ليس ثمة رفيق أفضل من الكتاب في رحلة طيران طويلة يختلط فيها الليل بالنهار، رحت اتفحص عناوين الكتب التي جاءت بلغات متعددة في مكتبة صغيرة في مطار القاهرة، توقفت عند رواية "في قلبي انثى عبرية" لكاتبة لم يسبق لإسمها أن حملته كتب أخرى "د. خولة حمدي"، دوماً ما يفرض اسم المؤلف قوة الجذب لإقتناء الكتاب، لكن هذه المرة عنوان الرواية يفرض سطوته، لا أنكر أنني ترددت كثيراً قبل شراء الرواية خوفاً من أن تكون ضيفاً ثقيل الظل تفاقم من ارهاق السفر الطويل والمتعب سيما وأن المؤلفة مجهولة في عالم الأدب.
ما أن بدأت الطائرة بمغادرة الأرض رحت أبحث في تفاصيل الرواية عن اسمها، ما الذي تنشده المؤلفة من وراء هذا الأسم الذي يثير الفضول؟، الرواية تعتمد على قصة حقيقية تجري أحداثها بين تونس ولبنان، أو بشكل أدق بين جزيرة "جربة" في تونس التي تقطنها جالية يهودية كبيرة نسبياً، وقرية قانا في الجنوب اللبناني التي تحولت منذ المجزرة التي نفذتها دولة الاحتلال فيها عام 1996 إلى رمز للمقاومة اللبنانية، تدور أحداث الرواية حول الطفلة ريم المسلمة التي نشأت في بيت يهودي في تونس واستمرت على دينها حتى وفاتها في لبنان من جراء قصف اسرائيلي طال السوق، واثرت كثيراً في بطلة الرواية الحقيقية "ندى" اليهودية المعتقد بعد أن تخلى والدها المسلم عن مسؤولياته فعاشت في كنف والدتها اليهودية في بلدة قانا اللبنانية.
بقدر ما حملت الرواية من تداخل للأديان من خلال شخصيات الرواية، وحالة التزمت والتطرف تارة وحالة الإنفتاح على الأديان تارة أخرى، إلا أنها نجحت في الفصل بين الدين وما يحمله من قيم نبيلة وبين دولة الاحتلال التي تمارس القتل والتدمير وترتكب المجازر بحق المدنيين، حيث لم تتردد بطلة الرواية "ندى" في تقديم العلاج لجريح من رجال المقاومة لجأ إلى بيتها بعد أن اصيب خلال تنفيذ عملية فدائية ضد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان مستعينة بجارها رجل الدين المسيحي، وتزداد أحداث الرواية تعقيداً في التداخل بين الأديان حين وقعت ندى في حب أحد رجال المقاومة "أحمد"، الذي لم تمنعه عقيدتها من خطبتها، ورغم اختفاء آثار أحمد لاحقاً على أثر حرب "عناقيد الغضب" إلا أن ندى ظلت وفية لخطيبها، وهو ما دفعها لاحقاً لإعتناق الاسلام بل ونشطت في الجانب الدعوي.
لعل الرواية التي تستمد الكاتبة حكايتها من قصة حقيقية جرت أحداثها بين جربة التونسية وقانا اللبنانية، جسدت بشكل واقعي حياة اليهود في الدول العربية، والتي تدحض من خلالها الرواية الاسرائيلية التي دوماً ما تتحدث عن اضطهاد اليهود في البلدان العربية، وهي في الوقت ذاته استطاعت أن تعزل اليهودية كديانة عن الصهيونية التي قامت على العنصرية والكراهية والبغضاء.
الواضح أن عنوان الرواية لم يكن اختيار الكاتبة التونسية الشابة بقدر ما جاء بالتوافق مع الناشر لجذب القاريء إليه، لكن على اي حال لعل الكاتبة أرادت أن تخلق بروايتها مساحة بين اليهودية والصهيونية، والتي عادة ما نخطيء كثيراً في الدمج بينهما، سيما وأن التطرف الديني داخل المجتمع الاسرائيلي يدفعنا نحو ذلك، لعلنا بحاجة لأن نفضح هذا التطرف لما يمثله من ارهاب مكتمل العناصر تقوم بممارسته دولة، كم نخطيء حين نسمح للعالم بإلصاق تهمة الارهاب بالاسلام ونحاول أن نخفف من وطأة ذلك بصفة التطرف الاسلامي دون أن نضع الارهاب الديني داخل المجتمع الاسرائيلي في ذات الخانة.
د. أسامه الفرا