منذ أحداث عام 2007 ونحن نسمع عن مصالحة تارة برعاية عربية، وتارة برعاية فلسطينية، وتارة برعاية دولية ولم يبقى لنا إلا أن نسمع عن مصالحة برعاية اسرائيلية!!.
القضية الفلسطينية، تكاد أن توصف الحالة التي وصلت إليها بأنها حالة من الانهيار والانحدار غير المسبوق، في ظل التفكك الداخلي الفلسطيني، وغياب الرؤية الجامعة تجاه القضية الفلسطينية، فضلاً عن غياب كامل لملامحها عربياً وإسلامياً على الأقل في الوقت المنظور؛ وذلك لانشغال العرب والمسلمين لمصالحهم في سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ولبنان، وأمام هذه المعطيات يبدو أن القضية الفلسطينية قد دخلت بشكل فعلي إلى دار المسنين والعجزة، بانتظار الموت القادم لها من الغرب!.
داخلياً، نحن فعلياً أمام كعكة اسمها الضفة الغربية، لا يحكمها محمود عباس كما يظن البعض ولا حتى حركة فتح، من يحكم هذه الجغرافيا هو الاحتلال الإسرائيلي عبر أيادي الأجهزة الأمنية القابضة على زمام الحياة هناك.
يمكن القول بأن انتفاضة القدس الحالية والتي اندلعت في الأول من أكتوبر، تشكل خطراً كبيراً على قوام هذه الأجهزة الأمنية ومستقبلها، وخطراً آخراً على الاحتلال الإسرائيلي الذي بات غير قادر على وقف تدحرج هذه الانتفاضة، ولربما أن هذه التطورات تضعنا أمام إحدى حالتين في حالة استمرارية الانتفاضة.
الأولى تقويض السلطة ونفوذها وإنهاء حكمها بالضفة الغربية، وسيطرة الاحتلال عليها، وهذا السيناريو صعب في الوقت الراهن؛ وذلك لأنه قد يخلق فوضى عارمة ستؤثر على الاحتلال، ومن شأنها أن تزيد من الانتفاضة اشتعالا وهيجاناً، مما قد يضر بمصالح الاحتلال واختلاط الأوراق في وجهه، وهو ما لا تريده الأوساط السياسية الإسرائيلية.
أما السيناريو الآخر، وهو البحث عن بديل عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، البديل هنا ليس بالشرط أن يكون بديلاً شخصياً كشخصية عباس، بل قد نرى نموذجاً آخر من الحكم مبني على (تفكيك الآخر)، من خلال فصل رئاسة السلطة عن رئاسة المنظمة، برئيس سلطة غير موجود أو مسجون، وأجهزة أمنية متنفذة تكون قابضة على زناد التنسيق الامني مع الاحتلال.
وهذا دون شك، سيزيد من بطش هذه الأجهزة المهددة من الاحتلال برواتبها وبقائها ورغد حياتها مما قد يزيد من فرص تقويض الانتفاضة، وعدم تفكير الاحتلال بمخرجات الحالة الفلسطينية لما بعد عباس، أما رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية قد نشهد اعتلاءها شخصية ضعيفة من المنظمة في ظل التخاذل العربي والاسلامي وانشغالهم عن القضية الفلسطينية.
في مقابل ذلك، قد نشهد تكتلات جديدة من الممكن أن تظهر على الساحة الفلسطينية لاسيما من بعض القيادات الذين كانوا يمثلون ركنا أساسياً في حركة فتح؛ كمحمد دحلان، ونجاة أبو بكره، وسفيان أبو زايده، وأشرف جمعه، وياسر عبد ربه، وسلام فياض، وتوفيق الطيراوي، وعباس زكي، وآخرون. هذه التكتلات قد تعتبر نفسها هي البديل عن حركة فتح، ولربما تعمل على انعاش مسار التسوية من جديد، وتفعيل اتفاق أوسلو، وهذه الفئة ماضيها مشهود لها في دورها بمحارية المقاومة والبحث عن المساومة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وجب الاعتراف أننا أمام وضع غير طبيعي لتنظيمات لا تزال تبحث عن نصيبها في كعكة القضية الفلسطينية، في الوقت الذي يسعى الاحتلال بكل جهده ابقاء حالة الانقسام مشتعلة بين حماس وفتح، لأن خيار المصالحة تعني تهديد ودون أدنى شك تهديد أمن الاحتلال في الضفة الغربية. وإن لم يتحرك مسار المصالحة، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية ستدخل موجة جديدة من التصفية.
وأمام اختلال واختلاف الأولويات العربية والدولية على حد سواء، علينا أن ندرك أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للأمة، بل ووصلت لمستويات متقدمة من الانحدار المتدني من الاهتمام العربي والإقليمي والدولي، الأخطر هنا أن وصل الأمر لتشديد الخناق أكثر على قطاع غزة من خلال جمهورية مصر العربية التي تغلق معبر رفح باستمرار دون اكتراث لمواثيق دولية أو قوانين أو حتى أعراف تراعي حق الجيرة.
ليس هذا وحده؛ فمصر دمرت أنفاق غزة الحدودية التي كانت تعد النافذة الانسانية لإدخال المساعدات والمواد الغذائية، والأدوية، لغزة التي فرض عليها الحصار، بموجب قرار الرباعية الدولية عقب فوزها بالانتخابات التشريعية في 2006، بل وتعدى الأمر بأن ليصل بمصر باعدام الشاب حسان، واختطاف 4 طلاب قبل نحو 6 أشهر، فضلاً عن الاتهامات الخرافية التي تكيدها مصر لغزة، والذي كان آخرها اتهام وزير الداخلية المصري لحماس بالمشاركة باغتيال النائب العام المصري هشام بركات في يونيو 2015.
على أي حال، طريق المصالحة هو الخيار الأفضل لوقف حالة التفكك والضياع الناجمة عن الانقسام، وذلك للتفرغ لمواجهة الاحتلال، وهذا يتطلب من الفلسطينيين أن يعيدوا تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وفق المقومات الوطنية التي تقرب وجهات النظر بين المقاومة والمفاوضات استناداً للمصلحة العليا الفلسطينية، وهذا يكون بتغليب المصلحة، وبالابتعاد عن الحزبية المقيتة.
وعلى الفلسطينيين أن يفهموا، ويدركوا، ويتيقنوا، أن الضعف لا يولد إلا المزيد من الاذلال واللامبالاة الدولية، وبغير ذلك فإن الشعب سيشعر بالضياع أكثر ويصبح جل تفكيره بهجرة قضيته وتفضيل حكم الاحتلال عن الفصائل، ويصبح الوطن فلسطين "ضيعه ضايعه بين حانا ومانا" !!
بقلم :عماد أبو الروس