بالتأكيد ان موازين القوى اليوم على الصعيد المحلي والعربي والدولي لا تميل لصالح القضية الفلسطينية، وإن الاقدام على اي خطوة غير مدروسة بشكل جيد، قد تكون انتحارية بكل ما تعنيه الكلمة، وأن القضية الفلسطينية بكل فصائلها مضطرة الى التعامل مع الواقع الحالي بكل تأني وبنفس طويل، ولكن هل هذا هو الحل؟
اوسلو قد اعاد القضية الفلسطينية الى الوراء سنوات طويلة وشكل خنجرا بكافة انجازات الثورة والمنظمة الى أن انتقص من تمثيلها، وترك اوسلو سلبياته على مجمل العمل الوطني الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية الفلسطينية وكما ترك بصماته على العلاقات الداخلية لكل تنظيم، ولم تتمكن القوى الفلسطينية لا مجتمعة او متفرقة من تجاوز محنة اوسلو حتى على مستوى تنظيمها او فصيلها، وهذا جعل كافة قراراتها متخبطة او غير قابلة للتنفيذ.
إن فهم الواقع يفرض على القوى الحريصة التي تعمل من اجل الخروج من هذه الحالة وهذا المأزق ان تبحث عن بدائل، وطبيعة هذه البدائل، حول المفهوم الحالي لوظيفة المؤسسات الفلسطينية ابتداءا من منظمة التحرير الفلسطينية الى اصغر مؤسسة فلسطينية، التي تم تهميشها والغاء صفتها التمثيلية، حيث اتفاق اوسلو والمفاهيم التي ترتبت على الاتفاق، ادت الى اهمال قطاع واسع من جماهير شعبنا، وها هم ابناء شعبنا بالمخيمات الفلسطينية بسوريا وقبلها ابناء شعبنا بالعراق قد تم ملاحقته وقتله وتهجيره مرة اخرى وبقوة السلاح الى شتى بقاع العالم، ما هو البديل لهذه الحالة؟
هل الاستمرار والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها والرهان على تفعيلها هو بديل للحالة الراهنة؟ هل نحن بحاجة الى منظمة تحرير فلسطينية جديدة ام نستمر بالمنظمة القائمة ونراهن على اعادتها الى ربع قرن للوراء؟ وهل هذا ممكن؟ ام البديل هو السلطة الفلسطينية بطبيعتها القائمة؟
كل المحاولات التي تجري من اجل تجاوز الانقسام الفلسطيني فشلت وستفشل، ولن يكتب لها النجاح، لا اجزم ولكن هذا الواقع، فهناك خطان متوازيان لا يتقاطعان اطلاقا، مشروع وطني علماني ممثل بمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها ومشروع اسلامي ممثل بالتيارات الدينية بمجمل فصائلها وتياراتها، كل يمثل بديل للاخر، وما يجري بفلسطين نلمسه بسوريا ومصر والعديد من الدول العربية، البديل للسلطات القائمة هو المشروع الاسلامي، والتي تدعمه دولا اقليمية، وتسانده الدول الراسمالية الغربية، وتعزز من تناقضات المنطقة لإنهيار دولها القطرية.
منظمة التحرير الفلسطينية غير قادرة على معالجة التناقضات الداخلية التي تعصف بها، والتي تهدد مستقبلها للتلاشى كليا، غير قادرة على دعوة هيئاتها القيادية للاجتماع الا على مزاج قائدها ورئيسها، انحسرت كل المنظمة بشخصية محمود عباس، الذي لا تعرف مستقبل القضية بعد غيابه، مستقبل غامض بكل ما تحمله الكلمة، غيابه سيؤدي الى مزيد من الانقسامات والإنشقاقات الداخلية الفلسطينية، باعتبار ان طرفي الانقسام لم ولن يتمكنا من حسم الامور لصالحهما لان بكل ساحة من ساحات الوطن رجالها المستفيدون.
كتبت على صفحتي بالفيس بوك باحدى المرات ان محمود عباس سيكون الرئيس الفلسطيني الاخير، فعلق السفير الفلسطيني على البوست كاتبا: "رشح نفسك"، فهنا اتساءل اذا كان محمود عباس بصفته رئيسا غير قادر على حل التناقضات الداخلية الفلسطينية على مستوى فتح، وعلى مستوى منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى مستوى الساحة الفلسطينية بمجملها، فهل الساحة الفلسطينية بقواها قادرة على تجاوز هذه الحالة بعد غياب ابو مازن؟ اذا كانت قادرة على تجاوز الازمة إذن المشكلة هي بوجود ابو مازن، ولكن هل ستتجاوز الازمة والانقسام بغيابه؟ ستكون عاجزه المنظمة عن تعيين رئيس سلطة لان اتفاقيات اوسلو لا تسمح لها بتعيين رئيس السلطة الا بالانتخاب، وبغيابه لن يكون رئيسا مؤقتا الا رئيس المجلس التشريعي، فهناك طرفا فلسطينيا سيمنعه من ممارسة موقعه حسب قانون السلطة، كما أن فتح هي ايضا غير قادرة على ضبط تناقضاتها، اذن ما هو البديل لهذه الحالة؟
امام كل هذه التعقيدات، سواء الفلسطينية او العربية، وتجنبا لكل التجاذبات، ما زال هناك املا، والامل هو ان يكون التمرد داخل المنظمة ضد قيادتها، وتمردا اخرا يكون من خارج المؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني، تمردا يشكل عاملا اساسيا بفرض مفاهيم الوحدة او البدائل، مواقف راديكالية ترافقها خطوات عملية ضد سياسة الفئوية والتفرد والقرارات الفردية، تشمل كل التجمعات الفلسطينية بالوطن والشتات، فما معنى التمثيل الفلسطيني داخل مؤسسات المنظمة من اللجنة التنفيذية الى جمعية فلسطينية او نادي لا تحكمه سياسة المنطق والعقل والحد الادنى من الاحترام؟ قضيتنا بحاجة الى جبهة انقاذ قبل فوات الاون، وإلا لا ينفع الندم لاحقا.
جادالله صفا - البرازيل
25 شباط 2016