لا شك أن ما تتعرض له المنطقة هو الأخطر والأصعب وخاصة عندما ينزلق البعض في تأجيج نار الفتنة السنية ـ الشيعية في البلاد العربية، وبالاساءة الى مقاومة أحرزت انتصارات مجيدة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ، وهو يدرك ان هذه اللعبة القذرة لتعميم نار الفتنة ستحرق العرب جميعا، بتاريخهم ماضيا وحاضرا، وستدمر مستقبلهم، ولن يستفيد منها إلا العدو الصهيوني والقوى الاستعماريةالطامعة بخيرات ومقدرات وطاقات المنطقة.
من هنا يجب التأكيد على أمرين: يجب الوقوف ضد الخطاب الطائفي في المنطقة، بغض النظر عن مخرجاته، فالخطاب الطائفي ينافي قيم العدل، إذ يعتبر اعتداء على تمايز البشر وتعددهم، فيجب رفضه أخلاقياً، والخطاب الطائفي متخلف من الناحية الفكرية ، الثقافية، كما أنه خطاب التحريض من اجل بث الفتنة .
منذ بداية ما يسمى الربيع العربي والامور تزداد خطورة بالتصريحات والخطابات الطاثفية والمذهبية لتأجيج حدة الصراع بين الشعوب من اجل ابعادها عن الهدف الرئيسي فلسطين ، حيث تلعب وسائل اعلامية معروفة دوراً في التحريض الطائفي والمذهبي ضمن مخطط مدروس ، بدلا من العمل لكشف المخطط الامبريالي الصهيوني الذي يستهدف المنطقة من خلال ادواته من القوى الارهابية التكفيرية التي تتسطر بالدين والتي تسفك دماء الشعوب بهدف اشعال نار الفتنة الطائفية والمذهبية واعادة تقسيم المنطقة وفق سايكس بيكو جديد خدمة للعدو الصهيوني
امام خطورة ما تتعرض له المنطقة يجب على كل القوى الوطنية واليسارية والقومية والاسلامية الشريفة بكل اطيافها ومكوناتها واحزابها وحركاتها أن تواجه ما يحاك قبل الدخول في المجهول، المنطقة تتمزق وتحترق من قبل من يسعون الى اشعال نار الفتنة ، الدمار والخراب والقتل والتشرد والذل الذي لحق بالشعوب العربية ، اصبح المطلوب مواجهة الوباء التكفيري لأنه ليس خطراً على شريحة أو طائفة معينة بل هو خطر على الوجود، وهذا يستدعي ثقافة جديدة وببنية سياسية جديدة ، هذه ليست أحلاماً بل عندما تتوفر الإرادة والانتماء الحقيقي لتكون نموذجاً في كل المجالات، هذه مسؤولية كل الشرفاء من اجل قطع الطريق على المواقف التي تبث الفتنة الطائفية والمذهبية ما اجل ان نتسامى فوق الجراح والآلام.
من هنا نحن بحاجة إلى وقفة مع الذات ومراجعة أفعالنا وبرامجنا وتصرفاتنا وننظر بعينين اثنتين إلى ما يجري في المنطقة ونعيد الاعتبار الى القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للامة العربية والقضية الانسانية لاحرار العالم ، والوقوف بشراسة ضد مايتهدد شعوب المنطقة من هجمة امبريالية صهيونية وارهاب تكفيري مرتبط ومدعوم من قبل العدو الصهيوني .
