تنافسوا ....لا تتصارعوا !!

بقلم: وفيق زنداح

المشهد الانساني السياسي الاجتماعي الثقافي في فلسطين ...لا يخرج عن اطار ما نشهده بالعديد من الدول ...خاصة الدول النامية..... التي لم تصل بعد لمرحلة النضوج الديموقراطي والقدرة على الحكم بمفاهيم الديموقراطية .....والقوانين الناظمة للمجتمعات وممارسات الافراد والجماعات .
ديموقراطية المجتمعات والمؤسسات توفر المجال والاليات لإحداث التنافس ما بين العاملين في أجهزة تلك المؤسسات ....ليقدم كل منهم افضل ما لديه من أداء وقيمة عمل .....وليتلقى مقابلها عائدا ماديا ومعنويا .....من خلال الحوافز المنصوص عليها باليات وأنظمة تلك المؤسسات .
أليات واضحة ...ومسارات غير متضاربة ....وأهداف محددة ...ورؤية شاملة لمجريات العمل داخل المؤسسات ...كما وداخل الحكومات ....وكما في الاحزاب والمؤسسات..... بكل ما فيهم من عاملين ومتطوعين ....وعلى كافة المستويات ...والذي يحدد بتصنيفهم الوظيفي ....معاييرهم العلمية الادارية القانونية المهنية ....بحيث يوقع المتقدم بطلب العمل لدي تلك المؤسسات .....على عقد عمل يحتوي بمضمونه على كافة الحقوق والواجبات ....فلا اجتهاد ولا خروج عن نص تلك العقود الموقعة والموثقة ...ولا فلسفة زائدة .....ولا شطارة عابرة ...ولا محاولة للدس والقفز والتجاوز ....للوصول الي المراتب الاعلى دون وجه حق ...وبعيدا عن التسلسل الاداري والوظيفي والمهني المنصوص عليه والمعتمد .....والمقر بكافة المؤسسات ذات الاختصاص ....والتي تحدد للجميع مهامهم ومسئولياتهم .
العمل المؤسساتي الخاص .....كما العمل المؤسساتي العام ...كما العمل الحكومي ...كما العمل الفصائلي الحزبي مع اختلافات بسيطة .....في طبيعة وظيفة وأداء كل من يعمل بتلك المؤسسات ...والاختلاف في دافعية ومنطلقات المنتسبين لتلك المؤسسات ....والمحكومة بضوابط قانونية وإدارية وتنظيمية..... يقابلها عائد مادي مع اختلاف تسمياته ما بين راتب ...مخصص ...مكافئة ....كلها بالمحصلة النهائية عائد مادي على أداء عمل ....خلال فترة محددة .
الفصائل والاحزاب السياسية والعمل بها ....والانتماء بصفوفها ...عمل تطوعي وطني ....منطلقاته وأيدولوجياته وألياته التنظيمية .....تختلف والي حد ما عن باقي المؤسسات وما يحكمها من أطر وأهداف ...حتي وحول طبيعة الاشخاص والقوانين التي تسمي أنظمة ادارية لدي المؤسسات ....وتسمي لوائح تنظيمية لدي الفصائل والاحزاب ...والتي تلزم أعضائها بصورة أكبر ....وتتم محاسبتهم تنظيميا .....بصورة أشد في ظل حالة من الانضباط والصرامة ....والالتزام .
مقدمة ما سبق .....ربما يفيد في اعطاء التصور العام للمراد ايصاله ....من خلال عنوان المقالة التي تحمل عنوان تنافسوا ....ولا تتصارعوا !! .
تنافسوا ....وهذا حق ....ومشروع ...وواجب ....ويجب أن يتنافس المتنافسون ...وأن يجتهد المجتهدون..... وأن يبدع المبدعون ...وأن يقدم كل انسان أكثر ....واكبر ما لديه من طاقة وجهد ...من أجل تأكيد النجاح..... وابراز قيمة العمل .....وتأكيد الانتماء ....كقيمة انسانية مهنية ....وطنية وسياسية ....كقيمة ومكانة يعتز بها الانسان ويقدرها ...ويضحي من أجلها ...ويقدم فيها ساعات طويلة ...وسنوات عديدة من عمره.....وسنوات عمله الطويل.... وحتي بلوغه سن الشيخوخه ....والذي ربما لا يوصله الي مرحلة فقدان العطاء ....بل يتجدد العطاء والابداع والانتماء ....وأداء الدور ....اذا ما كان للإنسان من قدرة وعافية على استمرار عطائه .....واثبات انتمائه .
المنافسة شيء جيد ....ومحبب ...ومقبول... ويجب أن نزرع بداخل أبنائنا وأجيالنا ....حب المنافسة ....داخل مدارسنا وجامعاتنا ...وداخل اسرنا وعائلاتنا ....وفي داخل العمل ...وفي مناهج الدراسة والبحث .....بكافة العلوم العلمية والمهنية والصناعية والتكنولوجية ....كما في مجالات الابداع الفكري الثقافي الانساني والاعلامي ....كل شيء قابل للمنافسة ....حتي ما بين عباد الله ...ومحاولة التقرب لكل منهم من خلال ممارسته لعبادته ....وايمانه وحسن خلقه ...واثبات ايمانه من خلال معاملاته ومواقفه .
