في نهاية يناير الماضي قال وزير الخارجية الفرنسي "السابق" لوران فابيوس أن بلاده ستعترف بدولة فلسطينية إذا أخفقت جهود ستقوم بها فرنسا خلال الأسابيع المقبلة لمحاولة إنهاء حالة الجمود في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأضاف فابيوس " لا يمكن أن نسمح بانهيار حل الدولتين. هذه مسؤوليتنا كعضو في مجلس الأمن وكقوة ساعية للسلام".
في مقابل الموقف الفرنسي رحبت الحكومة الفلسطينية آنذاك بالموقف والمبادرة الفرنسية وخاصة بما يتعلق بـ نية اعتراف باريس بالدولة الفلسطينية حال فشل مجهودات فرنسا لعقد مؤتمر دولي لإنهاء الاحتلال وتحقيق السلام قريبا، وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية الجهود الدعوة الفرنسية وخاصة فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد سبق ذلك ما أعلنته الإدارة الأمريكية أن "المفاوضات المباشرة" بين الإسرائيليين والفلسطينيين" هو السبيل الوحيد لانطلاق العملية السلمية من جديد والتباحث حول الملفات العالقة، وقد وصفت "إسرائيل" والولايات المتحدة المساعي الفرنسية "بالخطأ".
وقبل عدة أيام حدث التناقض في المواقف الفرنسية التي أطلقت أفكارها في يناير الماضي بالدعوة لمؤتمر دولي، تم تقليصه الى حشد مواقف، ومن جهة أخرى تم نسف ما أعلنته سابقا بما صرح به وزير الخارجية الفرنسي "الجديد" جان مارك ايرولت أن بلاده لن تعترف "تلقائيا" بالدولة الفلسطينية في حال فشل مبادرتها من أجل إعادة إطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، و بذلك فإن مارك قد استجاب للرفض الإسرائيلي والأمريكي، وسجل خيبة سياسية فلسطينية وعربية من المواقف الفرنسية في المنطقة العربية عامة وفي القضية الفلسطينية خاصة.
ما يحدث يعيدنا إلى قراءة السياسة الخارجية الفرنسية والتطورات السريعة التي ظهرت عليها، فهي تقف الآن موقف الملاصق أو تصطف الى جانب " إسرائيل" في الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، وتحولت فرنسا من الموقف المحايد في الصراع العربي الإسرائيلي إلى الموقف المؤيد للسياسة الإسرائيلية، ودخلت في لعبة المحاور الإقليمية، وبل وظفت الكثير من سياستها الخارجية من أجل دعم الانقسامات العربية خدمة لمصالحها التي تتقارب مع المواقف والمصالح الأمريكية .
إن تخلي فرنسا عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، وإعلانها المسبق عن فشل جهودها، لا يمكن قراءته بأنه "تفشيل" إسرائيلي أمريكي لها، بل هو فقدان فرنسا لعامل التوازن في سياستها، حتى أن هذه السياسة أصبحت "محل" مخاوف من الدول الأوربية وخاصة بريطانيا.
ان السنوات المقبلة وفي ظل الارتياب من السياسة الخارجية الفرنسية، سوف تسجل تراجع كبير في ثقة العرب بالمواقف والدور الفرنسي، وبخلاف التخوفات من تبعية السياسة الفرنسية للمواقف الأمريكية، والتحالف مع ما يصب في مصالح البيت الأبيض وحساباته المختلفة، فإن مواقف فرنسا حول "حقوق الإنسان" لن تجد القبول أيضا، لأنها ستفقد دور المحايد السياسي، وبالتالي سوف تكون المحصلة السلبية في مصالحها الاستيراتيجية في المنطقة العربية، والمداخل التي تحاول إقناع الزعماء والقوى العربية من خلالها بدورها الدولي.
إن التراجع والفشل في الموقف الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية وارتهانها لمواقف الاحتلال التي ترفض أي حلول دولية، سوف يزيد القناعة والإرادة الفلسطينية بأن المرجعية الدولية والمعاهدات والقرارات الأممية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية هي الثابت في المنظومة الدولية، وأن المتحرك والمنحرف هو السياسات الخارجية لبعض الدول التي تنافق المحتل على حساب الحق الإنساني والعدالة الدولية .
ملاحظة : لغة المصالح هي اللغة السائدة في عالم اليوم، بالرغم من وجود عدة أقطاب سياسية في السياسة الدولية، وتحالفات مختلفة.
بقلم د.مازن صافي