نقف امام انتفاضة حقيقية تعبر عن اهداف الشعب الفلسطيني العظيم، كما وتفتح التاريخ بصفحاته المضيئة حيث تدق الأبواب، انتفاضة السكاكين والدهس والحجارة ، يفوح منها عطر الفتيات الشابات المزينات بخضاب الدم، يداً بيد إلى جانب شبابها، هو وعد الأرض، وعندما تعد الأرض يلبى أبناؤها، تملؤهم الحماسة ويفاجئونها بقصص بطولية تفوق الخيال تسطر بدمائهم الذكية.
هنا فلسطين، لمن لا يعرفها، أرض فتية عصية على الرضوخ، مقبرة للمحتل، هى عبق التاريخ الطويل من التضحيات والمقاومة، دماء أبنائها عرق الأرض وملحها، يخبو لهيبها إلى حين، ثم يعاود الاشتعال، وقودها جيل جديد من الشباب الفلسطينى اليافع، يقود انتفاضتها المتواصلة لشعوره باليأس من طريق الحل السياسى، مؤكدا على طريق النضال باعتباره اللغة الوحيدة للرد على الاحتلال والاستيطان، هذا هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.
عدة عوامل تجعل الانتفاضة مرحلة ثورية جديدة بكل للكلمة من معنى تحمل الشعار التالي " لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة فابطالها ملثمون بالكوفية الفلسطينية، واغلبيتهم طلاب وطالبات الجامعات، هم جيل المستقبل، يواجهون جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه بكل عزيمة وقوة دون خوف أو تردد.
اليوم تمضي الانتفاضة بعد سنوات طويلة من المفاوضات المضنية والعقيمة مع كيان الاحتلال. طيلة تلك المدة هبط مستوى الحياة بشكل حاد، ولكن لم يعلم البعض ان هناك جيل متمسك بحركة وطنية للتحرر والاستقلال، يقوم بدور رائد وطليعي في الانتفاضة لن يتنازل عن حقه في الاستقلال والعيش بكرامة في ارضه.
وعلى الرغم من كل ما تقدم، فإن الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني، التي تواجه القتل والارهاب والقتل وتهويد الارض والمقدسات، تتحول الى رمزية نضالية، وصمود، ووحدة مصير وتمسك بالحقوق المشروعة والعادلة، ولتصبح مقاومة الشعب الفلسطيني رمزا للصمود والتمسك بالحق في الحياة، وهي لحظة تاريخية يتجدد النضال الفلسطيني من خلالها، وتتجدد معه وحدة هذا الشعب، حيث يتوحد أبناء شعبنا الفلسطيني وهم يتنسمون رائحة الوطن الفلسطيني من خلال عطر الشهداء وجراح المناضلين ومعاناة الأسرى والمعتقلين في المسيرة المتصلة من اجل الحرية والاستقلال، حيث تتجدد الآمال من خلال شابات وشباب الانتفاضة الذين يحملون اليوم الامانة بشرف وكبرياء وارادة ثورية وروح عالية من التحدي والصمود والمقاومة لكي تبقى فلسطين هي الأمل والحلم الثوري والمسيرة الكفاحية حتى تتحقق الاهداف ..
إن اللحظة الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطيية، اليوم، لا يمكن أن تفهم بمعزل عن محيطها العالمي ومصالح النّظام الاستعماري الجديد، إن كان مباشرا عن طريق الاستيطان أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الوكلاء ، لأنّها قضية شعب يقاوم ويرفض الاملاءات الخارجية، ويواجه عبر نضاله وحشية العدو الصهيوني ، لذلك فهي قضية اشتركت فيها كلّ الشّعوب والقوى التّحررية والتقدمية، والتي ترى نفسها فيها، باعتبارها قضيّة إنسانية عادلة تتجاوز منطق الخصوصيات والهويات الضيقة، وهذا يستدعي من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية ضرورة التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للمساومة والمقايضة وخاصة حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم وديارهم التي هجروا منها قسراً عام 1948، وعلى أهمية ترابط كافة أشكال النضال وفي طليعتها الانتفاضة والمقاومة كأرقى شكل كفاحي وخيار استراتيجي تفرضه طبيعة العدو العنصري الاستيطاني الذي نواجهه، دون التقليل من أهمية كافة الأشكال النضالية الأخر
وفي ظل هذه الظروف نرى أن المدخل لمواجهة حملات الضغط والابتزاز التي تهدد حقوق الشعب الفلسطيني ووحدته الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات في إطار الأمم المتحدة، لتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والعمل من اجل النهوض بدور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع وممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية، وكذلك النهوض بدور فصائل العمل الوطني على اختلاف توجهاتها، ووضع آلية لصنع القرار الوطني يتيح المشاركة والمساءلة والمحاسبة، وتطوير دور وتأثير الرأي العام في التعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة وتطلعاته الوطنيّة.
من هنا الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية وانهاء الانقسام الكارثي هو السلاح الضروري في مرحلة التحرر الوطني لمواجهة العدو الصهيوني، وهذا يستدعي سرعة إنجاز المصالحة الفلسطينية ، ومعالجة كافة الإشكاليات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني وعلى وجه الخصوص الشباب باعتبارهم جزء لا يتجزأ من مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني ويشكّل الرافعة الأمامية للحالة الكفاحية والثورية في مسيرة شعبنا .
حتاما : إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد للشعب الفلسطيني، في هذه اللحظة الثورية التي تتصاعد فيها انتفاضة فلسطين ، تتطلب تعزيز روح المقاومة والتمسك بالحقوق والثوابت، عبر صمود شعبنا وصمود انتفاضته ومقاومته ونضاله الكفاحي والسياسي والجماهيري حتى تحقيق الانتصار.
بقلم/ عباس الجمعة