مساحة المنافسة تتسع لكافة المجتهدين .....والراغبين بالعطاء ....اذا ما كان لديهم الرغبة الاكيدة ...والارادة الحقيقية في استمرار عطائهم ...وأداء عملهم ...وتحقيق ذاتهم ..خدمة للنفس .....ومن حولها من أفراد المجتمع ....وفي نهاية المطاف خدمة للوطن الذي نعيش بكنفه ...ونأكل من خيراته ...وننتمي اليه .
البعض منا .....يحاول أن يخلط دائما ما بين المنافسة المشروعة ...المنافسة المحببة .....داخل الارادة والفكر والعطاء الانساني .....وما بين محاولة فرض الصراع المرفوض.... والمكروه ...والذي يخرج الانسان عن طبيعته وانسانيته وانتمائه ..... ليجعل منه وحشا مفترسا يأكل كل من حوله ....ومن يواجهة في اطماعه ورغباته وأنانيته ... بعض الاشخاص غير العاديين الذين يحاولون الوصول الي ما يريدون بشتي الطرق..... وأيا كانت الوسائل ....وأيا كانت مشروعيتها..... أو عدم مشروعيتها ....وهذا بيت القصيد..... للعديد من الظواهر والسلبيات التي نشأت وترعرعت في مجتمعاتنا.... وكأنها أصبحت تعبيرا عن حالة ذكاء وفطنة .....حالة من القدرات الخاصة..... التي تميز من يمتلكون أداء التحايل والنصب الانساني وحتي السياسي والاجتماعي .... وايهام الاخرين بأنهم قدوة حسنة ....وأنهم الاقدر على بسط قواعد الاخلاق ...والعلاقات الانسانية بمحاولتهم تصيد الاخرين ....والايقاع بهم ...وجرهم الي مربعات الصراع المفتوح ....الذي يخرج الانسان عن انسانيته .....كما ويخرجه عن اطاره وفكره وانتمائه .
حالة الاستنفار الدائم في ظل الصراع القائم.... الذي يغيب العمل والابداع ....كمل ويغيب العطاء والانتماء .....ليظهر المزيد من القهر والافشال.... والازاحة لمن حولنا بفسح المجال للبعض منا ...دون غيرنا .
خطايا وأخطاء.... انسانية ادارية ....وربما قانونية ومهنية .....وبعضها سياسية وثقافية واعلامية يقع فيها الانسان ....ويحاول ايقاع من حوله..... في ظل حالة من الفشل وانعكاساته .
التوازن النفسي والفكري ...المهني العلمي .....وحتي التوازن التنظيمي السياسي الوطني .....يجعل الانسان أكثر قدرة على العطاء والابداع والابتكار .....ويفسح المجال للمزيد من العمل والعطاء والابداع .
المسألة الأخرى..... التي يجب تداركها ومحاولة تجاوزها ....أن الكثيرين من المسئولين ...لا يمتلكون من المؤهلات العلمية ....والخبرات العملية..... حتي الابداعات الفكرية ما يؤهلهم ويقدمهم في مواقع المسئولية ...وهذا ما يحدث حالة من الصدام والصراع ....وعدم الالتزام في ظل من حوله من كفاءات وقدرات علمية ...وجدوا أنفسهم تحت طائلة مسئولية هذا الشخص أو ذاك ....في ظل غياب النظام ....والخطة..... والمهام المحددة وسياسة التفرد ...وعدم قبول المسئول بحالة المناقشة..... ولا حتي المنافسة المشروعة ....مما يولد الصراع ....ونتائج الافشال .....وعدم المقدرة على الانجاز..... وحالة العجز والشلل التي ربما نشاهدها في العديد من الاماكن والاعمال وحتي المؤسسات .
من هنا يجب أن تكون مفاصل العمل الاداري..... وحتي التنظيمي.... لأشخاص ذات مؤهلات وكفاءات .....خبرات وسمات وصفات شخصية تؤهلهم للمناصب ....التي يجلسون عليها ...والتي يستطيعون من خلالها أداء دورهم ...واستنهاض طاقات من حولهم ....وانجاز أفضل ما لديهم .
التنافس المشروع ....التنافس الايجابي ....التنافس من اجل اهداف سامية.... ترتقي بنا ...وبمن حولنا ....هي الطريق الافضل والاسلم ....والصائب ...بعيدا عن كافة اشكال الصراع والتصارع المرفوض ....والذي يدخل صاحبه ومن حوله بحالة عدم التوازن ....وعدم القدرة على العمل والانجاز ....لأننا لم نفهم بتاريخنا وتجربتنا الوطنية الطويلة ....مسمي الصراع ....الا ذاك الصراع مع عدونا والمحتل لأرضنا ...والمغتصب لخيرات بلادنا ...والقاتل لأبنائنا ...لكننا أبناء الوطن .....لا يمكن لنا أن نقبل بأي شكل من أشكال الصراع .....وتحت أي مزاعم ومبررات وأوهام ...لكننا يمكن أن نقبل..... وفي السياق الطبيعي والديموقراطي أن نتنافس ....وأن يعمل كل منا أكثر ما في طاقته وجهده ....من أجل أن يثبت أنه الافضل ....وأنه الاقدر ...وأنه الاكثر صلاحية ...وهذا ما يجب أن يتعزز بفكرنا ....وسلوكنا ...وأدائنا وعلى كافة المستويات .
الكاتب : وفيق زنداح