الشعب المصري ليس عكاشة

بقلم: فايز أبو شمالة

حسم ميدان التحرير في القاهرة مستقبل العلاقة بين الشعب المصري وعدوهم الإسرائيلي، وتم سحب السفير المصري من تل أبيب سنة 2012، رفضاً للحرب على غزة، واحتراماً لمشاعر الشعب الذي يرفض أن يستقبل سفيراً يهودياً فوق تراب مصر الطاهر.
وإذا كانت اتفاقيات كامب ديفيد قد ألزمت مصر بالتبادل الدبلوماسي مع إسرائيل، إلا أن اعتماد السفير المصري "حازم خيرت" قبل أيام في تل أبيب، قد تم خلف الأبواب المغلقة، ودون احتفال رسمي، وذلك بناءً على رغبة مصر، كما جاء في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" التي أكدت أن الاحتفال بالعلاقات الثنائية، قد تم وراء أبواب مغلقة. وفي تقديري أن هذا يعكس احترام الحكومة المصرية لمشاعر الشعب الرافض للتمثيل الدبلوماسي، والذي يبكى كرامته الوطنية والعربية، وهو يمد يد مصر البريئة الشجاعة لتصافح يد العدو الخبيثة الجبانة.
تلك الكرامة الوطنية هي رأس مال الشعب المصري، وبها يتفاخر على كل شعوب الأرض، وهذا الذي غاب عن بال الإعلامي المصري توفيق عكاشة، الذي عمد إلى البهرجة في استقبال السفير الإسرائيلي "حاييم كيرن"، مستهزئاً بشهداء الشعب المصري، ومستهيناً بتاريخ مصر الرافض للمذلة، لقد تعمد عكاشة بذلك الاستقبال الاستفزازي أن يصفع الغالبية العظمى من الجمهور المصري بحذائه الذليل؛ الذي تعود أن يرفعه في فضائية الفراعين، مهيناً كل وطني مصري وعربي وفلسطيني؛ يرفض أن يكون كومة من اللحم المقدد على موائد الإسرائيليين.
لقد استقبل عكاشة السفير الإسرائيلي بحجة جلب المنافع للمصريين؛ وإنه عرض على الإسرائيليين مساعدتهم في تحديد مكان هيكل سليمان مقابل حل أزمتي سد النهضة، وتحكيم الغاز، وبناء 10 مدارس بدلا من تلك التي دمرت في بحر البقر بالشرقية أثناء احتلال إسرائيل لسيناء، مؤكدا أن السفير وافق بشدة على هذا العرض.
من المؤكد أن السفير الإسرائيلي سيوافق بسرعة على بناء عشر مدارس في مصر، فهذا مبلغ من المال لا يساوي شيئاً مقابل الوصول إلى قلب المجتمع المصري، والتطهر من دماء مئات الأطفال المصريين الذين استهدفتهم الطائرات الإسرائيلية، ومن المؤكد أن السفير الإسرائيلي سيوافق على التنازل عن بعض المال الذي قضى فيه التحكيم الدولي عن اتفاقية الغاز، ولكن الأهم من كل ما سبق هو موافقة السفير الإسرائيلي على التدخل لدى دولة أثيوبيا لحل أزمة سد النهضة، ولاسيما أن المال اليهودي والخبرة اليهودية هما اللذان وقفا خلف بناء السد ذاته، فهل التدخل الإسرائيلي لدى أثيوبيا، سيضمن زيادة حصة مصر من ماء النيل فقط، أم سيكون ذلك مشروطاً بضمان حصة لإسرائيل التي تحرص على أن تشرب من مياه النيل؟.
وإلى أن تكشف الأيام القادمة عن الأطماع الإسرائيلية التي وقفت وراء سد النهضة في أثيوبيا، فقد نجح المهرج عكاشة في جذب الأنظار إليه، ليكون هو مركز الحدث السياسي، وليس عودة السفير المصري إلى تل أبيب، ونجح عكاشة بمسرحيته السخيفة في التغطية على تبادل السفراء الرسمي، ومع ذلك فقد فشل في تسويق فكرة التجاور بين الشعب المصري وأعدائه، وفشل في التسلل إلى ضمير المصريين الرافضين للتزاور مع الأعداء.
لقد طلب توفيق عكاشة من السفير الإسرائيلي شيئاً لافتاً، حين قال له: عليكم بناء تمثال من الفضة لجمال عبد الناصر في تل أبيب، فلولا عبد الناصر لما كانت إسرائيل، والمفروض أن تطلعوا أنور السادات من القبر وتضربوه بالرصاص مرة أخرى"، إن هذه المطالب التي تعطي للإسرائيليين اليد العليا، وتمنحهم القوة المطلقة، هذه المطالب متروكة للشعب المصري، فهو يعرف آلية الرد على توفيق عكاشة؛ الذي أعدمت مصر خاله الضابط فاروق عبد الحميد الفقي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، هو وعشيقته "هبة سليم"؛ تلك الفتاة المصرية التي قدمت قبل إعدامها خدمات عسكرية لإسرائيل، فكافأها جهاز الموساد الذي رتب لها لقاءً خاصاً مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت "جولدا مئير".
ومن مفارقات الزمن العجيبة أن بعض الإسرائيليين يرتبون في هذه الأيام لقاءً خاصاً لتوفيق عكاشة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن يامين نتانياهو".
د. فايز أبو شمالة