مولد الإعلام المصري

بقلم: سعيد المسحال

منذ العصر الفاطمي انتشرت في ربوع مصر ظاهرة الموالد، من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى موالد الكثير من الأولياء، وأصحاب الطرق الصوفية، وامتزجت عمليات البيع والشراء مع طقوس الجماعات الصوفية والأهازيج الشعبية حتى وصلت إلى اشتراك الغجر والنور والراقصون والراقصات واشتهرت رقصة التنورة وحلاوة المولد وفوضى المولد حتى أصبح منتشراً المثل الشعبي "مولد يا دنيا" دلالة على الضجيج والفوضى والطقوس العجيبة، وكذلك المثل القائل "مولد وصاحبه غايب".

وفي غفلة من الزمن انتشرت القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وال FM وغيرها، والجرائد والصحف والمجلات المنشورة في الشوارع والأسواق وعلى الصفحات الإلكترونية وانتشرت الهاشتاجات والتغاريد والزغاريد!!.

حتى أصبح المناخ الإعلامي في العالم العربي عامة وفي مصر خاصة كأنه مولد مستمر ليل نهار ودون توقف، دنيا من الاعلام العشوائي شديد الإضرار قليل أو منعدم الفوائد.

لقد غرقنا في هذه العشوائية الإعلامية وتعددت السُبل والمسالك والولاءات والتوجهات وأصبح "الإعلان" يسيطر على الإعلام كما تسيطر الولاءات الدولية والعقائدية والتجسسية وحتى الشخصية، إلى أن زاد عدد "فلاسفة" التوك شوز وفصحاء المقابلات والاجتهادات على عدد الطرق الصوفية وحلقات الذكر والدروشة، ورأينا ما قد يسمى "حرية الفكر" تتحول إلى "حرية الفُجرْ".

الخبرة الإعلامية والضمير الوطني ومصلحة الشعب والبلد كلها أصبحت في خبر كان! وأصبح الأهم هو دخل القناة من الإعلانات وغير الإعلانات، وكذلك دخل ذلك الشخص الذي يثير الضجيج ويفتح شهية الذين يعادون الدولة و يستغلون الوطن والسياسة والاقتصاد والدين والعباد دون وازع من ضمير أو شعور بالتعاطف مع البلد او لأهل البلد.

ينسى أو يتناسى هؤلاء الذين يدَّعون أنهم إعلاميون وطنيون أن في جوف مصر يوجد الشعب والدولة وكذلك شذاذ الإخوان وفلول عهد مبارك، وفلول 6 إبريل وحتى فلول عهد الملكية وعهد السادات وجواسيس إسرائيل وأمريكا وغيرهما.

 

مصر مُبتلاة، وكلما كانت الحكومة والرئيس بالذات مع الوطن ومع نهضة الشعب، يكون أعداؤه أكثر شراسة وأكثر خوفاً على أنفسهم من الفناء أو الفشل في تحقيق مآربهم الخبيثة.

ويمكننا أن نقسم الإعلاميين وفضائياتهم إلى الفئات التالية:

1. الإعلام المعادي في الخارج.

2. الإعلام المعادي في الداخل.

3. الإعلام الناقد في الصحف والفضائيات.

4. الإعلام الناصح في الصحف والفضائيات.

5. الإعلام المملوك للدولة في الإذاعات والصحف والمجلات والفضائيات والأرضيات والإقليميات.

6. الإعلام الموالي للرئيس والدولة.

وقبل أن ندخل في التعليق على هذه الفئات الإعلامية أود أن أؤكد شعوري الشخصي بأنها كلها مخترقة بالولاءات المختلفة التي تحدثنا عنها، من الشذاذ والفلول والعملاء والرأسمالية الغير وطنية، ولا ننسى عنصر الجهالة والغباء والدببة التي تقتل أصحابها وهي تظن أنها تحميهم وتدافع عنهم.

ولا داعي لشرح الإعلام المعادي سواءً في الداخل أو الخارج، فمما لا شك فيه أن أجهزة الدولة المعنية ترصد هؤلاء وتعرفهم جيداً، والمثير للعجب أنها لا تحرك ساكناً ضدهم ولا أحد يفهم أو يعرف الأسباب.

أما الإعلام الذي يراقب الرئيس ومشاريع الرئيس والوزراء ونشاطهم لينتقدهم بحجة الإصلاح وتعديل الدفة فهذا الإعلام مطلوب ومستحسن لو أنه يجيد هذه المهمة فيصنع لها خطط وأهداف لتواكب النهضة التي تسعى لها الدولة ولا تتمادى في النقد المحبط فكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده.

