة وجميعها جاءت خشية من ان يضيع الوطن ان بقيت قاطرة المصالحة رهينة مصالح هذا الحزب او ذاك , لذلك قدمت ادق النصائح وابلغ التفاصيل من العواصم الخمس ليشارك الفلسطينيين بعضهم في كل شيء حتى في رصاص البندقية التي تحارب الاحتلال وسرعان ما ضاعت النصائح عند مصالح هذا الطرف الحزبية .
اليوم تغيرت خارطة العلاقات الاقليمية واصبحت هناك تكتلات جديدة وكل تكتل معنى بان يستحوذ على كل شبر بالمنطقة وبالتالي فان بعض هذه التكتلات رأت اليوم انه لابد من انهاء الانقسام وهذا هام مما دفع لتوكيل قطر بإدارة جولات حوار جديدة بين الطرفين في محاولة هامة لإحداث اختراق حقيقي هذه المرة واتفاق الطرفين على "اتفاق اجرائي " يهدف لتنفيذ ما تم الاتفاق علية في الاتفاقات السابقة لإنهاء الانقسام واولها تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون برنامجها السياسي هو برنامج م ت ف تتولى فورا ادارة مؤسسات الدولة بما فيها المعابر دون تدخلات او اعاقات من اي من القوي بغزة ,وتهيئ لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية وتعمل على حل ازمات الانقسام التي توالدت بفعل التباعد بين جناحي الوطن, الخطوة التالية والاهم برأي اعتماد خارطة عملية لتوحيد التمثيل السياسي الفلسطيني بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية وانضوائها تحت اطار (م ت ف) بما فيها حماس والجهاد الاسلامي للعمل معا لإعادة هيكلة كافة مؤسسات وهيئات المنظمة , قد ينجح الاطار العملي فعليا اذا لم يطول زمن الحوارات وتم انجاز كل شيء اللقاء القادم ,واذا ما تم تحييد اي تدخلات لقوي فلسطينية او اقليمية واذا ما لاقي دفعا فصائليا من كافة الفصائل العاملة على الساحة الفلسطينية ,ويكون الاطار فاعلا وناجحا اذا ما قدمت الدول العربية ضمانات مالية لتغطية كافة نفقات المصالحة من موظفين وبرامج اغاثية وبرامج تطويرية لمؤسسات الحكومة المدمرة في غزة , هنا يكون قطار المصالحة وجد مسارا ازيلت عنه كافة التراكمات والصخور وانطلق القطار في المسير حتى يصل للمحطة الاخيرة وهي توحيد التمثيل السياسي الفلسطيني واعتماد استراتيجية وطنية نضالية تحقق انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف , يمكن لهذا التصور ايضا ان يعمل دون حاجة لضمانات محلية فلسطينية لأنني اعتقد ان كل من الفصيلين اليوم اصبحوا في حاجة ماسة لاستعادة الوحدة الفلسطينية بسبب الاستنزاف الحادث في سمعتهم الحزبية على المستوي الشعبي وبالتالي تتناقص حظوظهم في الانتخابات القادمة, بالرغم من هذا الاطار الا ان المواطن العادي يبقي لديه سؤال هام , هل يمكن ان ينطلق القطار دون معيقات على الارض بسبب تنفذ بعض القوي وبالتالي تبقي حكومة الوحدة الوطنية غير قادرة على ممارسة الحكم في غزة كما حكومة التوافق الوطني , الايام هي التي تحكم فلننتظر ونري ..!!
بقلم/ د. هاني العقاد