لم يكن قرار مجلس تعاون الخليجي بقيادة المملكة السعودية وصف حزب الله واتهامه على أنه منظمة إرهابية مفاجئاً ، بل أن خطوات القرار في مقدماتها كانت تتدحرج رويداً رويداً منذ العدوان " الإسرائيلي " على لبنان في العام 2006 . يومها وبتحريض من المملكة عبر وزير خارجيتها آنذاك سعود الفيصل وتصريحه الشهير :- " أن بعض الجهات تتصرف بطريقة غير مسؤولة وغير مناسبة وغير متوقعة " ، اتخذ كل من الرئيس المخلوع حسني مبارك والملك عبد الله الثاني ، وفي بيان مشترك صدر في ختام قمة عقداها في القاهرة في الرابع عشر من تموز 2006 موقفاً مشابهاً للموقف السعودي ، حذرا فيه " أي طرف من القيام بأعمال تصعيدية غير مسؤولة تستهدف جر المنطقة إلى أوضاع خطيرة وتورطها في مواجهات غير محسوبة تتحمل تبعاتها دول المنطقة وشعوبها" . وكان المستهدف يومها وبكل وضوح هو حزب الله ، الذي حُمِلَّ مسؤولية جر لبنان إلى حربٍ لا قدرة له أو لدول المنطقة على تحمل تبعاتها .
ومنذ تلك المرحلة بدأت العلاقة بين السعودية وحزب الله تشهد ارتفاعاً في منسوب الخلاف ، إلاّ أنه بقي مضبوطاً داخل الكواليس ، ولكن في الخفاء المملكة السعودية كانت تعمل على تقويض وتشويه صورة وشيطنة حزب الله ، الذي اكتسب تعاطفاً وتأييداً والتفافاً ودعماً ، حتى أن أعلامه وصور أمينه العام السيد حسن نصر ، قد رفعت في حرم الأزهر الشريف ، وتزينت بها جدران منازل وشوارع الكثير من الدول العربية والإسلامية التي تُحرق بعضها اليوم بفعل الحروب الممولة من قبل دول البترودولار . حزب الله بدوره لم يكن غافلاً عما تقوم به السعودية ، التي لم يرق لها أن ينتصر حزب الله في حرب تموز 2006 على " إسرائيل " ، وهي التي وبحسب تقارير ومقالات صحفية أفادت أن قيادة المملكة قد مارست ضغوطاً على الإدارة الأمريكية بهدف إرغام " إسرائيل " على الاستمرار في حربها على لبنان وحزب الله .
الرتابة التي اعتمدت في تنظيم الخلاف بين الطرفين كسرته الأحداث التي شهدتها ولا زالت سورية ، من خلفية دخول حزب الله وانحيازه إلى جانب الدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد . وهذا ما ازعج وأغضب القيادة في المملكة السعودية وحلفائها ، وارتفع سقف التحريض ضد الحزب واتهامه التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومنها البحرين التي تقدم وزير خارجيتها الصفوف مبكراً في اتهامه للحزب بالإرهاب . لتتسارع وتائر حدة الخلافات وتطفو بشكل علني منذ بدء التدخل العسكري السعودي وحلفائه في اليمن ، ووقوف حزب الله ضد هذا التدخل واتهامه السعودية مباشرة أنها ترتكب الجرائم والمجازر بحق الشعب اليمني الشقيق والمظلوم ، وتدمير هذا البلد العربي . الأمر الذي لم تستسيغه القيادة السعودية ، والتي هي في الأساس على خلاف عميق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتهمة أنها تعمل على توسيع نفوذها على حساب السعودية المتسلحة بحرب طابعها إثارة نعرات مذهبية سنية – شيعية . والمراقب لتطور الخلافات كان يُدرك أن الأمور سوف تصل إلى ما وصلت إليه ، وهو أن تذهب دول مجلس التعاون بقيادة السعودية إلى وصف حزب الله أنه منظمة إرهابية ، بعد أن قطعت تلك الدول علاقاتها الدبلوماسية مع إيران .
اعتمدت السعودية في قرارها المدان بحق حزب الله ، معاقبة لبنان مدخلاً لذلك ، من خلفية أن لبنان أصبح محكوم لقواعد اللعبة السياسية التي ينتهجها حزب الله ضد المملكة السعودية ، واتهام وزير خارجيتها جبران باسيل أنه منحاز ويعمل ضد المملكة في المحافل الدولية . وترجمت الغضبة السعودية في سحبها هِبة الأربعة مليارات دولار التي أعلنت عنها سابقاً - ( 3 مليار للجيش اللبناني و1 مليار للقوى الأمنية ) . وهذه الخطوة لم تشكل سابقة ، بل هي سياسة انتهجتها المملكة السعودية منذ منتصف ستينيات القرن الماضي ، عندما أقدمت على إجراء عملية لسحوبات مالية كبيرة من مصرف لبنان المركزي ، بسبب ما أسمته المملكة آنذاك التأييد والحماس الكبيرين للوحدة بين مصر وسورية من جهة ، ومن جهة ثانية الخلاف المصري – السعودي على الموضوع الحرب اليمنية . والمفارقة أن السعودية في المرة الأولى وقفت ضد العروبة وأشكال الوحدة العربية ، وفي المرة الراهنة تقف في مواجهة حزب الله المقاوم بامتياز ووصفته بالإرهاب ، متناسية المملكة السعودية عن عمد أو من دونه ، أن العروبة التي تتغنى بها اليوم ، هي تؤام المقاومة التي هي فلسطين قبل كل شيء . ومن يقف ضد المقاومة مؤكد أنه ليس عروبي وضد القضية الفلسطينية . وهذا ما لا نتمناه لأحد سواء كان فرداً أم حزباً أو دولة أومملكة وإمارة ، ولكن وإن ارتضى البعض المهيمن بقوة جبروت ماله ونفطه ، أن يكون في هذا الخيار والموقع فهذا شأنه ودوره ووظيفته التي تخدم أهداف أعداء الأمة التي يتباكون عليها اليوم وهم يمنعون توحدها ورفاهها وحريتها وتنميتها ، بل وانخرطوا وتحت مسمى " الربيع العربي " في مشروع تفكيكها وتقسيمها لصالح كيان صهيوني يطرب اليوم للمواقف التي اعتبرها قادته أنها الأقرب لمواقفهم من أي وقت مضى . متناسين هؤلاء وقد أعماهم الحقد أن الكيان الذي يتبادلون الزيارات معه اليوم ، هو من ضرب عرض الحائط بمبادرتهم التي أسموها " المبادرة العربية للسلام " واعتبرها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به ، وأن الكيان هو من يغتصب الأرض والعرض والمقدسات على أرض فلسطين ، وأبنائها اليوم يُعّدمُون على أيدي جنود الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين في وضح النهار بلا حسيب أو رقيب .
رامز مصطفى