فهؤلاء الأساتذة المثقفين والإعلاميين يجب أن لا يكون عملهم مُنصَبٌ على "البهدلة" والتحبيط والنقد الهدام بدل النقد البناء، كان الواجب أن نأتي بالخبراء في مواضيع النقد لكي نحاورهم ونساعد الوزراء والرئيس بدل أن ننتف ريشهم ونظهرهم بمظهر الجهالة بينما نحن الخبراء الذين لا يُشق لهم غبار ولا أحد يفهم فهمهم أو يُخلص إخلاصهم.

يا أخ ابراهيم عيسى أنت لست وحيد عصرك، ولست خبير الخبراء في كل مناحي الحياة، فأنت تخلط بين الغث والسليم بأسلوب يضرُّ بالسليم ولا يؤثر على الغث.

أرجوك أن تلحق نفسك وتهون عليها وتركز أكثر وتستعين بالخبراء بدل أن تستعين بلمساتك فقط، وأذكرك بالمثل القائل "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك".

كيف حالك يا "مولانا" أود أن أقول لك وأرجوك أوْجِز... أبِنْ... أفصِح، لماذا أنت على "الحامي" وعلى "البارد" ضد السلطة التنفيذية في مصر جملة وتفصيلاً؟ ألا يوجد أي نوع من الإيجابيات؟... معقول؟ أم أنك تركب مركب المعارضة الصعب وتتمنى أن تُطرد، أم يتم القبض عليك فيثبت بذلك كما تعتقد صحة آرائك، أو أنك تريد أن تعلن أنك الوحيد الذي لديه الخبرة في كل شيء والفهم والإدراك لكل مستعصيات الأمور؟!.

أنت لست رجل إعلام ولكنك بروفيسور في كلية تدريس الرؤساء والوزراء والمدراء!.

وعدتنا عند انتقالك إلى "القاهرة والناس" بالإفراج عن إسلام البحيري، وأسلوبك هذا يحرض على الاستمرار في سجنه، أرجوك أن تتعلم أسلوباً جديداً أقل تحدياً وأكثر حكمة وموضوعية، مع تحياتي للأستاذ أسامة كمال وأقترح عليك أن تقتدي به، وأن توجه برنامجك قليلاً نحو القضايا الخارجية المحيطة بمصر.

وأقول للميس الحديدي وزوجها عمرو أديب ولوائل الأبراشي ولطواقمهم وقنواتهم وأصحاب قنواتهم وكذلك ليوسف الشريف وطاقمه وصاحب قناته، على سبيل المثال لا الحصر... أقول لهم أبينوا وأفصحوا أنتم مع من وضد من وأرجو من الله أن يغفر لكم خطاياكم و قلة إخلاصكم لشعبكم أولاً ولوطنكم ثانياً ولرئيسكم ثالثاً الذي قال لكم أريد أيديكم معي وليس علي!.

أما الإعلام الحكومي في مصر فأقول لهم "لا شيء" لأنكم كلكم في ماسبيرو أصبحتم لا شيء بل مجرد عبئ على الدولة، عبئ مالي وإعلامي وسياسي لأنكم وبكل صراحة مُسَيْطر عليكم من داخل ماسبيرو ومن خارجها، والذين يسيطرون عليكم ليسوا مع مصر ولا مع أهل مصر ولا مع رئيس مصر وحكومة مصر لأنهم مجرد فلول وعملاء وشذاذ عجزة فقط لا غير.

أما الذين يدافعون كما يبدو عن الرئيس والوزراء والحكومة سواءً أكانوا في الإعلام أو في البرلمان فهم يحتاجون لعقول تدرك وتعبر عما تدركه بذكاء وبحكمة ووضوح لا أن يكونوا الببغاوات الغلباوية "بنص لسان"!!!.

وأعرج على مجموعة الفضائيات الناطقة بلغة السياسة الصهيونية الاستعمارية بألسن عربية كالجزيرة ومثيلاتها، فهي من حيث تعرف و تريد، أو من حيث تريد ولا تعرف، أو تعرف ولا تريد عدوة للأمة العربية بامتياز، وحماسها للباطل دون الحق إنما هو نابع من ملكيتها وعمالتها ودناوة العاملين فيها لأن الأحرار لا يأكلون بقفاهم والحرات لا يأكلن بأثدائهن.

ودعونا نلتفت للوزارة المصرية فرداً فرداً وأسألهم أين تكمن قناعتكم؟ هل هي بأنفسكم أو بأدائكم أو برئيسكم أو بوطنكم أو بشعبكم أم أنكم ممن وضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً؟!.

