انتقال العلاقات الخليجية العربية – الإسرائيلية وبالذات العلاقة مع آل سعود وقطر والإمارات العربية من السر الى العلن،ليس بالمفاجىء والمستغرب،فهذا الإنتقال في العلاقات الخليجية العربية - الإسرائيلية،يجري في سياقاته الطبيعية وليس خروجاً عن المألوف،وعلاقة العشق السري بين تلك المشيخات وإسرائيل قائمة منذ عشرات السنين،ولكن جملة من التطورات املت إنتقالها الى مرحلة العلنية والعري الكامل لتلك المشيخات بدون ورقة التوت،فبعد ما يسمى ب"ثورات " الربيع العربي،قادت السعودية نقل مشروع الفتنة المذهبية (سني- شيعي) من المستوى الرسمي الى المستوى الشعبي،وكذلك عملت على حرف الصراع العربي –"الإسرائيلي" عن أصوله وقواعده،لكي تحوله الى صراع عربي- إيراني،وكانت تهدف إلى ادخال العالم العربي في اتون حروب الفتن المذهبية والطائفية وحروب التدمير الذاتي،بما يسهم في فك وتركيب الجغرافيا العربية،وبما يقسمها على أساس التخوم المذهبية والطائفية،ودفعت مئات المليارات من الدولارات لأجل تحقيق هذه الغاية والهدف،ولكن المشروع السعودي لاقى الهزائم والخيبات على كل الجبهات،فهي رغم كل الضغوط التي مارستها على أمريكا،ومليارات الدولارات التي دفعتها رشاو لفرنسا وبريطانيا و"إسرائيل"،فشلت في إقناعها بعدم توقيع الاتفاق النووي مع ايران،وكذلك مشروعها في العراق القائم على خلق العشائرية والصحوات تفكك وفشل،والأخطر من ذلك مشروعها في سوريا التي بينها وبين نظامه ثأر شخصي،تعرض لفشل ذريع،ضاعت معه كل المليارات المستثمرة،من اجل تطويع سوريا،وجعلها خاضعة للسيطرة السعودية من خلال إيجاد نظام ديكوري يقاد بامرها كما هو الحال في لبنان،وحتى "جبهة النصرة" ربيبتها هناك لم تفلح في منع تصنيفها كمنظمة إرهابية واجب إجتثاثها وإقتلاعها بتوافق روسي- امريكي،وكذلك حربها على اليمن أدخلتها في مازق ومستنقع،ولم تستطع رغم فارق القوة العسكرية الكبير وما معها من حلفاء وأسلحة متطورة،أن تحقق أي نصر على فقراء اليمن وممثليهم من انصار الله "الحوثيين" الذين يقاتلون على أرضهم ودفاعاً عن كرامتهم وخيارهم الوطني،بل هؤلاء اليمنيين المتسلحين بالإرادة هزموا آل سعود وحلفهم من العملاء الداخليين والمستقدمين من الخارج.
كما ان المشروع السعودي في لبنان المترابط بما يحدث في سوريا والعراق بشكل أساسي لم يسلم من الهزيمة.
هذه الهزائم المتوالية للمشروع السعودي،والخوف من الإنتقام السوري والإيراني على وجه التحديد،ساهمت في نقل العلاقة والتعاون والتنسيق الأمني والعسكري والسياسي السعودي مع "إسرائيل" الى الشكل العلني،والسير به نحو التحالف العلني،والذي قد يصل الى حد التحالف الإستراتيجي،ومنح "إسرائيل" العدوانية والمحتلة لفلسطين والأراضي العربية الأخرى العضوية في الجامعة العربية "العبرية"،ولا غرابة اذا ما ترأس نتنياهو او ليبرمان القمة العربية القادمة،فبقدرة قادر أصبح كل المتطرفين في حكومة نتنياهو،هو وليبرمان ونفتالي بينت وشاكيد ورغيف من اكثر المدافعين عن العرب "السنة".
وفي هذا السياق جاءت زيارة وفد عسكري سعودي رفيع الى تل أبيب،لبحث إمكانية التدخل الإسرائيلي في الحرب الى جانب السعودية وتركيا،إذا ما قامرتا بشن حرب برية على سوريا،وعندما سقط مثل هذا الخيار،قام وفد إسرائيلي رفيع بزيارة للسعودية لتنسيق الخطوات ضد ايران وسوريا واليمن وحزب الله،والسعودية ترى في حزب الله عدوها اللدود،فهو المسؤول بشكل مباشر عن فشل مشاريعها وهزيمتها في سوريا ولبنان،وهو من يقف رأس حربة في كشف مؤامراتها،ويتصدى لها فيما تقوم به من عدوان على اليمن،او تكميم الأفواه والإعدامات في السعودية،كما جرى مع الشيخ العلامة نمر باقر النمر الذي طالب بحقوق المهمشين من الشعب السعودي،ووقف "تغول" العائلة السعودية المالكة عليهم،كذلك طالب بالتوزيع العادل للثروات ..الخ.
