ما بين مستنكفي حماس ومستنكفي السلطة :

بقلم: سهيله عمر

لأول وهله كان موظفو السلطة هم الضحية للعبه الانقسام و الصراع على المناصب, بعد سيطرة حماس بالقوة على القطاع من خلال اجهزتها الامنيه عام 2007، مما وضع السلطة في مأزق كبير، فقد خسرت سيطرتها على قطاع غزه وبات عليها ان تتكفل بدفع رواتب الموظفين في قطاع غزه وبدون ان يكونوا تحت ادارتها. ومن ثم رات الحل الاسلم لهذه المعضلة ان تطالب الموظفين بالأضراب وعدم التوجه للعمل عدا الوزارات ذات الخدمات الأساسية والإنسانية كالصحة والتعليم والشئون المدنية وسلطة الطاقة وبعض المؤسسات الاخرى، على اعتقاد منها ان هذه الخطوة ستجبر حماس على التراجع عن سيطرتها من اجل المصلحة العامة. استجاب غالبيه الموظفين للقرار السياسي خاصه انهم رفضوا الانقلاب، ولكن حماس لم تكترث وعاندت واستمرت في سيطرتها وقامت بتعيين بدائل لهؤلاء الموظفين، واطلقت على الموظفين الذين التزموا بقرار السلطة اسم مستنكفون. ومن هنا سأسميهم مستنكفو حماس. الموظفون القدامى اصبحوا بين يوم وليله الضحية الابرز للانقسام حيث ارتبكت حياتهم الوظيفية وقد كانت مستقرة وحرموا من ممارسة العمل والترقيات والادراج بالهيكليات والدورات والمنح بينما لم يكن لهم أي دور في الصراع القائم على السلطة بين فتح وحماس. وحتى اليوم تتعامل معهم حماس كمواطنين درجه دنيا، حيث يوجد قرار سياسي لدى حماس بمنعهم من التدريس باي جامعه حكومية على نظام الساعة او الاستعانة بهم للعمل باي مؤسسه حكومية او اهليه تابعه لهم، و هناك قرارات بمنعهم من العمل كسائقين، وايضا يوجد قرار سياسي بعدم عودتهم للعمل، حيث تضع حماس شروط تعجيزيه بان يتم اعتماد كافة موظفيهم ويعود منهم من وجد لهم حاجه ومكان بالهيكلية وبعد اعادة تأهيلهم . كما تم حرمان موظفي السلطة في قطاع غزه من علاوة المواصلات والعلاوة الإدارية والترقيات والادراج بالهيكليات نظرا لوضعهم الاستثنائي انهم ليسوا على رأس عملهم. كما تفاجأ موظفو قطاع غزه بقرار اتفق عليه بين سلطتي الطاقة في رام الله وغزه المبدعين باستقطاع كامل فاتورة الكهرباء من قسيمة رواتبهم (حصرا من دون موظفي الضفة ) في قرار عشوائي غير مدروس وبدون اليات لحل المشاكل المتعلقة به في حال وجود اكثر من موظف في نفس الاشتراك ، وكان الواضح ان الهدف من القرار اجبار الموظفين عمل سداد الي او شراء عداد مسبق الدفع وتركيبه على حسابه وفي الحالتين الشركة ستكسب.

وحتى اليوم تقف قضية الموظفين القدامى في السلطة الفلسطينية بقطاع غزه حجر عثره في المصالحة حيث تناور حماس بكافه الطرق لا جبار السلطة باعتماد كافة موظفيها المدنيين والعسكريين مع بقاءها في الحكم من خلال وكلاء وزاراتها وموظفيها واجهزتها الأمنية ثم دمج من وجد له حاجه ومكان بالهيكلية من الموظفين القدامى وبعد اعادة تأهيلهم . ومن هنا نرى ان الموظفين القدامى في غزه كانوا الضحية الابرز للانقسام فقد اجبروا على عدم التوجه للعمل نتيجة انقلاب حماس الذي لا ذنب لهم فيه. ولو كانت حماس حريصه على مصلحة الشعب الفلسطيني العامه لما قبلت معاداة اكثر من حوالي 50 الف موظف ومنعهم من العوده للعمل، لتجعل منهم ورقه تقايض بها على مصالحها الحزبيه وقد كانوا ضحيه لاحداث 2007 .


واليوم يظهر الى السطح في الضفة مستنكفون من طابع اخر وهم المدرسون المصرون على الاضراب في وجه السلطة التي تتولى دفع رواتبهم بانتظام. وساسميهم مستنكفو السلطة. وافقت الحكومة على صرف 40 % علاوة طبيعة العمل للمدرسين، وحصلوا على الغاء أدنى مربوط الدرجة وفتح الدرجات بالفئه الثانية الى D1 , D2 والغاء الرسوب الوظيفي، وهو انجاز في الطريق السليم لتحقيق انجازات اضافيه بالمستقبل. الا اننا تفاجأنا بإصرار المضربين على استمرار الاضراب بشكل مفتوح حتى تحقق 18 مطلب، تتطلب اصلا تعديل قانون الخدمة المدنية لكافة موظفي السلطة. والخص شروطهم: ((علاوة غلاء معيشه عن ثلاث سنوات خلت 7.5 % ، تامين تعليم جامعي لا بناء المعلمين، انتخاب جسم للمعلمين حيث قانون الاتحاد قانون عقيم، الغاء ادنى مربوط الدرجة، علاوة طبيعة عمل لا تقل عن 70%، علاوة المولود 60 شيكل وعلاوة الزوجة 100 شيكل، فتح الدرجات امام المعلمين اسوة بالوزارات الاخرى، انطباق كافة العلاوات على الاداريين والمشرفين كما هي للمعلمين، تفعيل الاجازات العرضية، رفع الراتب الاساسي الى 3000 شيكل، انتخابات جديده امام الجميع، عدم ربط الترقية في العمل بالشهادة الجامعية وعدم حرمان الدبلوم من الترقية، اعفاء المعلمين الذين قدموا امتحان من تقديم امتحانات التوظيف، معاملة السكرتارية كالمعلم في الامور المالية، اعتبار مهنه التعليم مهنه وما يلحقها من تبعات، وتعيين محامي لحفظ حقوق المعلم))