مصر يا سادة تحتاج الأفضل وتستحق الأفضل وهي أولى بالعناية والتفاني إن كنتم صادقين، وإلا فلتذهبوا إلى حيث ألقت رحلها أم عامر، ونتمنى على الله أن يبدلكم بمن هم أحكم وأفهم وأوعى وأنشط وأخلص منكم وأكثر منكم همة وخبرة.

وأختم بتوجيه بعض الرسائل لبعض الشخصيات الإعلامية:

الرسالة الأولى أرسلها إلى صديقي العزيز خيري رمضان، تحياتي لك يا أخ خيري وأقف إلى جانبك في "الممكن" و"غير الممكن" وأتعاطف معك أنت ولكن ليس مع الكثير من ضيوفك اللذين يجيدون لوي المعاني والكلمات ولا يجيدون أي توجه عملي وعلمي وإصلاحي، وأخص بالذكر الحلقات التي شاركت فيها بعض الشيوخ وتلاميذهم، وكذلك المناظرة التي لا معنى لها ولا جدوى منها بين إسلام البحيري والشيخين (أسامة الأزهري، والحبيب علي الجفري)، ومن ثم أقترح عليك لو أنك تعود ببرنامج جديد بعنوان "النجاح ممكن" مركزاً على النهوض العلمي والاجتماعي والاقتصادي وبعيداً عن أمثال السبكي وعن الأمور الجدلية.

والرسالة الثانية أرسلها الى الأستاذ الإعلامي القدير وائل الأبراشي أنت بالفعل إعلامي قدير بدليل أنك واكبت كل المتغيرات منذ بداية هذا القرن وخاصة الفترة من 2010- 2016 مما يدلل على أنك تتقن السباحة في المياه العكرة أو الصافية على حدٍ سواء، وتتقن فن جلب الانتباه للأمور التي تثيرها، غير أن هذا كله في حاجة لأن تفصح عن مواقف سياسية بمبادئ واضحة، وبتوجهات إعلامية ثابتة وبناءة تخدم الوطن وتصب في المصالح الهامة للمواطن وليس لمجرد التهييج والتهريج وجلب الإعلانات لقناتك

الحالمة وربما لرفع راتبك أيضاً، ثم تُدَوِّر طاحونتك الإعلامية فنسمع القرقعة و لا نرى طحيناً.

وعلى سبيل المثال ما نفع تلك الحلقة مع سعد الدين إبراهيم وآخرين، وهل كنت عاجزاً أنت وضيوفك عن الرد على الذي شوه اسم ابن خلدون؟!

فعندما يريد من الدولة أن تصالح القتلة المصرون بشبابهم على المضي في هذا الطريق المسدود وبشيوخهم الذين يظهرون التردد ويبطنون ما يظهره شبابهم تماماً.

ثم وهو الأمريكي الذي سب الرئيس السيسي على هواء الجزيرة يأتي ليتحدث بمثل هذا الحديث الممجوج ويتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم متناسياً أن النبي قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وكلهم آمن ودخلوا في دين الله أفواجاً، فهل سيأتي بالإخوان وهم مؤمنين بالثورة وبالدولة المدنية وبالديمقراطية والدستور ويعلنون ولاءهم وتخليهم عن "الخلافة" وعن "الإسلام هو الحل"، ثم ماذا عن الدمار والدماء التي لا زالت تسيل.

والرسالة الأخيرة أرسلها للأخ النائب الوطني مصطفى بكري

يا أستاذي العزيز إن ساعة أسبوعياً على قناة "صوت البلد" لا تكفي لدرء الخطر الساحق الماحق الذي يهب على مصر من داخلها وخارجها، ثم أن "البرلمان" المصري وأرجوك أن تتنبه أنت والمخلصين أمثالك من الأعضاء إلى أن للبرلمان كما للرئيس حصة من المؤامرة (من داخله ومن خارجه) والجلوس في قاعة البرلمان في جو من الفوضى واللامسوؤلية التي شاهدها الجميع لن تجدي فتيلاً!

وربما جاءت قرارات البرلمان الأوروبي لتدق على رؤوسهم ناقوس الخطر وساعة التنبيه، ولا أعتقد أنك في حاجة لمن يثيرك أو ينبهك أنت بالذات، وليوفقكم الله لما فيه الصلاح والفلاح لكم ولوطنكم ولشعبكم وأمتكم.

ولمصر ولشعب مصر حبي وأعز تمنياتي.

سعيد المسحال

ابن عسقلان

12/3/2016