المحطة الأولى:-
حركة فتح في بنيانها ونظريتها هي حركة الجماهير الفلسطينية وهي المعبر الحقيقي عن ردات الفعل الموضوعية لعوامل النكبة ومؤثراتها .
وحركة فتح في تنظيمها تختلف عن الحزب أو عن الجبهة فهي حركة تعبر عن توحد الإستراتيجية لدى كافة طبقات الشعب وهذه الإستراتيجية التي وضعتها فتح على قائمة أهدافها ومبادئها تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني وتصفية الكيان الصهيوني عسكريا واقتصاديا ونهجا وثقافة على الأرض الفلسطينية .
ولذلك حركة فتح لم تعبر في أدبياتها عن أيديولوجية تحكم حركة وديمومة العمل داخل أطرها ومركزية النهج والتفكير التي يمكن أن تكون ضوابط لحركة أعضائها ولذلك كانت نقطة اللقاء حول البرنامج الوطني الذي رفعته فتح وعموده الفقري الكفاح المسلح والذي هو في الأساس رافده الأساسي التنظيم والعمل التنظيمي هذا العمل الذي يتم من خلاله فرز كافة الطاقات المنفذة للبرنامج النضالي الحركي .
فتح وفي مراحل بنيتها الأولى اعتمدت على البناء الخيطي ثم الهرمي أو الحلقي كوسيلة للانتشار وكانت نظرية النخب أساسية في البناء وكذلك عملها كطليعة في محطات الشتات ومن هنا أتى البناء التنظيمي الواسع الذي حققته حركة فتح في قفزات سريعة ومتتالية أربكتها داخليا وبشكل مفاجئ وخاصة بعد معركة الكرامة في 21/ 3/68 انتشار وتوسع غير محسوب دفعت به نتائج هذه المعركة والمتغيرات الحادثة على النظام الرسمي العربي وحركة الجماهير العربية وكبريائها المنتزع في حرب الخامس من حزيران .
المحطة الثانية :-
أمام هذا النصر الكبير الذي حققته حركة فتح ميدانيا وما صاحبه إعلاميا لم تضع حركة فتح ولم تكن جاهزة لإستيعاب حركة الجماهير داخلها وتسييرها وفق برنامج حركي ثابت وملتزم .
بل أضفت على حركتها الداخلية نوع من الإضطراب والتخبط ولذلك وفي حين أن حركة فتح كحركة ثورية ترفع راية حرب التحرير الشعبية كانت في بدايات عملها من حرب عصابات ذات المجموعات الصغيرة أي في المحطة الأولى لحرب الشعب وكان من أكبر عملياتها عملية الحزام الأخضر كمتغير جديد على أداء هذه الحركة في مواجهة العدو الصهيوني.
واصطدمت فتح بمشروع روجرز مما أربكها سياسيا وعسكريا من خلال التغير الملحوظ في المواقف العربية الرسمية فإتجهت فتح في بنائها الداخلي بعد ذلك :-
1- التنظيم والبناء والميليشيا لا أعرف هل من الصواب أو الخطأ ظهور مفهوم الميليشيا في هذه المرحلة المبكرة من البناء والأداء الثوري وبشكل أساسي فلقد أتت فكرة الميليشيا برمتها على حساب التنظيم وفاعلية التنظيم وديناميكية العمل التنظيمي ولذلك تولد الصراع الأولي بين التنظيم وقيادة الميليشيا والميليشا مما أعطى مظاهر أولية من عملية الإنفلاش الحركية وعدم مركزية القرار المؤثر والسيطرة أما من دعموا فكرة الميليشيا فكانت لهم وجهة نظر وهي القوة التي تحمي التواجد الفلسطيني والمخيمات وأتصور أن هذا خطأ من الأخطاء الفادحة وإجحاف في ارادة التنظيم وقوته وقدرته على حماية نفسه وجماهيره.
2- الأمن أصبح قصة مؤرقة في داخل اطر حركة فتح وأنا لا أنكر هنا فاعلية أجهزة الأمن الفلسطينية في مراحل مختلفة في المسيرة الثورية إلا أن العمل الأمني واجه متاعب أولها الهجمة الجماهيرية وهجمة الإنتماء لحركة فتح ما بعد معركة الكرامة وهذه الهجمة سمحت للكثيرين من الأجهزة الإقليمية والدولية أن تغزو اطر ومؤسسات حركة فتح في حين أن قوى الأمن الملتزمة لم يكن لديها الطاقة الكافية لمتابعة وملاحقة جميع الحالات أو كشف الاختراقات ولذلك أتت تعددية الأجهزة في داخل حركة فتح كنوع من أنوع التنافس والحفاظ على الذات داخل الأطر الحركية وقيادتها ومنذ إنشاء الرصد المركزي مرورا بالأمن الموحد مرورا بالأمن المركزي وقوات 17 هذه اللبنة الأساسية التي أفرزت قوى الأمن الحالية بعد أوسلو وأضيف عليها اجهزة اخرى التي جمعت في صفوفها حالات كثيرة مختلطة وبدون إعداد حركي ولكن كان الولاء فقط لرموز وبشكل إجمالي ومن خلال معرفتي أن البنية التي تم بنائها في داخل الأجهزة الأمنية بعيدة كل البعد عن البناء الحركي كتأطير وثقافة وأدبيات أي أن عناصر تلك الأجهزة أتت على قاعدة المعرفة الشخصية والولاء وليس على قاعدة البرنامج الحركي وثقافة هذه الحركة مما شكل بوصلة نحو الإنحراف .
سميح خلف