عقدة الاستعظام و الجلوس في السطر الأمام (قراءة في سيسيولوجيا الأحزاب)

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

من الامور التي اصبحت ظاهرة سيئة في اللقاءات والندوات التي يدعى اليها في كافة ارجاء الوطن ، ظاهرة تحولت الى (عقدة الجلوس في السطر الاول ) ، اصيب فيها الكثير ممن اصيبوا بمرض الوهم انه اصبح (المسئول - المتفرد بذاته- الاوحد ) في احد المؤسسات او الاحزاب التي اصبحت بعدد الليمون في مجتمعاتنا ..
كثير من المؤسسات نجدها تضع شارة محجوز على طول السطر الاول وربما الثاني ، ويكون اللقاء مثلاً الساعة العاشرة صباحا ، ولكن مرض الوهم المصاب به من يعتقد انه مهم او مسئول وحبا منه بالظهور يتعمد ان يأتي متأخر بعد نصف ساعة ، حتى يشار له بالبنان ، وربما ينال صورة من احد الكاميرات المنتشرة -ايضا - كمرض الجدري في الجسم ، ويا ويل المنظمين للاحتفال ان كان مقعده في السطر الاول غير مهيئ ، وترى الارباك بالقاعة ، ويتم احضار كرسي حتى لو كان من البلاستيك غير المقوى ، المهم ان يوضع في السطر الاول غير مهم ان وضع في اوجه الناس او حتى على المنصة ..
صحيح ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال (أنزلوا الناس منازلهم ) فالمراد بالحديث هنا الحض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض في المجالس و القيام وغير ذلك من الحقوق"، والمقصود معاملة كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف. ولكن حينما يدعى الكل ان له منزلة وخاصة ممن تسلقوا على ظهور شعبنا ، اوصلتهم الصدفة او القبلية او الحزبية ، فهذا لا ينطبق عليه الحديث وليس له منزله اطلاقا ، وخاصة ممن يتعمد التأخير فلا مكافاة للمتأخرين بكافة الشرائع والاعراف ..
وهؤلاء المرضى والمعقدين ينطبق عليهم فقط لفظ ( حب الظهور)
حب الظهور ومرض النرجسية والاستعظام :
فالمثل القائل ((حب الظهور يقسم الظهور)) هي مقولة قديمة انطلق بها الأولين لتذكير النفس بعدم الوقوع في شراك العجب والرياء ، وهي أمراض خطيرة بدأت تسود في المتوهمين بأنفسهم والمصابين بمرض العجب ..
وحب الظهور، آفة لها مظاهر عديدة، فترى الشخص دائماً يطلب على الدَّوام أن يبرز على أنَّه أفضل الناس أو أنَّه أكثرهم عقلانية، أو أنَّه الأجدر برئاسة مكان ما، وتراه دائما يطلب لنفسه الرئاسة في الأماكن البارزة، ويشعر بداخله أنَّه في كلِّ الأحوال أفضل الناس، وتراه في النقاش مصرّاً على رأيه لا يتنازل عنه أبداً وإن دخل في مرحلة من المراء والجدال، وحتَّى لو ظهرت له من الآراء ما يدحض رأيه تراه يكابر عن قول الحق.
كما أنَّ تلك الآفة تدفع الفرد داخل أيّ مؤسسة يعمل بها إلى عدم المشاركة الإيجابية عندما يكون مرؤوساً، تجده كارهاً نقد الآخرين له ومعظّماً دوماً من قدر أعماله كثير المباهاة بإنجازاته مكثراً من استخدام ألفاظ : (أنا ولي وعندي)، ويسعى دائماً لإفشال المشاريع والأفكار والمبادرات كافة، التي تصدر عن أيّ شخص غيره، تراه مبالغاً فيما لديه من علم، كثير الحديث عن تجاربه الخاصة، كثير الاحتكاك بمخالفيه في الرأي وخاصة من قرنائه، معتداً برأيه فقط، سيّئ الأسلوب مع الكبار، يعتذر دائماً عن التكاليف الصغيرة التي لا تكفل له أن يبرز، كثير النقد، متهكما على قرنائه وعلى أفكارهم ، من هنا تظهر بوادر مرض الاستعظام ، بعدها يصاب الانسان بفقدان البوصلة ويعاني من توهان داخلي ..
امام هذه الآفة لابد الإشارة الى منظمين اللقاءات والبرامج ان لا يعززوا هذه الظاهرة لمساعدة مرضى الاستعظام والنرجسيين ، بالشفاء من مرضهم ، وعدم مكافاة المتأخرين لانهم مستهترين بوقتكم وبرامجكم ، واخيرا في ظل كثرة المسئولين والاحزاب والمؤسسات لابد اعتبار ان الكل مسئول ، ولا يوجد شعب بيننا ، لذا لابد من التعامل مع الكل بسواسية ورفع شعار محجوز عن السطر الاول .. فهل وصلت الرسالة للمستعظمين
بقلم د ناصر اسماعيل اليافاوي