نظام الطبقية في سلم الرواتب اثبت فشله وانتهى لانفجار واضرابات متواصلة

بقلم: سهيله عمر

استحقاقات الموظف المدني تتمثل في الراتب الأساسي، علاوة الاختصاص، علاوة اجتماعية للزوج والأولاد، بدل مواصلات، علاوة الندرة، علاوة غلاء المعيشة، علاوة طبيعة العمل، علاوة إدارية، علاوة القدس، علاوة اسعافیة تصرف للأطباء العاملين بوزارة الصحة، علاوة المخاطرة. اما الاستقطاعات فهي: قسط التقاعد، قسط التامين الصحي وضريبه الدخل
.
نلمس الطبقية والتمييز في سلم الرواتب بأشكال عده في الوظائف الحكومية وسأسرد بعض اشكالها.

1. علاوة طبيعة العمل وعلاوة التخصص:
لأول مره اطلعت على علاوات طبيعة العمل لموظفي السلطة الوطنية في قانون الخدمة المدنية كان عام 2005، وذهلت فمن الواضح ان سلم الرواتب وضع على اساس غير منصف بين التخصصات المختلفة في المؤسسات المختلفة ويخضع للطبقية. كانت علاوة طبيعة العمل للطبيب 100 %، وللطبيب المتخصص 150 %، وللمستشار قانوني 150 %، وعلاوة طبيعة العمل للمهندس او الصيدلي او الطبيب البيطري او طبيب الاسنان 60 %، بينما علاوة طبيب العمل للمهن الطبية 30 %، بينما علاوة طبيعة العمل للمدرس البكالوريوس او المرشد او الباحث الاجتماعي او النفسي او الاحصائي الجامعي 30 %، وعلاوة طبيعة العمل للمحاسب الجامعي حوالي 35 %، وللسكرتاريا الجامعي 35 %، وللاستاذ مساعد 150% ، وللمبرمج 45 %. كما تبلغ علاوة طبيعة العمل لمدير C حوالي 50 % ويتدرج لمدير ِA1 فتصل علاوة طبيعة العمل حوالي 90 %.

وحتى علاوة التخصص للدكتوراه في الطب 800 شيكل، بينما للدكتوراه في التخصصات الاخرى 500 شيكل، وللماجيستير 300 شيكل. ثم ظهرت علاوة المخاطرة التي تتراوح بين 20 % الى 30 % لمختلف المهن، لكنها لم تطبق حينها الا على الاطباء طبقا لنظام الطبقية باعتبار انهم الطبقة العليا في المجتمع ولا اعرف ان تم تطبيقها اليوم على باقي التخصصات.

لم افهم سبب التفاوت والتمييز في علاوة طبيعة العمل بين التخصصات المختلفة خاصه اننا نعلم ان المدرس هو اكثر من يعمل حيث انه يحضر ويذهب للتدريس ويصحح وينقل عمله ايضا للبيت. أي هو يعمل بدون انقطاع ولا يوجد بطاله مقنعه ونظام تهميش في مهنه التدريس. كما ان التعيين في مهنه التدريس يخضع للشفافية حيث يوجد امتحانات ومن بعد الامتحانات يكون هناك مقابلات ويعتمد المعدل الاكاديمي كمعيار للترشيح للوظيفة على عكس التعيين في جميع المؤسسات الاخرى التي تخضع للواسطة والحزبية، بدليل ان هذه المؤسسات كانت تمتلأ بموظفين من فتح واصبحت اليوم تمتلأ بموظفين من حماس بعد سيطرتها على القطاع بقوة السلاح عام 2007 لتضع ابناءها في اعلى المناصب وتتحكم بالتوظيف. لكن اعتقدت حينها ان السبب الرئيسي ان المدرسين دوامهم اقصر باليوم واجازاتهم اطول، فتصل اجازتهم السنويه بعد انتهاء الفصل الاول والثاني حوالي 4 اشهر يستطيعون السفر مقارنه بإجازة باقي فئات الموظفين شهر ونصف. بالإضافة ان المدرسين يصل عددهم الالاف في مؤسسات السلطة وممكن ان يكلفوا الموازنة كثيرا لو تم رفع علاوة طبيعه العمل.

