الشهيد عمر النايف كان صوته نشيدا

بقلم: عباس الجمعة

يسقط المناضل تلو المناضل ، ويستمر الشعب الفلسطيني في النضال والعالم المتحضر غائب، يستشهد المناضل الفلسطيني عمر نايف حسن زايد في العاصمة البلغارية صوفيا بعد تعرضه لعملية اغتيال بأدوات حادة داخل السفارة الفلسطينية، التي كان لجأ إليها بعد رفضه طلب السلطات هناك تسليم نفسه تمهيداً لتسليمه لكيان الاحتلال الذي طالب فيه بتهمة الهرب من معتقلاته، حيث كانت بلغاريا نهاية محطات قطاره، وهنا السؤال من المسؤول عن اغتيال الشهيد المناضل ومن يتحمل مسؤولية امنه .

عمر النايف الإنسان الاسير المناضل كان صوته نشيدا وصوتا صارخا في الاغتراب، رأيناه ناطقاً بالحلم وبآلام ، حينما باغته المجرم، ولكن نقول بكل وضوح ان سيرة المناضل عمر النايف هي سيرة أخرى للحياة، في سيرتنا الفلسطينية وكينونتها الناهضة بالأسماء والرموز ، تبتدئ من جديد لتولم للأحياء سيرة الروح ، سيرة من كانت الكلمة ثوب أرواحهم، وكان الموقف سيد لحظاتهم ، نهض عمر ، ليصنع ذاكرة للمستقبل وهو يعلم بانه لن يجف الدم فما زالت جذور الزيتون تتعرف نضجها للحالمين، التي تتعدد صورهم في القلب، لكن صورة واحدة لم تعد تكفي لنقرأهم الآن في اغتيال قضية.

عمر النايف هو الخبز المر في رابعة الحلم وفي صحو الأغاني الناحلة وفي أهازيج النصر المعجل، ولم يكن الحلم مؤجلاً، هو الوشم الأزلي في قلوب حفظته، كان خبزه المر ممارسة نضال، تنفساً لتبدأ فلسطين مما رسمته أضلاعه في الاسر، هو الفدائي الذي قاوم بزمن لم يستطع الغزاة الجناة اصطياده، لأن فلسطين في وضوح الكلام هي الباقية، فيكف بتغييب شهودها، الشهداء ذاكرة الينابيع ، فمضى على طريق الشهادة حارس المسافات إلى المعنى، وبأغتياله تبتدئ الحكاية الفلسطينية ناضجةً بميراث الشهداء، وبإرث المناضلين الذين يجددون كل لحظة رسم خريطة الوطن بدم يتدفق في على ارض فلسطين في الضفة والقدس وغزة وفلسطين التاريخية عام 48، فكم أدركت السنابل نضجها، وكم أدركت الشقائق أن لونها الأحمر، قد غدا اسماً لفصول الخصب الفلسطينية في ذاكرة من ظلوا أحياء، وعلى متسع الجرح ذي الشرفات الواسعة، تبقى صورة الشهيد عمر النايف الأخيرة.

عمر النايف سيرته اليوم يكتبها شباب انتفاضة فلسطين ، ليتشظى ليل لئيم عابر لا تقوى كل رصاصاته الحاقدة وكوابيسه التوراتية على اغتيال وطن هو الإنسان في المبتدئ وهو الذاكرة التي نتلوها على مسامع حاضرنا لنكون جدارة المستقبل، فقد صيرتنا الأحزان أناشيد بطولة لا تنتهي.

لقد سئم الشعب الفلسطيني حالة الانتظار ، لان المفردات السياسية لم تعد تفعل شيئ ، فتنطلق شرارة الانتفاضة ، وتنطلق شعلة الثورة ، لاننا سئمنا انتظار المجتمع الدولي الذي لم يجلب للشعب الفلسطيني سوى الكوارث ، ولنسخر نضالنا في خدمة فلسطين والشعب كما يجب أن تكون عليه الأمور ، وأن خشبة النجاة الوحيدة هي كيف نتخلص من هذا الاحتلال الجاثم على صدور شعبنا وارضنا هذه الأسئلة المشروعة والكثيرة كانت تدور في ذهن كل ابناء الشعب

الفلسطيني ، الأجيال تمتلئ غضب ، وبين هذا وذاك نقول اتت اللحظة التاريخية لتعزيز وتطوير الانتفاضة الثالثه هذا باختصار حقيقة ما يجرى ولا جدوى من محاولة لوم على من يقف خلف ذلك، فهذا المسار هو منتج فلسطيني بامتياز ، فلم يعد مقبول العودة الى المفاوضات العبثية لانها لم تعد تنفع بشيئ سوى مزيدا من القتل والارهاب وزيادة الاستيطان ونهب الارض ، وان الانتفاضة ستعطي نتائج مثمره .

ان استشهاد الاسير عمر النايف في بلغاريا يضع الجميع امام مسؤولياته و كشف من وقف الى جانب الموساد في اغتياله ، صحيح ان هذه الجريمة تضاف الى سلسلة الجرائم الطويلة والكثيرة من الاغتيالات، التي ارتكبتها حكومات الاحتلال المتعاقبة ، مما يستدعي الاسراع بتشكيل لجنة تحقيق فلسطينية وبلغارية ودولية للتحقيق المحايد في ملابسات اغتيال الشهيد عمر، الذي حمل رسالته وبقي متلاحقا ، وقضى شهيدا من اجل العزة والتحرير والانعتاق والحرية.

ان أسرانا الأبطال الذين ضحوا بالغالي والنفيس هم العنوان الأكبر والأبرز في صراعنا ومعركتنا الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي وقد حققوا صمود أسطوري في سجون الاحتلال وقد أمضوا عشرات السنين في اقبية وزنازين الاحتلال الغاشم ، وما انتصار الأسير الصحفي المناضل محمد القيق على سجانيه بعد ما يقارب من 92 يوماً من الإضراب عن الطعام، هو انتصار لفلسطين ولقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وهو تأكيد على إن الحقوق تنتزع بفضل النضال والتصميم والإرادة الصلبة .

أن الأسرى بحاجة لأقلام صادقة وعلى كل المستويات لتنبش في الصخر وترسم الوجع بحبر حقيقي ، فمتى نستطيع أن ننهض من كبواتنا وغفواتنا وننفض الغبار عن فكرنا لنكتب جملة مفيدة تبعث فينا أملا نحو مستقبل مزدهر للشعب الفلسطيني ولأسرى الحرية .

ختاما : لا بد من القول انه بالرغم المرارة والألم باستشهاد المناضل القيادي في الجبهة الشعبية الاسير المحرر بأرادته عمر النايف ومن سبقوه على ذات الدرب، بأن فلسطين ستبقى في الوعي والذاكرة، هي مستقبل الشهداء الرائعون كحقيقة متعالية على الصمت والنسيان، ونايف هو من أدرك أن قاتليه مقتولون، إنه افتدى ليظل مصباحاً في العتمة، ورسالة لمن يغذون الخطا صوب أحلامهم، في وطن هو وطن الشهداء، حيث سطر الحكاية إن اقترب الضوء منها اشتعلت نهارات قادمة بالشمس، فمن يوقد الآن حجر الشمس في هذه اللحظات المصيرية .

بقلم/ عباس الجمعة