بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى على احد ارتفاع معدلات البطالة وزيادة معدلات الفقر حتى طالت كل بيت وأسرة فلسطينية، فاليوم وبحسب احصائيات المركز الفلسطيني للإحصاء بلغ عدد العاطلين عن العمل من كلا الجنسين 359400 مواطن في فلسطين بواقع 157400 في المحافظات الشمالية و 201900 في المحافظات الجنوبية، وتسجل الاحصائيات 30 الف خريج من مؤسسات التعليم العالي سنويا، وبلغ معدل البطالة بين الخريجين 55% حيث تهدد هذه النسب المتزايدة بتفاقم المشاكل الاجتماعية، والتي أمست تشكل خطراً حقيقياً على المجتمع واستقراره وهذا ما يدفعنا لمحاولة فهم الواقع بشكل علمي ومنهجي لبناء تصور لحل هذه الاشكاليات، وقد تبين من خلال جمع البيانات والمعلومات حول هذه الظاهرة وطرق حلها، تنفيذ الكثير من المشاريع عبر مؤسسات دولية وأهلية وحكومية تحت مسميات لتخفيف البطالة وخلق فرص عمل منها:
التشغيل المؤقت ومشاريع التمويل للمؤسسات متناهية الصغر، وأخرى للتشغيل الذاتي، ومشاريع لإنشاء تعاونيات انتاجية وتعليم مهني واعمال يدوية .....الخ، كما تأسست مؤسسات اقراضية ذات بعد اجتماعي وتنموي لدعم الشباب ومبادراتهم والمشاريع الصغيرة بأنواعها، وغيرها من مشاريع لجلب التمويل، وبدون تجني على أحد معظمها كانت برامج ومشاريع استهلاكية، ولم يكن لها الاثر الفعال الملموس لتخفيف حدة البطالة والفقر، ولم تصنع أمل أو تفاؤل للعمال والخريجين من كلا الجنسين، وبتقديرنا يعود ذلك لعدة أسباب منها:
- غياب الاستراتيجية الوطنية الجامعة للتشغيل وخلق فرص العمل المتنامية .
- ضعف وغياب التواصل بين تلك المؤسسات التي نشطت ببرامجها ومشاريعها التشغيلية، وهذا أفقد امكانية توحيد الجهود وتوجيه البرامج ضمن خطة فعالة تخضع لمعايير الجودة والمتابعة، وتؤسس لشراكة حقيقية وتعاون فعال بين الجميع .
- رضوخ المؤسسات المنفذة للمشروع لشروط الممول بدون مراعاة الخصوصية للواقع الفلسطيني ومدى انسجام البرامج مع سوق العمل للحفاظ على الديمومة والاستمرار و تحقيق الهدف التنموي المنشود.
وهذه الاسباب وأخرى أضعفت الاثر لتلك التدخلات العلاجية لازمات البطالة، والمحاولات لخلق فرص عمل، وهذا يدعو لوقفه جدية نحو ما يحدث على الارض، فما زالت المؤسسات تنشط في هذا المجال، وتعتبر نفسها ريادية في ابتكار الافكار والبرامج لخدمة العاطلين عن العمل والخريجين، ومن المتوقع أن تصل بكل جهودها لنفس النتائج السابقة إن لم يكن هناك رؤية وطنية، وجهة ترعى وتوحد الجهود باتجاه الخطة الاستراتيجية لخلق فرص العمل وتشغيل حقيقي تنموي يقوم على دراسات منهجية وعلمية وأرقام واحصائيات ومعلومات دقيقة، وهذا يحتاج لتصور وطني جامع وموحد يؤسس لعمل منتج ومنجز وفعال يتضمن الخطوات التالية:
- حصر دقيق للعاطلين عن العمل والخريجين من كلا الجنسين وتصنيف التخصصات والمهارات في العمل والحالة الاجتماعية والسكن ...الخ وهذا سيساهم في توفير قاعدة بيانات موحدة توفر المعلومات والاحصائيات الدقيقة حول الفئة المستهدفة ومدى انسجامها مع احتياجات سوق العمل المحلي او العربي أو الدولي.
- دراسة سوق العمل بتعمق وتحديد قدراته واحتياجاته لتحديد رؤية وطنية للتشغيل وخلق فرص عمل محلية.
- حصر كل المشاريع والمؤسسات التي تعمل في مجالات التشغيل والتنمية بهدف متابعة عملها والرقابة لضامن الشفافية والعدالة وتنسيق العمل معها ضمن الخطة الاستراتيجية بما يمكن من تفعيل المظلة الوطنية حسب قرار مجلس الوزراء من العمل والمتمثلة بالصندوق الفلسطيني للتشغيل والحماية الاجتماعية.
- تفعيل دور المجالس الاستشارية للتشغيل وخلق فرص العمل المستمرة والمتنامية بمشاركة الشركاء الاجتماعيين والمؤسسات الاهلية والشبابية.
- العمل على تشكيل تحالف وطني لدعم برامج التشغيل من خلال تجنيد الاموال ودعوة المؤسسات الدولية المانحة للالتزام بالاستراتيجية الوطنية للتشغيل والحماية الاجتماعية، وهذا سيساهم في توجيه التمويل ويساعد في توسيع الرقابة على العمل، ويمنح مشاركة أوسع للمجتمع في المتابعة والتنفيذ والاطلاع.
- استكمال تشكيل مجالس استشارية في المحافظات من كل أطراف الانتاج وأصحاب العلاقة وتمثيل الشباب والنساء لضمان اوسع للمشاركة .
- ضرورة البدء الفوري بالتحضير لعقد مؤتمر دولي للتشغيل والحماية الاجتماعية، لتجنيد الاموال وفتح أسواق عمل جديدة للعمال والخريجين.
وليصبح هذا التصور فعال وله أثر نحتاج لقوة القانون ولتدخل على المستوى السياسي اولا من الاخ الرئيس/ أبو مازن بضرورة إصدار تعليماته لتوحيد كل البرامج التي تتعلق بالتشغيل وخلق فرص العمل، ومنها الجهات الحكومية الرسمية بحيث يتم توحيد الجهود وفق الخطة الاستراتيجية تحت المظلة الوطنية التي شكلت بقرار الرئيس الراحل الشهيد/ أبو عمار ( الصندوق الفلسطيني للتشغيل والحماية الاجتماعية للعمال) ومنحه فرصة التحرك على الارض وفق خطته الاستراتيجية والتي يشرف على تنفيذها مجلس ادارة من الشركاء وذوي العلاقة برئاسة وزير العمل السيد / مأمون أبو شهلا، فلا يجوز استمرار تبعثر الجهود ما بين المؤسسات والتي قدرت مصاريفها بمئات الملايين من الدولارات، وما زالت مستمرة، ولم تحقق الهدف المرجو من تلك البرامج التشغيلية والتنموية، فقد أصبحت هموم العاطلين والخريجين مصدر منفعة للبعض وما زالت المشكلة مستمرة ...
بقلم النقابي/ د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين