هناك قاعده يعرفها الاداريون والاكاديميون سواء، ان الوضع الاداري الخاطئ ينتهي الى خطأ وصراع مع جهة العمل وقد يتطور الامر الى ان يترك الموظف العمل اما برغبته او بقرار تعسفي من جهة العمل. على سبيل المثال لو ان جامعه قامت بتعيين حامل دكتوراه كمحاضر عادي، ممكن ان يقبل ذلك لحاجته للعمل، لكن عندما تمر السنوات ويرى ان من المحال ترقيته الى استاذ مساعد نظرا لعدم نزاهة نظام الترقية في الجامعة، هنا سيفقد الموظف الثقة في جهة العمل ويبدأ بالمطالبة في حقه بالترقية وينتهي الامر بصراع ممكن ينتهي ان لا تجدد الجامعة عقد المدرس لان معظم عقود الجامعات الأهلية مؤقته تجدد كل سنتين. ومن هنا على الموظف العاقل ان يتحمل الوضع الوظيفي الذي تضعه فيه جهة العمل والا سيخسر وظيفته. وان اراد تحسين وضعه فعليه اللجوء للبحث عن وظيفه اخرى بينما هو بالعمل.
ما اجج اضرابات المدرسين ان وضع المدرسين كان خاطئا من البداية من ناحية عدم عدالة علاوة طبيعة العمل مقارنه بالنسبة للتخصصات الاخرى. علاوة طبيعة العمل للمدرس 40 % ، وهي قليله مقارنه بعلاوة طبيعة العمل للطبيب العادي 150 % وللطبيب المتخصص 200 % وللمهندس 90 % والاستاذ المساعد 150 % والمستشار القانوني 150 %. اضف ان الطبيب المتخصص الحاصل على دكتوراه يحصل على علاوة اضافيه للدكتوراه 800 شيكل. بالإضافة ان الطبيب يحصل على علاوة مخاطرة 35 %. أي يوجد فرق شاسع في الراتب، فراتب المدرس حوالي 2500 شيكل بينما راتب الطبيب المتخصص يزيد عن 12000 شيكل.
المشكلة الرئيسية في اضرابات المدرسين انهم لم يكن لديهم نقابه تمثلهم تحاور الحكومة، لذا اخذت مطالبهم في التخبط وكان سقف مطالبهم عالي حيث طالبوا بان يتم رفع علاوة طبيعة العمل الى اكثر من 70 % وشروط اخرى تعجيزيه تتطلب اصلا تعديل قانون الخدمة المدنية وشروط العقد وتغيير سلم الرواتب لكافة الموظفين على مختلف الدرجات. اعداد المدرسين تفوق عن 40000 موظف ومن هنا لم يكن من الممكن للحكومة ان تستطيع رفع علاوة طبيعة العمل لهم جميعا الى 70 %.
كان هناك اصرار وتحريض غريب باستمرار الاضراب حتى تتحقق جميع المطالب مما شكل خطر كبير على المسيرة التعليمية وبدات الحكومة تفقد الامل وتفكر في اخذ اجراءات ضد المضربين والاستعاضة عنهم بمتطوعين وهذا سيدخلنا في دوامه اخرى، حيث التطوع نظام اداري خاطئ وليس من الانصاف الاستغناء عن مدرس خدم سنوات طويله لمطالبته برفع اجره. انا بدوري اكره كثيرا الاضراب لا نني كنت ارى اثاره الكارثية على الطالب. لكن الاضراب الذي كنت اراه خلال عملي بجامعه بالخارج هو اضراب طلاب بهدف تخفيف عبأ الدراسة وليس مدرسين. كان جميع الطلاب يتلقون منح دراسية من قبل الحكومة تشمل تكلفة الدراسة والسكن بالجامعة وايضا مبلغ نقدي سنوي لشراء الكتب والاكل والشرب. اذا تأخرت الحكومة بدفع المبلغ المخصص للأكل والشرب ، كانوا يقيمون الدنيا ويقعدونها ويوقفون الدراسة ويعتدون بالضرب على أي طالب يذهب للفصل فتضطر الجامعة اغلاق ابوابها فتتعطل الدراسة لمده قد تصل الى شهرحتى يتم اعطاءهم المنحة النقدية المخصصة للأكل من قبل الحكومة. ثم يعود المدرسون للتدريس وعليهم ان يغطوا اكبر كم من المادة في مده قياسيه لتعويض ما فات على الطلاب فترة الاضراب حيث لا يمكن تغيير موعد نهاية الفصل باي حال من الاحوال، أي في النهاية ينتهي الامر بضرر كبير في مستوى الطلاب من الصعب تعويضه بينما المنحة النقدية كانت ستصلهم في جميع الاحوال في نفس الوقت فلم يكن داعي للاضراب.