لكن طبقا لهذا الجدول لعلاوة طبيعة العمل عرفت حينها ان الوضع سينفجر لدى فئات الموظفين التي تتقاضى اقل قدر من علاوة طبيعة العمل كالمدرسين. مما لا شك فيه ان السبب الرئيسي لا ضرابات المدرسين اليوم هو شعورهم بعدم عدالة علاوة طبيعة العمل مع غيرهم من زملائهم في الوزارات الاخرى خاصه ان التفاوت شاسع جدا مع الاطباء الذين تبلغ علاوة طبيعة العمل لهم 100 % بجانب علاوة المخاطرة 30 % عام 2005 . لكن الذي زاد شعورهم بالغبن ان رأوا ان الاطباء انفسهم لم يعجبهم علاوة طبيعة العمل فعملوا على زيادتها الى 150 % للطبيب العادي و 200 % للطبيب المتخصص من خلال اضراباتهم ، كما اضرب المهندسون لتزيد علاوة طبيعة العمل حتى 90 % واضرب متخصصو وظائف اخرى ايضا لزياده علاوة طبيعة العمل. حسب ما ارى من خلال وسائل الاعلام ان اقصى ما وصل اليه المدرسون في اضرابهم عام 2013 قرار بزياده علاوة طبيعه ب 10 % أي انها اليوم مفترض ان تكون 40 % وحصلوا على الغاء أدنى مربوط الدرجة وفتح الدرجات بالفئه الثانية الى D1 , D2 . الغاء ادنى مربوط الدرجة وفتح التدرج والغاء الرسوب الوظيفي جلب زيادة للراتب الاساسي على النحو التالي:الدرجة ٤ بلغت نسبة الزيادة ٣٣٧،الدرجة ٣ بلغت نسبة الزيادة ٥١٤،الدرجة ٢ بلغت نسبة الزيادة ٧١٥،الدرجة ١ بلغت نسبة الزيادة ٩٤١

من هنا، نرى ان الجميع يتطلع لعلاوة طبيعة العمل للأطباء ويطالب ان يصل الي علاوتهم، ومادام سلم الرواتب في السلطة الوطنية بني على اساس الطبقية وعدم العدالة في توزيع علاوة طبيعة العمل، فسيبقى الاحتقان موجود وتخرج الحكومة من اضرابات نقابه الى اضرابات نقابه اخرى لتعطيل سير العمل تؤججها جهات سياسيه تستنفع من الفوضى وتسعى بالإطاحة بالسلطة من خلال هذه الاضرابات. لذا ارى الحل مراجعه سلم الرواتب ووضع علاوة طبيعة عمل بعيدا عن نظام الطبقية ولا يكون هناك تفاوت شاسع بين التخصصات المختلفة كما هو حاله الان

2. النظام الاداري الخاضع للتسلسل الوظيفي:

اذا اطلعت عن حلم أي موظف مدني في السلطة الفلسطينية، سيقول انه حلمه ان يصبح في الفئه الاولى مدير C من اجل زيادة الراتب ، كما سيزيد صلاحياته ونفوذه. ثم يترقى بعد 6 سنوات الى مدير B فيزيد راتبه الاساسي وبعد 6 سنوات اخرى الى مدير ِ A ويزيد راتبه الاساسي. اما المتنفذون منهم فسيسعون الوصول لمنصب مدير عام ابتداء من A4 ثم الى A3 ثم الى A2 ثم الى A1 كل سنتين تدريجيا.

ويبلغ الراتب الاساسي لموظف عادي في الفئه الثانية على الدرجة الرابعة 1830 شيكل، ولموظف على درجة مدير C 2470 شيكل، ولموظف مدير عام ِA4 حوالي 3220 شيكل. وتبلغ العلاوة الإدارية لوكيل الوزاره 1050 شيكل ووكيل مساعد 950 شيكل ومدير عام الوزاره 750 شيكل ومدير عام في الوزاره 550 شيكل ومدير دائره او مشفى او مؤسسه تعليميه 400 شيكل ونائب مدير 350 سيكل ورئيس قسم 300 شيكل. وتبلغ علاوة طبيعة العمل لمديرC حوالي 50 % وتتدرج لمدير ِA1 حوالي 90 %.

اضف ان العاملين في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية يحصلون رواتب اعلى بكثير من العاملين بباقي مؤسسات السلطة، ولذلك يتكالب الموظفون للانتقال لوزارة الخارجية.

