بتعين رجل حقبة مبارك أبا الغيظ أميناً عاماً لجامعة الدول "العربية" تكون إسرائيل قد حققت هدفين الأول،ما صدر عن وزراء خارجية الدول العربية بإعتبار حزب الله المقاوم ارهابياً،وعودة رجلها القوي في الحقبة المباركية الى رئاسة الجامعة،فهو شغل منصب آخر وزير خارجية في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، والجميع ممن لا تخونه الذاكرة يحفظ عن ظهر قلب المواقف المخزية له في أثناء عملية "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية على غزة 2008 -2009 ، والتي يشتم منها مشاعر الكراهية والحقد ل وعلى حركة حماس الفلسطينية، وهو أيضاً من تعهد بتكسير أرجل الفلسطينيين في حال تجاوزا حدود قطاعهم المحاصر إلى المدن والبلدات المصرية المجاورة، بحثاً عن احتياجاتهم المحرومين منها جراء الحصار.
كان وما زال من أشد الداعين لتوثيق وتطبيع العلاقات مع إسرائيل وضرب قوى المقاومة. ويجب علينا القول بأن الجامعة العربية تعرضت لعملية سطو على قراراتها من بعد ما يسمى ب" ثورات الربيع" العربي،حيث أصبحت مطية لقطر والسعودية،وكانت فترة نبيل اللاعربي من أسوء مراحل الجامعة العربية،مرحلة "الرويبضة"،حيث هو من سعى الى تدويل الأزمات العربية واستقدام القوات الأجنبية للتدخل واحتلال البلدان العربية،كما حصل في ليبيا،وأيضاً هو من شرع بطلب قطري – سعودي تجميد عضوية سوريا في تلك الجامعة،والتي أرى ان لسوريا شرف عظيم ان لا تكون في تلك المفسدة حتى لا تتحمل وزر مفاسدها.
الجامعة "العربية" استخدمت من قبل مشيخات النفط والكاز الخليجية كمنبر من اجل اصدار قرارات تتعارض مع الأمن القومي العربي والمصالح العليا للأمة العربية،حيث لم تعد سوى "بصامة" خليجية سعودية – قطرية،فعلى سبيل المثال لا الحصر وزراء الخارجية العرب والداخلية من قبلهم كان مطلوباً منهم سعودياً اتخاذ قرار باعتبار حزب الله المقاوم إرهابيا لأنه يعري ويفضح السياسة والمواقف السعودية المعادية للمقاومة ولكونها رأس الفتن المذهبية والطائفية في المنطقة،وهي من تعمل على تدمير البلدان العربية التي لا تتفق وسياساتها في المنطقة سوريا والعراق ولبنان واليمن نماذجاً،وكذلك لكون حزب الله شكل قلعة وليس حجر عثرة في وجه مشاريعها ومخططاتها في سوريا ولبنان على وجه التحديد،ولكون الحزب وقف ويقف الى جانب حركة انصار الله " الحوثيين" ضد الحرب السعودية الظالمة عليهم وعلى سيادة وكرامة اليمنيين،وكذلك توجيهه انتقادات حادة للسعودية ضد ما تمارسه من قهر واضطهاد وظلم وتكميم للأفواه بحق أبناء الشعب العربي السعودي تحديداً في المناطق الشرقية "الشيعية".
فترة اللا عربي هي فترة انحطاط غير مسبوقة لتلك الجامعة،لم تسهم في علاج أي من المشاكل العربية – العربية،بل كانت تصب النار على الزيت في تلك المشاكل،وتعمد الى تدويلها حيث غياب القرار العربي،بل تم توظيف الجامعة خدمة لمن سطوا على قراراتها،كتأيدها ووقوفها الى جانب السعودية في حربها على فقراء اليمن،والوقوف الى جانبها ضد ايران،فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني،والدعوة لقطع العلاقات مع ايران بعد الخلاف الذي تصاعد معها بشكل لافت بعد اعدام السعودية للشيخ العلامة نمر باقر النمر.
