تحلت حركة فتح منذ انطلاقها، وعبر سنوات طويله، بثلاث سمات شكلت سر عظمتها واستمراريتها. لكن في العقد الاخير من عمرها بدأت أزمة تعصف بحركة فتح لتحدث تراجعا ليس في الاداء بل في آلية التفكير. أولى سمات أو سر عظمة حركة فتح هي أنها طليعة الجماهير أي انها تفهم نبضه وتطلعاته وآماله ما يمنحها "أي الحركة" قدرة قيادة وإعادة توجيه حركة الجماهير.
وثاني السمات أنها حركة الشعب تحمل في طياتها طبيعة الشعب الفلسطيني التعددية؛ وهي بذلك جمعت بشكل ديالكتيكي ما بين الاختلاف الطبقي والتعدد الفكري وما بين وحدة الشعب في مواجهة الاستعمار وفي النضال الوطني ما اتاح المجال لوجود مدارس فكرية أو تيارات داخلها أثرت النقاش داخلها، وأثار العقل او تحديه، وسعة صدر قادتها للاختلاف. أما السمة الثالثة صفتها بأنها السهل الممتنع أي من السهل الولوج اليها والانضمام لصفوفها وفهم منطقاتها الفكرية لكن من الصعب الخروج منها فهي كالعشيرة لا حياة "سياسية" لمن يخرج منها فهو يفقد محيطه الاجتماعي وشرعيته حتى أنه يفقد مسيرته أو بالاحرى "يموت في حياته".
على الرغم من بقاء بعض النقاش على هوامش الحركة فيما يعتبر حرية تعبير، الا أنه غابت سمة التعددية الفكرية لصالح الشخصنة والنفوذ ما أوقف العقل رأس الحكمة عن العمل أضعف الحنكة في الاداء. كما تمحو طريقة سلوك بعض قادة حركة فتح مع اضراب المعلمين سمة رئيسية من سمات عظمة حركة فتح بغياب الفهم الدقيق لنبض الشارع وحركته ما يشير الى غياب الطليعية في التقاط اللحظة التاريخية للتحولات الاجتماعية، بل ان بعض قيادتها وقفت ضد المعلمين فعليا بزج التنظيم والأمن والمؤسسات الحكومية في معركة لا ذنب لهم فيها، والأدهى انهم يسحبون عن أفراد الاجهزة الامنية الفلسطينية الغطاء السياسي عندما يقولون انها تصب الحواجز يوم الثلاثاء الفارط كانت بقرارات فردية. فالحكمة تقضي التعاطي مع اضراب المعلمين ومسائل أخرى في هذه الايام بعقلانية لوقف حالة الانهيار، ووقف السير المتزايد بشكل جنوني نحو الانفجار، هذا الحال ينطبق ما قاله المفكر العربي المغربي في نقد العقل العربي على حركة فتح "أن العقل الفتحاوي يحتاج الى الابتكار ".
فالتنظيم الضخم المنتشر القوي الذي لا يستطيع ادارك التحولات في لحظتها هو تنظيم هرم مصيره الانهيار كما شاهدنا أحزاب كبيرة وحاكمة في الاتحاد السوفيتي سابقا واوروبا الشرقية، وفي السنوات الاخيرة في الدول العربية كالتجمع الدستوري التونسي والحزب الوطني في مصر وفي اليمن التي حكمت البلاد فيها لسنوات طويلة. ولا أعتقد ان أبناء حركة فتح الذي خضبوا مسيرتها بالدماء والالام، وكذلك فصائل العمل الوطني، راغبون في غياب حركة فتح أو اندثارها بل بكل تأكيد هم جميعا حريصون على اعادة الابتكار للعقل الفتحاوي لاستكمال مسيرة النضال والحرية، كحرصهم على بناء نظام سياسي قائم على المؤسسات وسيادة القانون وحساس لمطالب المواطنين بالعدالة، ومستجيب لمطالب العيش بحرية وكرامة.
جهاد حرب