ومن ناحيه اخرى هناك من يعينون مباشره على الفئه الاولى بوظيفه مدير، وقد قامت حماس عند مجيئها بالعديد من التعيينات المباشرة على درجة مدير لخريجين جدد من ابناءها مما اثار احتقان موظفي السلطة الذين يعملون سنوات بدون الوصول لهذه الدرجة فأفضى ذلك الى اضرابات نقابه الموظفين بسبب تعيينات وترقيات حكومة حماس وعدم دفعها للرواتب وسيطرت حماس على مؤسسات القطاع بالقوة على اثر هذه الاضرابات ووصلنا لما وصلنا اليه من انقسام بسبب الصراع على السلطات.
وهذا يبرز لماذا جميع الموظفين يطمحون ان يصبحوا مدراء. ويصل الموظفون عادة لدرجه مدير من خلال رسائل التزكية و التعيين الحزبي ونظم معروفه للتسلق. كما ان هناك مشكله رئيسيه في نظام العمل وهو التسلسل الوظيفي. حيث يوضع الموظف تحت رحمة مديره بالعمل. ان شاء مديره ان يستفيد منه، فله مطلق الحرية في ذلك، لكن ما يحدث ان المدير الضعيف في مؤهلاته واخلاقياته عندما يشعر ان هذا الموظف ذكي وعالي المؤهلات وممكن ان يصل بسرعه، يعمد الى تهميشه في العمل ليشيع عنه انه غير صالح للعمل. عندما يستمر حال المدير معه بالتهميش يرفع رسائل للإدارة يطالب بتفعيله بالعمل او نقله لا داره اخرى. لكن أي رسائل يجب ان تمر من خلال المدير وفق قوانين العمل التي تحتم التسلسل الاداري، فيعلق المدير عليها كما يشاء، كأن يدعي ان الموظف سيء السلوكيات والاخلاقيات، وهذا من منطلق ان الهجوم خير وسيله للدفاع السياسة السائدة في فلسطين. ثم تبدا تكملة الصراع للتآمر على الموظف بأن يتم الاتفاق مع مجموعة مدراء بالعمل بكتابه تقارير كيديه ضد الموظف لتصفيته، ولا يحميه الا قانون الخدمة المدنية الذي يضع لوائح صارمه ضد محاولات تصفية الموظف. وعندما تأتي تبحث عن سلوكيات واخلاقيات السيئة للموظف التي يعاني منها، تجد انه حصل على امتياز في جميع الدورات التي ارسل اليها من خلال العمل وقام بأعداد العشرات من الابحاث لتطوير العمل. وعندما يتظلم الموظف للمجلس التشريعي او مجلس الوزراء او النيابة او نقابته ويرفع شكوى على من يكيدون ضده، ترفض شكوته بحجة ان هذه مشكله داخليه يجب حلها فقط في المؤسسة وقد يحال للتحقيق لرفعه شكوى لجهات خارجيه. أي جميع الابواب مغلقه في وجه الموظف، ويبقى الحل النهائي لهذا السيناريو ان يمن الله عليه بتغيير الطاقم الاداري في هذه المؤسسة ليأتي اشخاص اعلى تأهيلا وصلاحا لا دارة الاقسام. للأسف هذا سيناريو يتكرر في جميع مؤسساتنا.

3. الوضع الخاص لقطاع غزه:

في عام 2007 طلب من الموظفين في السلطة بقرار سياسي ان لا يذهبوا للعمل بسبب انقلاب حماس سوى موظفي الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم وسلطة الطاقة والشئون المدنية، شكل هذا القرار تحول خطير في مستقبل الموظفين حيث خسروا حقهم في ممارسة عملهم والدورات والبعثات والترقيات، كما ان حماس تتعامل مع الموظفين المضربين كمواطنين درجه دنيا وتعتبرهم مفصولين وتمنع الاستعانة بهم باي مؤسسه حكومية تابعه لحماس ولو للتدريس على نظام الساعة، كما تعرقل حماس عودتهم للعمل او أي اجراءات حكومية. ثم تم حرمان موظفي غزه من علاوة المواصلات والعلاوة الإدارية والترقيات والادراج بالهيكليات نظرا لوضعهم الاستثنائي انهم ليسوا على رأس عملهم. وأتساءل كيف ممكن خصم العلاوة الإشرافية على العمل من موظفي غزه مع ان بعضهم تعين على هذا المنصب، فحامل الدكتوراه يعين رئيس قسم مثلا، والعديد من الموظفين ترقى لرئيس قسم ونائب مدير ومدير بعد سنوات خدمه طويله, فلا يحق حرمانه من هذه العلاوه ؟ وتفاجأ موظفو قطاع غزه بقرار اتفق عليه بين سلطتي الطاقة في رام الله وغزه المبدعين باستقطاع كامل فاتورة الكهرباء من قسيمة رواتبهم (حصرا من دون موظفي الضفه ) في قرار عشوائي غير مدروس وبدون اليات لحل المشاكل المتعلقة به في حال وجود اكثر من موظف في نفس الاشتراك ، وكان الواضح ان الهدف من القرار اجبار الموظفين عمل سداد الي او شراء عداد مسبق الدفع وتركيبه على حسابه وفي الحالتين الشركة ستكسب.

وكل ذلك يعكس نظام الطبقية في فئات الوظائف وسلم الرواتب بين موظفي السلطة الوطنية الذي انفجر من خلال اضرابات المدرسين حيث انهم اقل فئه في علاوة طبيعة العمل وغير قادرين على الارتفاع للفئه الاولى والفئه العليا بالطرق الطبيعية . ختاما، اطالب بالمساواة في علاوة طبيعة العمل والحقوق الوظيفية بين الموظفين ومحاربه الفساد الاداري ونظم التسلق والواسطه والحزبيه في التعيينات والترقية. لكن لا اايد أي اضرابات من اجل زياده الرواتب تعطل الدراسة او توقف الخدمات في البلد. الاصلاحات لن تتم بين يوم وليله بل تتطلب الضغط على الحكومة لعملها بطرق سلميه لا يتضرر بها المجتمع خاصه ان الموظف مضى عقد مع جهه العمل على راتب معين يعرفه ولا يحق له المطالبة بالترقية او زياده العلاوات من خلال الاضراب بل بالتوافق.

سهيله عمر
[email protected]