دفعت "انتفاضة السكاكين" إلى إعادة الوهج للقضية الفلسطينية، بعد أن غطت عليها أحداث المنطقة، والحرب على "داعش"، هذه الانتفاضة حركت القضية الفلسطينية، ودفعت بها لأخذ مكانتها السياسية الحقيقية، على جدول أعمال المجتمع الدولي، وفي الداخل الإسرائيلي الذي يعيش حالة من الرعب، مع أن هذه الانتفاضة فردية، وغير منظمة، ولا تقف خلفها تنظيمات معينة، علماً أن ما يسمى بحرب السكاكين، لن تكون هي الحل للتخلص من الاحتلال، بل هناك حاجة لوسائل عديدة أخرى، سياسية وغير سياسية، منها استمرار الضغط الدولي على إسرائيل، ومنها السعي لإحداث تحول في الرأي العام الإسرائيلي، حيث أخذت شرائح واسعة من الإسرائيليين، وقيادات إسرائيلية، تعتبر أن لا حل للمشاكل التي تعاني منها إسرائيل إلا بالحل السياسي مع الفلسطينيين، فالقسم الأكبر من بين الإسرائيليين أخذوا يتساءلون إلى متى يبقى هذا التدهور، الذي يؤدي إلى التوتر والإحباط والافتقاد إلى الأمن الداخلي لدى الإسرائيليين إضافة إلى الفلسطينيين، ففي النقاش الدائر بين الإسرائيليين-وفي وسائل إعلامهم- هناك قناعة أن لا حل لمستقبلهم إلا بالتوصل إلى حل مع الفلسطينيين، وأخذت قيادات إسرائيلية تدلي بدولها لتصحيح رؤيتها السياسية، إلا أن هذه الصحوة لا تطال اليمين الإسرائيلي، فـ "نتنياهو" لا يعترف ولن يعترف أن سياسة التطرف والرفض التي ينتهجها، قادت الفلسطينيين إلى الشعور باليأس وخيبة الأمل، لدرجة أنهم مستعدون للاستشهاد دفاعاً عن قضيتهم، لكن هذا اليأس والإحباط يعيشه اليهود أيضاً، حيث أن اليأس والإحباط أدى إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي، فمنهم من يؤيد مشروع حل الدولتين، وآخرون يعتبرون أن دولتهم تمتد من البحر إلى النهر.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال "غادي آيزنكوت" قال خلال النقاش الدائر في إسرائيل، حول حرب السكاكين، وتنديد المجتمع الدولي، وشرائح إسرائيلية أيضاً، بقيام الجيش والشرطة الإسرائيلية بتنفيذ الإعدامات الميدانية ضد الفلسطينيين، قال:" لا أريد من جندي القيام بفتح النار من سلاحه، ويفرغ مخزنه على فتاة بمجرد الشبهة أو أنها تحمل مقصاً"، ليتصدى له وزير المواصلات "إسرائيل كاتس"، الذي رفض أقواله، مصراً على سياسة الإعدامات، فهناك جدل بين الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل، على أن سياسة الإعدامات لن تؤدي إلى ردع الآخرين، كذلك بالنسبة لهدم بيوت المقاومين، لكن هناك من يستغل سياسة إطلاق النار وإعدام من يقوم بعمليات الطعن، لأهداف حزبية وشخصية، فسياسة الإعدامات أقرها مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر بقيادة "نتنياهو"، والمستنكرة في العالم، والتي قد تنتقل إلى مرحلة جديدة، بطرد عائلات المقاومين الشهداء إلى خارج البلاد تحت ذريعة الردع.
وزير الخارجية السابق "أفيغدور ليبرمان"، يصف "نتنياهو" بالدجال السياسي "يديعوت احرونوت 14-2-2016"، فيما يقول الدبلوماسي السابق "أوري سفير"، ان إسرائيل في حالة من التدهور، يوماً بعد يوم، وأن ممارستها العنصرية والتطهير العرقي سيزيد من عزلتها، وأنه لم يصمد أي احتلال على شعب آخر، وأن قوة إرادة الشعوب تفوق كل قوة عسكرية واحتلال.