واليوم مع تولي رجل حقبة مبارك أبا الغيط امانة الجامعة العربية،والمعروف بمواقفه المعادية لكل من هو مدافع عن الأمن القومي العربي والكرامة والعزة والمصالح العربية،فهذا يكشف عن عمق التحولات التي طرأت على السياسات والأولويات العربية، بعد سنوات خمس من اندلاع ما بات يُعرف بـ " ثورات الربيع العربي" ... فاختيار الرجل لهذا الموقع لا يمكن أن يفهم خارج منطق "تصفية الحساب" مع ثورات الإصلاح والتغيير التي اجتاحت مصر والعالم العربي في الأعوام الأخيرة...والذين عجزوا بالأمس عن تثبيت حسني مبارك في موقعه، أو أعادته للسلطة مرة ثانية، ينجحون اليوم في إعادة أحد أبرز رموز نظامه، إلى رأس هرم العمل الجماعي العربي.ومن غير المستبعد بأن مجيئه،لكي يكمل مشوار اللا عربي في إخراج وتشريع وترسيم التطبيع ما بين الدول العربية وبالذات الخليجية منها وبين إسرائيل من مرحلة السرية الى العلن،وربما بفضل "بطولات" أبا الغيظ "الغائط" تصبح إسرائيل عضواً في جامعة الدول "العربية" او قد تتسلم معشوقة ومعبودة الزعامات العربية والفلسطينية وزيرة خارجية إسرائيل السابقة "تسيفي ليفني " امانتها العامة،ويصبح الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي "أفيخاي درعي " الناطق الرسمي باسمها،عندما تكون قد تحللت من كل اشكال ووشائج العروبة.
هذه الجامعة أضحت مجرد جثة هامدة،ليس مطلوب وجودها سوى من أجل ان توضع اختامها على كل القرارات التي تفرق العرب ولا توحدهم،تستقدم الجيوش الأجنبية لغزو بلدانهم واحتلالها وتدميرها،تجرم نهج وخيار وثقافة المقاومة،تشرع وترسم التطبيع ما بين دولة الإحتلال والدول العربية،وإقامة العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية معها،والأهم عقد الأحلاف الأمنية والعسكرية معها،حيث نرى بأن مشيخات النفط التي قادت الفتن المذهبية "سني- شيعي" ونقلتها الى المستوى الشعبي،لكي تخلق ثارات يصعب دملها وحالة من التفكك المجتمعي بين مكونات الدول العربية مذهبية وطائفية واثنية،وبما يصعب من تحقيق المصالحات واستعادة اللحمة والوحدة المجتمعية.
لم تعد تجدي كل عمليات الإصلاح في هياكل ومؤسسات الجامعة العربية،فهناك من لا يريد ان تكون جامعة قوية قرارتها لها "انياب" وترجمات على أرض الواقع،فكل القرارات التي تتخذ من قبل جامعة الدول العربية المتعلقة على سبيل المثال بدعم القضية الفلسطينية وتوفير شبكة امان مالية للسلطة الفلسطينية،او إدانة إجراءات وممارسات الاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات وغيرها،تبقى حبراً على ورق ،ومجرد شعارات وبيانات وقرارات رفع عتب،وكذلك هو حال ما يسمى بالمبادرة العربية للسلام من قمة اقرارها وتبنيها في بيروت 2002 وحتى اللحظة إسرائيل ترفضها،ويجري الهبوط بسقفها و"تكييفها" حتى تقبل بها إسرائيل دون جدوى،فلو كان خلفها قوة دفع حقيقية وحوامل تنظيمية وسياسية جادة ودول مالكة لقراراتها وإرادتها السياسية لما تجرأت لا إسرائيل ولا من ورائها أمريكا على رفضها.
الجامعة العربية لكي تكون جامعة حقيقية لكل العرب وبيت وحدوي لهم،يجب ان تعود لها عروبتها المختطفة اولاً،ويجب ان تخرج من تحت عباءة مشيخات الخليج النفطية،وان تجري عملية تغيير جذري في كل هياكلها ومؤسساتها وآليات اتخاذ قرارتها،ومتابعة تنفيذها على ارض الواقع،وكذلك يجب أن تخطو خطوات جدية وعملية نحو حماية الأمن القومي العربي، بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك.
واختم بما قاله الصحفي عريب الرينتاوي "ستدخل جلسة وزراء الخارجية العرب الأخيرة،تاريخ جامعة العرب، بوصفها نقطة انعطاف كبرى، إن لجهة تسوية الحساب مع "الربيع العربي" أو لجهة إعادة تقويم الأخطار والتهديدات والتحالفات في المنطقة".
بقلم/ راسم عبيدات