عن المعلمين الفلسطينيين ومطارديهم

بقلم: راسم المدهون

هل بات عمل الشرطة الفلسطينية أن تصطاد المعلمين كي لا يشاركوا في إضراب زملائهم؟ يبدو السؤال نافلاً وفي غير محله في ظرف آخر، أعني في ظرف طبيعي لا كذلك الذي "أقدم" خلاله المعلمون الفلسطينيون على الإضراب فأثاروا غضب السلطة الفلسطينية وحفيظة قادة الشرطة. وأن تقف الشرطة ضد إضراب المعلمين، بل حتى أن تحاول إنهاءه، فهذا متوقع ولا نستغربه في ظل التعديات التي لا تحصى، أما المثير و "المضحك المبكي" في المشهد، فهو أن تستنفر قيادة السلطة عناصر شرطتها لملاحقة المعلمين ومنعهم من دخول رام الله كي لا يصلوا الى مكان الإضراب. فتلك واقعة بقدر ما هي مؤلمة فإنها تثير السخرية، وشر البلية ما يضحك.

في التاريخ الفلسطيني الحديث، المعلمون هم رسل الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 الى عدد كبير من البلدان العربية التي ساهموا بعرقهم وكدهم في تحقيق نهضتها العلمية وحققوا بذلك أيضاً الخير لأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق اللجوء العربية. هؤلاء أحفاد ابراهيم طوقان وعبدالرحيم محمود ومعين بسيسو وعبدالله حوراني، والقادة الكبار صلاح خلف وخليل الوزير وغسان كنفاني الذين كانوا أيضاً معلمين مارسوا مهنة التعليم وتربية الأجيال الفلسطينية والعربية على السواء، ولا يجوز لأحد اهانتهم والتطاول عليهم والتعامل معهم بهذا الشكل الفظ وكأنهم مجموعات من المجرمين يتوجب مطاردتهم ومنعهم من دخول المدينة، حتى لو جاؤوا بقصد الإضراب الذي هو من حقهم بالتأكيد.

في واقعة مطاردة المعلمين الشائنة لا أنصح أحداً من قادة السلطة بتبرير ما وقع، أو البحث عن أسباب وملابسات لتخفيفه. فما وقع كان شائناً ومعيباً، وأزيد فأقول إنه غير مسبوق في كل العهود التي عاشها المعلمون الفلسطيـــنـــيـــون وواجهوا خلالها مداهمات لاعتصاماتهم، لكنها لم تصل إلى حد منعهم من دخول المدينة أية مدينة خوفاً من مشاركتهم المحتملة في الإضراب. السلطة الفلسطينية وأعني هنا بالتحديد قيادتها العليا مطالبة بالاعتذار لا التبرير: لو كنت في موقع من يقرر لفعلت ذلك من دون إبطاء أو تردد، وأعتقد أن على الرئيس أبو مازن أن يفعل ذلك من دون أن يستمع لنصائح مستشاريه الذين أعرف أنهم سيبذلون جهوداً مضنية لتخفيف حقيقة ما وقع وكيل الاتهامات يميناً وشمالاً، بل توصيف الحالة برمتها بأوصاف أخرى غريبة ولا صلة لها بالواقع.

لو كنت في موقع الرئيس أبو مازن لفعلت ذلك، وأعتقد أنه لن يفعل، لأنه لم يفعل من قبل ولأنه كغيره من قادة السلطة أسير حلقة ضيقة من القادة والمستشارين الذين لا يرون أبعد من القاعة التي يجلسون فيها ويديرون منها سياساتهم ويتخذون قراراتهم. ليس على المعلمين حرج ولا تأثيم في أن يمارسوا حقوقهم كاملة، ولكن على السلطة أن تعتذر وعليها بعد الاعتذار (وبالتأكيد كان عليها قبله) أن تجرب مرَة أن تكون مع شعبها في آلامه وعذاباته ومصاعب عيشه، شعبها الذي أنهكته المواجهات التي لم تتوقف مع سلطة الاحتلال وجيشها وقطعان مستوطنيها والتي لا ينكر أحد مكانة المعلمين ودورهم البارز فيها، وهم الذين يتقدمون الصفوف الأولى جنباً الى جنب مع أبنائهم من طلابهم.

ليس الأمر حادثة عارضة تذهب بانقضاء وقوعها وتعود المياه الى مجاريها كما يقال، بل هي واقعة مفصلية تكشف الدرك الأسفل الذي وصلته الحالة الفلسطينية عموماً والتي باتت في حاجة لا الى وقفة بل وقفات تتناول مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية، وقبل ذلك وبعده الحالة السياسية التي هي الأصل والأساس.

راسم المدهون

* كاتب فلسطيني