ان فلسطين بحاجة الى الجميع ومن يريد ان يعمل من اجل ابعاد الشعوب العربية عن بوصلة تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني وعن التخلى عنها أو التآمر عليها ، هو شريك فعلي في المؤامرة الكونية التي تتعرض لها المنطقة، لأن فلسطين لا يمكن تغييبها لأنها حالة قائمة بحد ذاتها، فها هي الانتفاضة تواجه الاحتلال الإسرائيلي وإرهابه واستيطانه واعتقالاته بكل عزيمة وثبات ، و أن من يغيّب فلسطين ويدعم الانقسام ويريد تحويل قضية فلسطين من قضية أرض يجب تحريرها إلى قضية تختصر على تجميد الاستيطان وليس إنهاءه وإطلاق عدد من الأسرى متفق عليها في المفاوضات شيئ غريب ، ونحن كنا نتمنى ان تتشكل عاصفة الحزم اثناء احتلال العراق من اجل الدفاع عن العراق او ان تتشكل من اجل فلسطين وليس اليمن وسوريا ، فكيف لمن يدّعي العروبة أن يتجاهل هذه الكوارث التي استجدّت بعد ضياع فلسطين، والعمل على مذهبة كلّ خلاف بين الأخوة في الدين، والأشقاء في الحسب والنسب القرشي العربي، ولماذا استثارة النفوس الأمّارة بالسوء والشرّ من أجل زعزعة الأوطان وتدمير مقوّماتها العمرانية والعلمية والمعرفية ودفنها في مهاوي النسيان،لهذا نقول المقاومة ستنتصر، والانتفاضة ستستمر ، ونحن نتطلع الى كل القوى والفصائل الفلسطينية ان تتوحد حتى تكون للانتفاضة الذي يقودها شباب وشابات فلسطين استراتيجية واضحة وأن تنطلق تكتيكاتها من هذه الاستراتيجية وتصب في خدمتها وليست متناقضة معها.
في ظل هذه الظروف الدقيقة كان موقفنا دائما منحازا الى الشعوب العربية وقواها الوطنية واليسارية والقومية العربية وحذرنا ممن ركبوا موجة ما يسمى الربيع العربي حتى لا تضيع بوصلة الصراع مع العدو ، حيث اثبت كلامنا بأن هذا الربيع اصبح خريفاً إسلامياً متطرفاً تقوده تيارات تكفيرية بدأت تفتك بكل مفاصل العالمين العربي والإسلامي.
ومن خلال رؤيتنا نرى اصوات تعمل على التحريض المذهبي مدعومة من اعلام يبث سموماً ويبدي تشدداً مما يتطلب الدعوة الى وسائل الاعلام للعمل على توعية الرأي العام العربي و الرد على أبواق تريد اشعال نار الفتنة الطائفية والمذهبية، وتستطيع ان تصنع إعلاماً حقيقياً ، يمكنها أن تحقق شيئاً ما على أرض الواقع، كما يتوجب أن نستغل التقنيات والتكنولوجيا المناسبة في الوقت المناسب، مما يتحتم علينا أن نجد الخطط اللازمة والمبادرات الخلاقة التي تغيّر شيئاً على أرض الواقع في ظل هذه المرحلة الخطيرة .
وبالرغم من الهجمة والمخططات التي تستهدف المنطقة وما يحكى عن سايكس بيكو جديد ودويلات طائفية ومذهبية ، ورغم الصورة القاتمة أعتقد أن الكرة هي في ملعب كافة القوى والاحزاب العربية من اجل مواجهة خطابات الفتن والحفاظ على النسيج الوطني والشعبي البعيد عن الطائفية من اجل وضع حد لهذا التدهور، والتمسك بخيار المقاومة التي شكلت منارة لكل المناضلين واحرار العالم بانتصاراتها وبتصديها للهجمة الامبريالية الصهيونية التكفيرية.
ختاما : لا بد نت القول ، ان العاصفة القوية التي حركتها الانتفاضة الفلسطينية لم تهدأ حتى الآن ومقدر لها ان تستمر فترة طويلة وان تخلق أحداثا وتطورات نوعية إضافية، فمدلولاتها ووقائعها اليومية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية ، تؤكد ان العمل الحيوي واستخلاص دروسه الهامة المفيدة للشعب الفلسطيني وقيادته، وجميع القوى المعنية بان القضية الفلسطينية فوق كل الاعتبارات والحساسيات ، حتى لو ظلت الدروس المستخلصة أولية وغير كاملة، الا ان طريق فلسطين اخترها الشهداء بدمائهم طواعية ، كما اختاره شعبنا طواعية ومستعدون لتقديم التضحيات في سبيل تحرير الارض والانسان .
بقلم/ عباس الجمعة