حق للمعلمين والمعلمات أن يفتخروا بأنفسهم، وأن يفرحوا بما حققوا، وأن يرفعوا رؤوسهم عالية في عنان السماء، فقد انتصروا بالمفهوم الدقيق للنصر، وانهزم كل من ظن نفسه قادراً على خذلان المعلمين، والالتفاف على مطالبهم العادلة.
لم يأت الانتصار للمعلمين والمعلمات على طبق من الدعة والأماني، ولم يأت على بساط التفاهم التقليدي المألوف في نزاعات العمل المعمل فيها في الدول الديمقراطية، ولاسيما أن التدخلات من خارج الإطار كانت كثيرة، ومن كل المستويات السياسية والقيادية، والوعود بالنظر بعين العطف إلى مطالب المعلمين كانت أكثر، ومن ثم كانت المؤامرة من داخل الإطار أخطر، والتي هدفت إلى تفجير التكاثف الذي مثله المعلمون والمعلمات من داخل الإطار، بعد أن عجزوا عن تحطيم إرادة الصمود والتحدي من الخارج.
لقد انتصر المعلمون والمعلمات بعد أن أعطوا القضية الفلسطينية أهم درس في حياتها، إنه درس البقاء والوجود الذي يتحقق بالإرادة لا بالوعود، فالانتصار يأتي واثقاً لمن وثق من عدالة قضيته، ووثق من قدراته، وأحسن اختيار قيادته القادرة على تمثيل مطالبه، وإدارة الصراع بعزم ويقين، متسلحة بسعة الأفق، والصبر على الشدائد، واثقة بحتمية الانتصار بعد أن قامت قيادة المعلمين بتنقية صفوفها من المنافقين والمندسين والمحبطين والمرتجفين والعاجزين غير الواثقين من النتائج الطيبة التي تنتظر الصابرين.
لقد أعطى المعلمون والمعلمات الدرس في الصمود والتكاثف مع إعلان السيد محمود عباس بنفسه عن تحقيق مطالبهم، ولاسيما أنه قد دعاهم شخصياً إلى العودة للعمل قبل أسبوعين دون أن يعطيهم شيئاً، فجاء إعلانه عن استئناف الدراسة تأكيداً على أنه يقف وراء إطالة زمن الإضراب، وإنه الشخص الوحيد الذي كان قادراً إنهاء الأزمة بكلمة واحدة، فلماذا تأخر الحل كل ذلك الوقت؟ ومن صاحب المصلحة في تأخير عودة الطلاب إلى مدارسهم؟
ثبات المعلمين والمعلمات على مطالبهم، وانتصارهم، يقدم للقضية الفلسطينية أهم درس سياسي في تاريخ المفاوضات، انتصار المعلمين والمعلمات له ما بعده من هزات ارتدادية على المستوى السياسي، بعد أن تأكد للجميع أن الحقوق لا تنتزع إلا بالقوة، وأن القيادة الشابة قد بدأت المشوار، وأن المرتجف في قراراته لن يقود شعبه إلى بر السلامة والانتصار.
د. فايز أبو شمالة