ولأول وهله يدرك أي شخص ان بعض هذه الشروط تعجيزيه وهي تتطلب تعديل قانون الخدمة المدنية وشروط العقد وتغيير سلم الرواتب لكافة الموظفين على مختلف الدرجات، كما من الواضح ان هناك تخبط في مطالبهم خاصه انه لا يوجد جسم يمثلهم يحاور الحكومة. وانا ارى كما يرى العديد من الكتاب انه اضراب مسيس تقف وراءه جهات سياسيه تهدف لزعزعة السلطة. وفي ظل انسداد الافق شرعت الحكومة باتخاذ قرارات لترتيب الاوضاع وانقاذ المسيرة التعليمية والزام المدرسين بوقف اضرابهم واعتبار من يضرب منهم بالمستنكفين. كما سمعنا ان الحكومه تحاول الاستعاضة بالمدرسين المضربين بمتطوعين او بدلاء. لكن المفارقة هنا حسب متابعتي ان المدرسين يتوجهون لا عمالهم، الا ان المضربين منهم لا يقومون بالتدريس، فكيف ستعلم الحكومة من هو المضرب والغير مضرب وكلاهما يمضي حضور وانصراف ؟؟ لا يعتبر الامر هنا كاستنكاف ولكن يأتي تحت التقاعس عن العمل وله لوائح طويله للعقاب تنص عليها قانون الخدمة المدنية ابتداء من لفت نظر وتتدرج للاقتطاع من الراتب وتنزيل الدرجة والحرمان من الترقية والايقاف عن العمل ويكون الفصل اخر مرحله من العقاب بعد سلسلة تحقيقات، الا اذا اعتبر وضع الاضراب وضع استثناءي له قوانين خاصه. كما ان وزارة التربيه والتعليم حتما ستأخذ بتقارير المدراء التي ممكن ان لا تتمتع بنزاهة وشفافية فتتعرض بظلم بحق مدرس يمارس عمله بشكل طبيعي. لذا يتحتم اتباع اليات دقيقه في تنفيذ أي قرار اداري او مالي بان ترسل الوزارة مفتشين يوميا يزورون المدرسة بشكل مفاجئ ويتابعون سير العمل بها حتى لا يتعرض موظف لأذى، على ان يتم تغيير المفتش من يوم لاخر.

حسب متابعتي في الاعلام ارى ان هناك بعض المدرسين مازالوا مصرين على الاضراب ويدعون ان قانون العمل يعطيهم الحق بالأضراب فلا تستطيع الحكومة اعتبارهم مستنكفين. لكن من وجهة نظري ان ما بين الموظف وصاحب العمل عقد عمل، والموظف مضى على عقد مع جهه العمل براتب معين يعرفه ولا يحق له المطالبة بالترقية او زياده العلاوات من خلال الاضراب بل بالتوافق حسب امكانيات جهة العمل وقوانينها. وعليهم التساؤل من سيتولى دفع رواتب المدرسين المضربين لو اصرت الحكومة على اتخاذ قرارات ضدهم واعتبارهم مستنكفين.

ومن ثم نرى ان هناك فارق جوهري بين مستنكفي حماس ومستنكفي السلطة. الموظفون القدامى اجبروا على عدم التوجه للعمل من جهة العمل التي تتولى دفع رواتبهم بسبب انقلاب حماس عام 2007 بقرار سياسي، بينما المدرسون المضربون في الضفة قرروا الاضراب بمحض ارادتهم للمطالبة بحقوق بعضها تعجيزيه بدون وجود جسم يمثل المدرسين وارجح وقوف جهات سياسيه خلفها بهدف خلق الفوضى وتعطيل المسيره التعليميه، وحتما لن يجدوا من يتولى دفع رواتبهم لو اصرت الحكومة على اعتبارهم مستنكفين بسبب اضرابهم المفتوح.

ارجو من المدرسين تحكيم العقل حتى لا يتم الاضرار بالمسيرة التعليمية فيخسرون وظائفهم. ليطالبوا بما هو حق لهم ولعامه الموظفين، وهو مراجعه سلم الرواتب والمساواة في علاوة طبيعة العمل والحقوق الوظيفية بين الموظفين كافه ومحاربه الفساد الاداري ونظم التسلق والواسطة والحزبية في التعيينات والترقية، واعادة انتخاب النقابات لكن بدون تعطيل المسيرة التعليمية في فلسطين. الاصلاحات لن تتم بين يوم وليله بل تتطلب الضغط على الحكومة لعملها بطرق سلميه لا يتضرر بها المجتمع.

ختاما، يبدو ان الاستنكاف اصبح صرعة عصريه استحدثت فقط في السلطة الفلسطينية وان كانت اجبرت عليه وكان خارج ارادتها، مره بسبب الانقسام والصراع على السلطة مع حماس في قطاع غزه عام 2007 واليوم بسبب اضرابات المدرسين لعدم عدالة علاوة طبيعة بين موظفي السلطة، وقد يلزم وضع بنود له في قانون العمل الفلسطيني،.

سهيله عمر
[email protected]