اضراب وحقائق

بقلم: أسامه الفرا

دخل اضراب المعلمين في الضفة الغربية اسبوعه الرابع دون أن تتمكن المبادرات المتعددة التي أطلقتها الحكومة والكتل البرلمانية من إيجاد صيغة حل تلبي مطالب المعلمين وتدفع بالمسيرة التعليمية للإنتظام من جديد، اضراب المعلمين الذي طال أمده دفع وزارة التربية والتعليم العالي للتفكير الجاد في تمديد العام الدراسي لتعويض الطلبة على ما فاتهم خلال الأيام التي شلت فيها العملية التعليمية بشكل كامل، الاضراب يمس كل اسرة فلسطينية فهو من جانب يتعلق بمطالبات حقوقية لما يربو على 37 الف معلم ومعلمه، ومن جانب آخر يلقي بظلاله على التحصيل العلمي لطلاب تجاوزوا 1.2 مليون طالب وطالبة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اضراب المعلمين في الضفة الغربية وضع جملة من الحقائق لا يجوز القفز عنها دون تمحيص ودراسة متأنية من قبل الجميع، ليس فقط من جانبها المهني والنقابي ولكن ايضاً بما تحمله من دلالات تتجاوز بعدها النقابي وتتطلب التوقف حيالها دون تسطيح الأمور من خلال توزيع الاتهامات وتحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، جملة الحقائق تتلخص بالتالي:
أولاً: أن الأمانة العامة للاتحاد العام للمعلمين لم تعد تمتلك زمام الحل والعقد، سيما وأنها توصلت إلى اتفاق مع وزراة التربية والتعليم لإنهاء الاضراب يتضمن تطبيق بعض مطالب المعلمين على دفعات وهو ما رفضه المعلمون وأكدوا على مواصلة اضرابهم حتى تنفيذ كافة مطالبهم، وهو ما دفع الأمانة العامة للمعلمين لوضع استقالتهم أمام اللجنة المركزية لحركة فتح كي لا يشار إليهم وكأنهم العائق أمام حقوق العاملين، وباتت اللجان التنسيقية التي أفرزها المعلمون هي المتحكم في صيرورة الاضراب، وبالتالي لا يمكن لنا عزل ذلك على المطالبات المستمرة بضرورة إصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
ثانياً: أن المعلمين في قطاع غزة لم ينضموا إلى الإضراب واستمرت المسيرة التعليمية في قطاع غزة دون تشويش يذكر، حيث أن هنالك قطاع كبير من المعلمين في قطاع غزة تم تعيينهم من قبل حماس بعد الانقسام، وهؤلاء لا ناقة لهم ولا جمل فيما يمكن أن يسفر عنه الإضراب في تحقيق مطالب المعلمين، فيما البقية من المعلمين الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة الفلسطينية ينتظرون ما يسفر عنه الاضراب، دون الخوض في تجربة الإضراب أو الاستنكاف عن العمل بعد تجربتهم المريرة السابقة، وبالتالي من الواضح أن اضراب المعلمين في الضفة الغربية كشف عن وجه عملي للانقسام الذي يعاني منه الوطن.
ثالثاً: أن المعلمين في الضفة الغربية استطاعوا أن يحشدوا قواهم في الاعتصام أمام مجلس الوزراء بطريقة عجزت عن القيام بمثيلها الفصائل الفلسطينية في المناسبات الوطنية المختلفة، وبالتالي من غير المقبول أن تواصل الفصائل الفلسطينية إدعائها بأنها المحرك لقطاعات الشعب المختلفة، كما هو الحال في الهبة الجماهيرية التي تسير دون فضل لفصيل فلسطيني عليها، وهو ما يحتاج إلى مراجعة نقدية دون تجميل الحقائق.
رابعاً: إن عدم وفاء الحكومة بتنفيذ إتفاق عام 2013 دفع قطاع المعلمين لخوض اضرابهم، وهو بالتأكيد سيفتح باب المطالبات الحقوقية لقطاعات أخرى من الموظفين العاملين بالسلطة الفلسطينية، ولم يعد بإمكان الحكومة الاعتماد على نظرية شح الموارد لديها بما فيها تراجع بعض الدول المانحة عن الايفاء بتعهداتها، سيما وأن الحكومة لم تترجم عملياً سياسة التقشف التي يتطلبها ذلك.
إن مواصلة اضراب المعلمين يؤرق المجتمع الفلسطيني نظراً لإنعكاسه الواسع عليه، وليس من الحكمة في شيء المضي به إلى أبعد من ذلك، وهذا يحتم على الحكومة ضرورة التوصل إلى صيغة توافقية تلبي القدر المستطاع من مطالب المعلمين دون الإبطاء الذي من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً.

د. أسامه الفرا