بدت تصريحات اللواء جبريل الرجوب بتاريخ 23/2 وكأنها خارجة عن السياق العام الذي غلب عليه الحديث عن المصالحة، حين لوح الرجل باتخاذ قرارات حاسمة، تنهي اختطاف قطاع غزة، وهذا ما بدا عليه بيان المجلس الثوري لحركة فتح بتاريخ 4/3، والذي طالب بتفعيل خيارات أخرى لاستعادة غزة وإنهاء معاناة شعبنا الرهين والمخطوف لسياسات فئوية.
فما هي الخيارات الأخرى التي تهدد بها السلطة؟ وكيف طفت على سطح الأحداث فجأة، رغم مواصلة الحديث عن عقد لقاءات قادمة في الدوحة بين حركتي فتح وحماس؟
وهل كانت حوارات الدوحة كميناً سياسياً لحركة حماس، ولاسيما أنها استثنت الفصائل، وما طرح على حركة حماس كان أقل مما تم التوقيع عليه في القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ؟
وهل جاءت حوارات الدوحة لترفع العتب عن قيادة السلطة، لتبدأ الحديث عن تفعيل خيرات أخرى، لا تستبعد الخيار العسكري المدعوم من أطراف عربية؟
لقد أجاب وزير الداخلية المصري على مجمل الأسئلة السابقة، حين وجه اتهاماً رسمياً لحركة حماس، ووصفها بالإرهاب، وحملها وزر دم النائب العام المصري.
الأمر جد خطير، والاتهام الرسمي المصري لحركة حماس يكشف عما يجري ترتيبه لقطاع غزة في المرحلة القادمة، والذي لا يخرج عن السياق السياسي العام الذي يغلف المنطقة العربية، والتي تعيش حالة من التداخل بين الوطني والقومي، وبين الإقليمي والدولي، وهذا يحتم على حركة حماس بأن تأخذ حذرها من التطورات الميدانية القادمة، فالاتهام المصري لحركة حماس لن يقف عن حدود الكلام، بل سيتعدى ذلك إلى الفعل على الأرض؛ من خلال دعم الشرعية الفلسطينية التي يمثلها السيد محمود عباس، والذي هدد من قبل باللجوء إلى القوة لاستعاد غزة، وهو الذي رتب لهذه اللحظة، وحرض عليها، ليبدأ التحرك على الأرض تحت يافطة استعادة قطاع غزة المختطف من حركة حماس.
اجتهاد الرأي السابق تدعمه التصريحات الجاهزة التي أطلقها بعض المسئولين في حركة فتح لمجرد صدور بيان وزارة الداخلية المصري، وهذا ما كشف عنه عضو مجلس النواب المصري سمير غطاس، والذي كان يعرف في صفوف الفلسطينيين باسم محمد حمزة، والذي اعتبر حركة حماس ارهابية بحكم القانون، ولا بد لمصر أن ترد بكل ردع وقوة ضدها.
لقد ترافق حديث سمير غطاس مع التقرير الذي نشره موقع "واللا" العبري، والذي اتهم حركة حماس بأنها تستقبل الجرحى من تنظيم بيت المقدس المتشدد الذي ينشط في سيناء ضد عناصر الأمن المصريين، وتقدم لهم العلاج الطبي في مستشفيات القطاع.
إزاء هذه الاتهامات المباشرة لحركة حماس، والتي جرى ترتيبها جيداً، وتم إخراجها في الوقت المناسب، فإن نفي قادة حماس لأي علاقة بمنفذي عملية قتل النائب العام المصري لا تجدي نفعاً، ولن تجد لها آذاناً صاغية، ولاسيما أن قادة الأجهزة الأمنية في مصر يعرفون جيداً أن حماس لا تتدخل في الشأن المصري، وهم متأكدون أن لا مصلحة لحماس في حرف البندقية عن العدو الإسرائيلي، ولكنهم يعرفون أن اتهام حركة حماس له عمق سياسي، وله ما بعده من إجراءات ميدانية، وهذا ما يفرض على حركة حماس أن تعمل على عدة مستويات.
المستوى الأول: التواصل مع الدول العربية التي دأبت على مناصرة القضية الفلسطينية والمقاومة، مع ضرورة إيصال رسائل عاجلة تؤكد على براءة حركة حماس من دم النائب العام المصري، واستعدادها للتعاون مع لجنة تحقيق عربية محايدة في هذا الشأن.
المستوى الثاني: الدول الإقليمية المساندة لنصال الشعب الفلسطيني، وإشراكها في المسئولية والهم العربي، مع التأكيد على أن وسم حركة حماس بالإرهاب لا يخدم إلا إسرائيل.
المستوى الثالث: على إسرائيل أن تتسلم رسالة واضح من حركة حماس تفيد بأن أي محاولات تفجير للوضع الداخلي في قطاع غزة، وأي حشود عسكرية خارجية سترتد مقاومة وعمليات استشهادية وسط التجمعات الصهيونية.
المستوى الرابع: داخل الساحة الفلسطينية، على حركة حماس ان تتوقف عن اتهام السلطة بأنها تستغل الفرص، وأنها تستقوي بالخارج، فهذا أمر لا يفيد كثيراً، ولا يردع السلطة التي تتفاخر بالتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، والتي عقد قادة أجهزتها الأمنية خلال الشهر الماضي أربعة لقاءات أمنية مع المبعوث الأمريكي للسلام "فرانك ليفنشتاين"، وثلاث لقاءات أمنية مع المخابرات الإسرائيلية، ومن المؤكد أن تلك اللقاءات قد تطرقت لخطوات عمل مستقبلية ضد قطاع غزة، لذلك فالمطلوب هو تنسيق المواقف مع تنظيمات المقاومة، والعمل على:
1ـ حسم قضية لقاءات المصالحة في الدوحة نهائياً، وعدم ترك الأمر معلقاً، مع أهمية تحديد موقف عملي مما يجري على الأرض من تنسيق أمني مشين.
2ـ العمل مع التنظيمات الفلسطينية المقاومة على حسم القرار السياسي سريعاً، فلا قدرة للخارج على التدخل دون غطاء من الشرعية الفلسطينية، وهذا ما يفرض على حركة حماس أن تكون جزءاً من الشرعية الرسمية، أو أن تكون جزءاً من تكتل وطني يعتمد الشرعية الشعبية.
3ـ على حركة حماس أن تتواصل مع الشخصيات الوطنية داخل حركة فتح، بما في ذلك الأسير مروان البرغوثي، ووضعهم في صورة التطورات والنتائج.
ملاحظة: قد يقول البعض: إن ما عجز عن تحقيقه الجيش الإسرائيلي بالقوة ستعجز عن تحقيقه بقية جيوش المنطقة، وهذا كلام لا يناسب المرحلة، ولاسيما أن الوسائل التي سيلجأ إليها أعداء المقاومة ستختلف كلياً عن الوسائل الإسرائيلية، ولأن خطاب إعادة الشرعية سيختلف عن الخطاب الإسرائيلي ضد المقاومة، ولأن ردة فعل الشارع الفلسطيني والعربي في حالة التدخل لاستعادة غزة المخطوفة ستكون مختلفة عن ردة فعل الشارع في حالة العدوان الإسرائيلي.
د. فايز أبو شمالة