من خلال سوريا، بوتين يضع حدا لسياسة الهيمنة الأمريكية في المنطقة

بقلم: رشيد شاهين

عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل لصالح الحليف السوري، فانه كان يضع في الحسبان، أن سوريا هي الحصن الأخير للدب الروسي في المنطقة، وانه إذا ما فقدته روسيا فإنها ستخرج من المياه الدافئة وربما إلى زمن طويل.

عدم الخروج من الحصن الأخير كان جليا بالنسبة لبوتين، فيما كان الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة لأوباما الذي بدا مترددا عاجزا خاصة بعد التجربة الأمريكية في العراق والخسائر الكبرى التي منيت بها أمريكا نتيجة الاحتلال الأمريكي، إضافة إلى دخول السنة الانتخابية الأمريكية، وتبعات أي تدخل سافر وأية خسائر حقيقية، الأمر الذي قد يطيح بالحزب الديمقراطي وإعادة انتخابه. ومن هنا اكتفى اوباما بالاستناد لحلفائه العرب والأتراك للقيام بالمهمة الرئيسة.

الفرق بين السياستين الأمريكية والروسية كانت واضحة منذ البدء، فأمريكا مترددة، وروسيا مصممة، وهذا هو لب القضية، بوتين تدخل من اجل تعزيز موقع حليفه السوري والاستمرار في قتال المعارضة المسلحة بكل أطيافها حتى القضاء عليها، منطلقا من ان أي معارضة مسلحة في أي بلد هي غير مقبولة، وان الغرب يمارس في سوريا ما لا يمكن ان يقبله في بلاده، وانه لو انطلقت أي معارضة مسلحة في أي بلد غربي، فان مصيرها سيكون القضاء عليها بالقوة، وان أقصى ما يمكن قبوله هناك، هو معارضة سلمية ضمن العملية السياسية والقانونية.

منذ تدخلت روسيا أواخر سبتمبر الماضي، كان هدفها واضحا، وهو القضاء على المعارضة المسلحة بأسرع وقت ممكن، وقد ثبت خلال الفترة الماضية، انها تحقق نجاحات ملموسة على الأرض، وان الوقت "خمسة أعوام" الذي حدده الغرب للقضاء على المسلحين بما في ذلك داعش، كان لمزيد من الدمار في سوريا، وان العملية سوف تتم بوقت اقل من ذلك بكثير.

مع التقدم الجاري على الأرض، ومع وصول القوات الحكومية إلى حلب وحصارها، فان آمال المعارضة والأتراك والغرب باتت في مهب الريح، وصار الأمر يتعلق بمعركة مصيرية سوف تكون الحد الفاصل في الأزمة، حيث إذا تمكنت الحكومة إغلاق الحدود مع تركيا، ومنع دخول الأسلحة والمعارضة، فهذا يعني التفرغ لداعش والقضاء عليه في المناطق التي يسيطر عليها.

التراجع الأمريكي والارتباك التركي، والانتصارات الحكومية على الأرض، يخرج سوريا عمليا من الحسابات الأمريكية ومن "مناطق مصالحها"، وهي بذلك كأنما تعترف بالهزيمة في هذه الغزوة التي باتت وبالا على سياستها في الهيمنة.

الموقف الأمريكي "المهزوز" ابتدأ عمليا منذ قصة الأسلحة الكيماوية، حيث لم يحسم اوباما خياره، وهذا أدى فيما بعد إلى تراجعات متتالية، وصولا إلى أزمة الطائرة الروسية التي كشفت الظهر التركي وأظهرت عدم استعداد حلف الناتو الانجرار خلف سياسات اردوغان ومغامراته.

الوضع الحالي يؤشر إلى ان الحكومة تحقق انجازات هامة بمساعدة الروس، فيما تتراجع الميليشيات الإرهابية المدعومة من بعض العرب والغرب وتركيا، وستكون معركة حلب هي الحد الفاصل بين ما مضى وما سيأتي، ومن الواضح ان اليد العليا في هذه المعركة ستكون للقوات الحكومية ومن يساندها بما في ذلك روسيا.

الانتصارات المتتابعة التي تتحقق على الميليشيات الإرهابية، سوف تعزز الدور الروسي ليس فقط على مستوى المنطقة، وإنما على مستوى العالم، وهذا ما سيقود إلى تآكل عملي للدور الأمريكي وأحادية القطبية، ولعودة روسيا إلى الساحة الدولية كقوة عظمى من جديد.

بقلم/ رشيد شاهين