التطورات الدراماتيكية في اعلان مجلس التعاون الخليجي ومن ثم وزراء الداخلية العرب عن حزب الله اللبناني المقاوم،كتنظيم "إرهابي"،وترحيب دولة الإحتلال الإسرائيلي بهذا القرار،سبقه جملة من المواقف والتطورات،فالسعودية،بعد فشل مشروعها في سوريا،وما قامت به عصاباتها من "نصرة " و"داعش" من تدمير في سوريا،عقدت العزم على تدمير لبنان،وهي لم تعد تطيق ان تكون شريكاً في التقرير بمصير لبنان،فإما لبنان خاضع بالكامل لسيطرتها،وإما فليدمر لبنان ويذهب للجحيم.
ولذلك شنت السعودية حملة شاملة على لبنان مصحوبة بسلسلة من العقوبات الإقتصادية والمالية،بما في ذلك المنحة للجيش اللبناني المتوقفة اصلاً من ثلاث سنوات،بالإضافة الى التهديد بطرد العمالة اللبنانية من السعودية،وهي التي تشكل تحويلاتها عصب الإقتصاد اللبناني،ولم يقتصر الأمر على مشيخة آل سعود،بل حذت حذوها مشيخات قطر والبحرين والامارات والبحرين والكويت حيث دعت رعاياها الى عدم زيارة لبنان وطلبت من الموجودين منهم على الأراضي اللبنانية مغادرة لبنان،وهذا ياتي في إطار فتنة مذهبية تخطط لها مملكة آل سعود في لبنان،من خلال تأليب الشعب والدولة اللبنانية على حزب الله باعتباره السبب في مثل العقوبات السعودية،وقد رأينا صبيان السعودية من جماعة الرابع عشر من آذار وعلى رأسهم الحريري يكيلون الإتهامات لحزب الله ويحرضون عليه على اعتبار انه السبب في العقوبات السعودية،وكانت السعودية تامل ان يجر حزب الله الى دائرة الفتنة المذهبية التي تخطط لها،خاصة في مناطق العيش المشترك وعبر أدوات ماجورة،ولكن حزب الله الذي لا يتعامل بإنفعال وعواطف وردات فعل،لم ينجر الى مثل هذه المتاهات ولا بالثأر على أساس مذهبي وطائفي،لا عندما كانت السيارات المفخخة تاتي من القلمون لتنفجر في الضاحية الجنوبية بأمر سعودية ولا عندما حرر الحزب وقوى المقاومة الجنوب اللبناني في ايار /2000.
كلمة سماحة السيد حسن نصرالله في الأول من آذار الحالي،وضعت النقاط على الحروف،وكشفت لماذا السعودية تناصب الحزب العداء،فسماحة السيد قال "اعتبر ان كل ما يحصل ان المطلوب من الحكومة والقوى السياسية واللبنانيين ان يضغطوا على حزب الله حتى يتراجع حزب الله عن موقفه من المملكة السعودية حتى لو كان هذا يؤدي الى سقوط الحكومة والى فتنة وحرب اهلية،واعتقد انه لن يُستجاب للسعودية الى هذه الدرجة.
وقال ان السعودية "غاضبة" من حزب الله لكن هذا الغضب ليس جديدا والسعودية منذ 2005 "فاتحة مشكل" معنا ونحن ساكتين، وذلك عبر التشهير وحرب نفسية وعمل امني ومخابراتي، وخلال 11 سنة كل ما تقدر ان تقوم به السعودية قامت به بالسياسة والامن والاعلام والتمويل وكل شيء .
ولفت السيد نصرالله ان وقوفنا ضد العدوان على اليمن هو "جريمتنا" التي نفتخر فيها، وأشرف شيء قمت به في حياتي هو الخطاب الذي القيته في اليوم الثاني من الحرب السعودية على اليمن. ولفت ان الشعب اليمني شعب مظلوم تجاوز بمظلوميته الشعب الفلسطيني واليوم لا يوجد مظلومية كمظلومية الشعب اليمني.
ما أقدمت عليه السعودية ومعها ما يسمى بمجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العربية،بإعتبار حزب الله المقاوم،منظمة إرهابية،هو تجريم ليس لحزب الله،بل لكل قوى المقاومة العربية واللبنانية والفلسطينية،والتي سياتي دورها لاحقاً،اذا ما تمكنت هذه الأنظمة المرتجفة والمنهارة والمتآمرة من السيطرة على قيادة الوضع العربي،او لا سمح الله نجحت مشاريعها الخيانية والتفريطية في سوريا والعراق ولبنان واليمن .
وكذلك هذا التجريم،من شانه ليس فقط تقديم خدمة مجانية لدولة الإحتلال الصهيوني،بل هو تبرئة لهذا الكيان من كل الجرائم التي ارتكبها بحق امتنا العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة،وشرعنة إحتلاله.
الان مرحلة الفرز الحقيقي،مرحلة من يقف الى جانب المقاومة ومشروعها المقاوم،وبين من يقف مع مشروع الخيانة والتفريط،ومن ليس مع المقاومة بدون التلعثم وتنميق الكلام واللغو الفارغ فهو ضد المقاومة.
بقلم/ راسم عبيدات