أما البروفيسور "تشيلو روزنبرغ" ففي مؤتمر الأمن القومي السنوي الإسرائيلي، اتهم حكومة إسرائيل أنها تتخبط في الرمال المتحركة، وليس لها إستراتيجية سوى السيطرة على الأرض والاستيطان، وتتبع سياسة أقعد ولا تفعل شيئاً، "معاريف 31-1-2016"، والوزير السابق "حاييم رامون" يقول أن قيادات إسرائيلية، ورجال فكر وصحفيون وكتاب، يناقشون بجدية ويبحثون عن كيفية إنقاذ إسرائيل من أزماتها، منهم من يتمسك بالحل الإقليمي، ومنهم من يرفض حل الدولتين، أو التذرع بغياب الشريك الفلسطيني، ويقومون بخطوات أحادية الجانب، لزيادة حجم الاستيطان، هذه السياسة تهدف إلى إحباط حل الدولتين، والتي ستؤدي بالسفينة الإسرائيلية إلى التحطم على الجبل الجليدي، فإسرائيل ما بين دولة ثنائية القومية نفقد فيها الهوية اليهودية، أو دولة "أبرتهايد" منبوذة في نظر العالم، "يديعوت احرونوت 31-1-2016".
الوزير "يؤاف جالنت"، وهو لواء عسكري احتياط قال في مؤتمر مركز الأمن القومي، أنه لا حلول عسكرية ولا يوجد لدينا خيارات سوى المواجهة من أجل حماية أنفسنا، بينما يجب علينا أن نعمل من أجل التسوية بيننا وبين جيراننا لجسر الخلافات القائمة، فالحلول العسكرية لم تكن في يوم من الأيام حلولاً قاطعة، فحين انتهينا من حرب 1967، اعتقدنا أننا وصلنا إلى حالة الهدوء والراحة، بيد أننا سرعان ما واجهنا حرب عام 1973، وبعدها اجتياح لبنان عام 1982، وحرب لبنان الثانية عام 2006، وثلاثة حروب في قطاع غزة، فماذا كانت النتيجة؟
النائب في الكنيست "عوفر بارليف" قال: نحن نسير باتجاه دولة ثنائية القومية، ولا وجود لحل عسكري للمشكلة مع الفلسطينيين، والحل هو الانفصال عنهم، فالوضع الحالي يتدهور ويتفاقم، فعشرات السنوات التي مضت تؤكد أننا لا نسير نحو الأفضل، فيما يطرح "إسحاق هيرتسوغ" رئيس حزب العمل، خطته للفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، للتوصل لحل الدولتين، بالمقابل يطرح "نتنياهو" والقول لـ "هيرتسوغ" الحل على قياسه، ويضع شروطاً قديمة سبق أن رفضها الفلسطينيون، ويتجاهل طرحه عام (2009) من على منصة جامعة بار إيلان، مشروعه لحل الدولتين، لكنه يفتعل شروطاً لتعطيل الحل، ويطالب الفلسطينيين باعتراف حقيقي بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي، إلى جانب عشرات الاشتراطات الأخرى، وهذا ما رفضه ويرفضه الفلسطينيون، فمن برنامج حزب العمل والمعسكر الصهيوني، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع بقاء الكتل الاستيطانية تحت السيادة الإسرائيلية، لكنه لم يذكر حصول الفلسطينيين على أرض بدلاً منها من داخل الخط الأخضر، كما تم التوصل إليه في الماضي، متجاهلاً أيضاً أن العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، أما حل قضية اللاجئين الفلسطينيين –حسب خطته- يحب أن تكون داخل الدولة الفلسطينية العتيدة.
