لعل الكثير من المعلمين يجلسون الآن مع ذاتهم يسألون أنفسهم، أي حال هذا الذي تعيشه الأمة، انهيار فكري وثقافي وأخلاقي، حيث تنهي الأمة ذاتها بعدم فهمها لواقعها، فمن المسؤول عما يجري ، أهي التربية والتعليم، أم التربية الدينية، أم مؤسسات الدولة على اختلاف مهامها، أم النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تعيشه الأمة، لكن الكل مسؤول عن كل هذا الانهيار، والمعلم يدرك تماما أنه يتحمل قسطا وافرا من المسؤولية، لأنه كان جزءا من عملية تربوية خاطئة فرضت عليه، حيث أن النهج التربوي لا يدع للطالب بناء شخصيته الذاتية فكرا وثقافة وأسلوبا، فالفكر محدد بإطار عام يسود الأمة كلها ويحصره في إطار الفكر التبعي، أي بمعنى أدق ممنوع على الطالب أن يفكر إلا في إطار ما هو ممكن ومتاح له وبعيدا عن ممارسة النقد البناء خشية أن يقع في محظور هو بغنى عنه، والسبب في ذلك أن الطالب والمعلم خاصة وضعا في قفص الببغاء فلا يرددان إلا ما يجب أن يسمعاه، لأن هناك من يفكر عن الأمة كلها ، فلا يشغلن أحد عقله بتفكير يأخذه إلى طريق مسدود ، وهذا ما أدى اغلاق باب الفكر كما أغلق باب الاجتهاد من قبل .
لقد انحصرت مهمة المعلم في تلقين العلم لا في خلقه، وهذا أدى إلى وجود أجيال انتهى دورها في بناء الأمة بانتهاء مرحلة التعلم فأصبحت تشكل عبئا على وجودها لأنها اعتادت نهج التلقي دون امتلاك القدرة على نهج الإبداع الذي تحتاجه الأمم في تطورها ، وتحولت بذلك الأمة من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك لكل حاجاته واحتياجاته، وأصبحت الأمة تستورد كل احتياجاتها الحيوية والاستراتيجية بما فيها استيراد الثقافة التي تفتت الأمة وتخربها، ووجدت الأمة نفسها أمام مأزقها في عدم قدرتها في فهم واقعها فرهنت نفسها للآخرين يفكرون عنها ويرسمون لها مستقبلها بما يخدم مصالحهم بأدوات الأمة ذاتها، وهذا قمة الأزمة الأخلاقية أن تصبح الأمة هي من تدمر ذاتها دون وعي منها وإدراك لحقيقة مصالحها كأمة وكأفراد .
في لحظة جلوس المعلم مع ذاته هل يملك الجرأة في ظل هذا الوضع السيء أن ينادي بأعلى صوته أن تلقي الأمة ما بيدها من أدوات تخريب ذاتها والعمل على ايجاد منهج في التربية والتعليم ينتج جيلا يملك أدوات العلم والإبداع في كل مجالات الحياة، فالتعليم ليس تلقين معلومات وحسب وإنما خلق علم يساهم في تطور الأمة ونهضتها.
2016/3/16. صلاح صبحية