سعادة الفانيلا

بقلم: أسامه الفرا

توصل فريق من الباحثين إلى أن تناول كوب من اللبن بنكهة الفانيلا يجلب السعادة، والسبب في ذلك حسب ما خلصوا إليه أن رائحة الفانيلا تخلق جواً من الإرتياح والبهجة، تملكتني الابتسامة وأنا أتفحص البحث الذي عكف عليه مجموعة من الباحثين من النمسا وفنلندا وهولندا والذي حمل عنوان "سر السعادة"، لم يقتصر البحث على توجيه النصح بتناول كوب من اللبن الممزوج بمادة الفانيلا صباح كل يوم، بل خلص ايضاً إلى أن نشر مادة الفانيلا في قاعات الانتظار في المستشفيات يهديء الموجودين ويريحهم، وكون النتيجة التي توصل إليها الباحثون لا يدنوها الشك على اعتبار أن البحث يحمل الطابع العلمي المستند على التجربة، فالمؤكد أن السعادة التي يتحدثون عنها تختلف جملة وتفصيلا عن تلك التي نتوق اليها.
كثيرة هي الأماكن التي تفرض عليك استحضار تقرير الفانيلا، من بينها مبنى وزارة الشؤون المدنية في مدينة غزة الذي يعج يومياً بالمراجعين، كل منهم يحمل أوجاعه ويحتفظ بتفاصيل معاناته في وثائق يطوف بها بين المكاتب، منهم من جاء أملاً في الحصول على تصريح يسمح له بالانتقال بمرضه إلى أحد مشافي الضفة الغربية، فيما طلاب الجامعات طرقوا ابوابها علهم يتمكنون من الحصول على تصريح يسمح لهم بمغادرة القطاع للالتحاق بجامعاتهم خارج الوطن، فيما الحالات التي يتم ادراجها تحت مسمى "الحالات الانسانية" تحمل تفاصيل المعاناة بأنماطها المختلفة، سيدة تسعى للالتحاق بزوجها واسرتها، وفتاة تعلق آمالها على تصريح يمكنها من الذهاب إلى خطيبها الذي ينتظرها منذ أمد، ورجل يسابق الأيام المتبقية له من عمر الإقامة كي يلتحق بعمله الذي تركه رغماً عن أنفه حين زار الوطن كي يكون بجوار والده في نزاعه الأخير، وشاب لم تشفع له شهادته الجامعية في الاستغناء عن المصروف اليومي الذي ما زال والده يقتطعه له رغم ضيق الحال، لم يعد أمامه ما يفكر فيه سوى الهجرة، لا يشغل باله بالتفكير بإجابة محددة لسؤال إلى اين؟، فقط يفكر في اعتلاء البحر حتى وإن ابتلعه.
أمام مكتب التنسيق التابع لوزارة الصحة الذي يحتل ركناً في المبنى تزدحم الصالة بالمراجعين، كل منهم حصل على موافقة على العلاج بالخارج وينتظر موافقة الاحتلال على سفره إلى المستشفى الذي أبدى استعداده لإستقباله، الغالبية منهم من مرضى السرطان الذين هم بحاجة إلى جرعة كيماوية او اشعاعية، لم يثقل كاهلهم المرض برغم قسوته بقدر ما أثقل عزيمتهم طول انتظار موافقة الاحتلال.
كنت تقدمت بطلب للحصول على تصريح للانتقال من غزة مباشرة إلى عمان كي أكون بجوار ابنتي في حفل زفافها في السعودية، كنت اشعر بكثير من الخجل وأنا أسأل صديقي في وزارة الشؤون المدنية عن التصريح الخاص بي، لا شك أن مبرر سفري وإن حمل جانباً انسانياً إلا أنه يتراجع كثيراً في قائمة الحالات الانسانية التي تنتظر أن يتكرم الاحتلال عليها بالموافقة على السفر، اتصل صديقي بعد أيام ليخبرني بالرفض الأمني، لم افكر طويلاً في ذلك بقدر ما ذهبت في تيه سؤال: ما الذي يفعله مريض بالسرطان إن حصل على رفض أمني مشابه؟، لا فرق بين من يترك جريحاً ينزف حتى الموت وبين من يمنع مريضاً من العلاج حتى الموت.
قد يلهث البعض خلف نكهة الفانيلا تيمناً بقدرتها السحرية على جلب السعادة حتى وإن أطاحت جانباً برائحة البن، وقد يشجع بحث العلماء على زيادة استهلاك الفانيلا، لكن المؤكد أن الفانيلا وأخواتها تحتاج إلى بيئة ملائمة كي تمارس فيها طقوس السعادة، وتبقى عاجزة عن ممارسة هوايتها في البيئة المسكونة بالألم والمعاناة، مؤكد أن الفانيلا تفقد مفعولها في غزة.

د. أسامه الفرا