لم ارى قط في أي دوله بالخارج اضرابات لمدرسين مهما بلغ الظلم الواقع عليهم سواء بقله الراتب او زياده الحمل او عدم الترقية لان المدرس يجب ان يكون قدوه للطالب ويعلمه ان العلم اهم من المال. كان يجب ان يتنبه المدرسون للنتائج الكارثية لإضرابهم وان لا يطالبوا بأكثر من المعقول حسب امكانيات الحكومة. جاءت مبادرة الرئيس برفع علاوة طبيعه العمل الى 50 % ابتداء من العام القادم 2017 والبدا في انتخابات الاتحاد لتحديد مطالبهم نهاية طبيعية للأضراب، وكان يجب ان يكون ذلك سقف مطالبهم في ظل الوضع الحالي لانه لن يكون متاحا رفع علاوة طبيعة العمل بأكثر من 10 % ل 40000 موظف. ولو قاموا بالمطالبة من البدايه بذلك لما وصلنا لتعطيل الدراسه والاضطراب في العلاقات بين المدرسين بسبب الخلاف حول الاضراب.
حتى لا تضطرب الامور مجددا، ارى ان الحل النهائي يكمن في تطبيق العداله واصلاح الوضع الوظيفي للموظفين كافه. يجب ان يحيد الطلاب من الازمه وعلي المدرسين مواصله المطالبة بمراجعه سلم الرواتب والمساواة في علاوة طبيعة العمل والحقوق الوظيفية بين الموظفين كافه ومحاربه الفساد الاداري ونظم التسلق والواسطة والحزبية في التعيينات والترقية مع اعادة انتخاب النقابات بدون تعطيل المسيرة التعليمية في فلسطين. الاصلاحات لن تتم بين يوم وليله بل تتطلب الضغط على الحكومة لعملها بطرق سلميه لا يتضرر بها المجتمع خاصه ان الموظف مضى عقد مع جهه العمل على راتب معين يعرفه ولا يحق له المطالبة بالترقية او زياده العلاوات من خلال الاضراب بل بالتوافق.
ختاما اهنأ المدرسة حنان الحروب بلقب افضل مدرسه في العالم وهو لقب عظيم الشأن. لكن لي تساؤل بسيط، ماذا لو كان الترشيح من غزه ؟؟ حتما سنجد ان الحزبية والسن هما المعيار الابرز للترشيح، وسيتمتع باللقب احد افراد الحزب الحاكم بغزه على ان يكون عمر المرشح اقل من 30 عام كشأن اعلانات التوظيف في ديوان الموظفين والمسابقات في غزه. فالكفاءة والعبقرية تبقى دائما وابدا حصرا لشبان وشابات الحزب الحاكم عندنا اما المناصب العليا فهي حصرا لقادة الحزب الحاكم، وعدا ذلك يهمش مهما بلغت مؤهلاته. علما ان هذا مجرد راي استوحيته من وحي اعلانات التوظيف بغزه.
سهيله عمر
[email protected]