الكاتب "شمعون شيفر"، كتب في "يديعوت احرونوت 7-2-2016"، أن الخطر الحقيقي الذي يهدد إسرائيل، فشل "نتنياهو" وحكومته في التعامل مع موجة العنف، لأن الحل سياسي وليس عسكرياً، والنائب "أيال بن روبين": لا يوجد حل عسكري للوضع الراهن، يجب الانفصال عن الفلسطينيين والخروج من وضع شعب يسيطر على شعب آخر، فظهور "نتنياهو" على التلفاز، والخطابات والشعارات النارية القديمة التي يدلي بها لن تجلب الأمن لإسرائيل، ومن المشكوك به جداً، أن تكون حكومة إسرائيل قادرة على السير في الاتجاه الصحيح، أما "أفيغدور ليبرمان"، رئيس حزب إسرائيل بيتنا، فإن برنامجه السياسي في موضوع الصراع مع العرب والفلسطينيين، يؤكد أنه تربى على أفكار مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية، "زئيف جابوتنسكي"، الذي يعتبر أن للأردن ضفتين، هذه لنا، وتلك أيضاً، أي شرقي النهر، ورئيس البيت اليهودي الوزير "نفتالي بينت"، يعارض إقامة دولة فلسطينية، لأنها ستشكل تهديداً أمنياً على دولة إسرائيل، وقاعدة إرهاب فلسطينية، وكارثة على مصالح إسرائيل، وأن الحل السلمي بين إسرائيل والفلسطينيين أمر مستحيل في الجيل الحالي، فهو يزعم بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام أصلاً، وما زالوا يسعون للقضاء على إسرائيل، لكن ضم الضفة الغربية لإسرائيل والذي يؤيدها، مع وجود أكثر من مليوني فلسطيني، يشكل تهديداً ديمغرافياً عليها، فإن "بينت" أعلن عن خطة للتهدئة، تنص على أن تضم إسرائيل مناطق "سي" لإسرائيل، التي تعادل مساحتها أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، والإبقاء على الوضع الحالي في مناطق "أ و ب"، لتبقى تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، أما الحزب الإسرائيلي الوحيد الذي يؤيد حل الدولتين بشكل واضح، فهو حزب "ميرتس"، على أن يكون الحل على أساس حدود عام 1967، مع تبادل أراض، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين، ويرى هذا الحزب أن قطاع غزة، جزء من الدولة الفلسطينية.
وخلاصة القول، فإنه لا وجود لموقف إسرائيلي موحد من الحل، فالمشاهد والأفكار والطروحات الإسرائيلية متعددة، فـ "نتنياهو" والفكر الذي يمثله، أنه لا يوجد شيء ملح، حتى انتفاضة السكاكين، بل أنه مستمر بسياسة تخليد الوضع القائم، والادعاء بأن الجانب الفلسطيني لا يريد المفاوضات، بل يريد خراب إسرائيل، فمحاولات "نتنياهو" المخادع، بتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن الوضع القائم، وعملية تشويه قد يصدقه بعض الإسرائيليين وليس جميعهم، لكن لا يصدقه العالم الذي يعرف الحقيقة، فالاحتلال يستطيع السيطرة على الأرض لحقبة من الزمن، لكنه لا يستطيع السيطرة على الشعب الفلسطيني، وعلى عقوله، فوثيقة التقويم الإستراتيجي لإسرائيل 2015-2016، ومن أجل مستقبل إسرائيل، يدعوها للبحث والعثور على الفرص في محيطها القريب والبعيد، وعدم الاعتماد على القوة، والمزيد من القوة.
وأخيراً .. لا آفاق للتسوية، فاليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي يمثل الأغلبية في إسرائيل، رافض لأي نوع من السلام، ويزعمون أن حدود دولتهم من النهر وحتى البحر، في المقابل عدم وجود موقف فلسطيني موحد للتسوية، من هنا، فإن السلام يبقى حلماً.
بقلم/ غازي السعدي