ما بين ذكرى كمال جنبلاط وعملية الطيران الشراعي

بقلم: عباس الجمعة

نستذكر في هذه الايام العصيبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة العربية والقضية الفلسطينية المناضل التاريخي والمفكر الموضوعي الشهيد القائد الكبير كمال جنبلاط الذي شكل بحياته ونضاله ظاهرةً مشرقةً في تاريخنا المعاصر، فقد علّم اجيالا بكاملها كيف يكون الالتزام بالمبدأ قولا وفعلا وكيف يقاتل القائد في خندق جماهيره حتى آخر نقطة دمٍ في عروقه، وحسبه فخرًا ومجدًا ان جميع قوى التآمر والغدر التي اجتمعت عليه وعلى شعبه الأبي قد عجزت عن قهره في ساحات الصراع الحقيقي ولكنها لم تجد مفرا من اللجوء الى احط الوسائل والاساليب وهي الاغتيال السياسي والذي نفذته أيدٍ آثمة.

ومن هنا ونحن امام هذه الذكرى نقول ان اغتيال الشهيد كمال جنبلاط اتى في اوج الصراع العربي الصهيوني ، وفي ظل انتصارات كبيرة كانت تحققها الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية بمواجهة المشروع الامبريالي الصهيوني ، من هنا كان موقف جبهة التحرير الفلسطينية بأن اغتيال الشهيد كمال جنبلاط يجب ان يعزز ترابط القضية الفلسطينية بالقضية العربية، وضرورة التلاحم بين الثورة الفلسطينية وقوى حركة التحرر العربية ، وبالتالي ضرورة التلاحم بين الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتعبئة قوى الثورة في الساحة العربية هي مهمة مباشرة من مهمات الثورة الفلسطينية ، هذا البعد القومي للنضال الوطني الفلسطيني، ليس خياراً نظرياً قابل للخطأ أو الصواب، وإنما يفرضه طبيعة العدو الذي نواجهه، فالمشروع الصهيوني كما تعبّر عنه وثائق الحركة الصهيونية وما يصدر عن مؤسسيها وقادتها وما يجري تطبيقه على أرض الواقع يثبت أنه لا يقف عند حدود إغتصاب فلسطين وإنما يتجاوز ذلك للهيمنة على المنطقة العربية بالشراكة مع النظام الرأسمالي العالمي لنهب خيراتها، وإنتهاز أي فرصة لأحتلال أي مساحة عربية خارج حدود فلسطين ، من هنا ميزت جبهة التحرير الفلسطينية بعملياتها النوعية والاستشهادية على ارض فلسطين ، فقد كان دائما لعملياتها العسكرية الاثر المدوي التي هزت الكيان الصهيوني ، باشراف الرفيق الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد سعيد اليوسف ،و شكلت عمليات جبهة التحرير الفلسطينية من الجو بالمنطاد والطيران الشراعي ، ومن البحر بالزوارق ومن البر بعدة عمليات نوعية واستشهادية ، صفحات مضيئة في تاريخ النضال الفلسطيني .

وامام ذكرى الشهيد الكبير كمال جنبلاط ، نتوقف في ذكرى عملية الطيران الشراعي "عملية الشهيد القائد كمال جنبلاط"، في آذار 1980، حيث استشهد فيها غسان الكاخي في منطاده الهوائي ، وأسر فيها جمعة خلف اليوسف، وعبد الحليم محمد حافظ ، من خلال عمليتهم البطولية بالطيران الشراعي ،حيث كانت هذه العملية ناجحة حسب الخطة المرسومة لها، إذ هبطت طائرتين داخل معسكر للصهاينة بإصبع الجليل ودارت معركة ناجحة قُتل فيها العشرات من جنود الاحتلال واستمرت العملية حتى نفدت الذخيرة واستشهد أحد الطيارين ، وأسر رفيقه، والثانية هبطت في موقع قريب من قرية شفا عمرو الفلسطينية، كذلك أُسر الطيار بعد معركة عنيفة، وكان هؤلاء الابطال يحملون أرواحهم على أيديهم ويدركون تمام الإدراك أنها رحلة بلا عودة، يدركون أنه عندما تحط طائراتهم في نقطة الهدف فما من وسيلة ستجعلها تقلع مرة

أخرى، وقد حملت عملية الطائرات الشراعية اسم رمز الحركة الوطنيه اللبنانية الشهيد الكبير كمال جنبلاط ، وذلك وفاء للشهيد الكبير كمال جنبلاط الذي ادرك بوعيه القومي والانساني ،وشكل بمواقفه تاريخ مشرق لكل فلسطين بوقوفه ودعمه لقضية فلسطين ، الأرض والإنسان، ولفلسطين هوية الأحرار والمناضلين، كما ربطته علاقة التحالف مع امين عام الجبهة الشهيد القائد ابو العباس

ومن هنا شكلت جبهة التحرير الفلسطينية بدورها النضالي وأمجادها وبطولاتها وعظمتها، حيث انضم لصفوفها العديد من المناضلين العرب و شرفاء وأحرار وثوار العالم خلال مسيرتها الطويلة وتاريخها الساطع، وارثها النضالي والكفاحي العريق، ومؤسسوها وقادتها، الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد الرمز ابو العباس.

ومن هنا كان لعملية الطيران الشراعي والمنطاد الهوائي البعد الوطني والقومي ، بالرغم من تكالب المؤامرات على الثورة الفلسطينية من الامبرياليين الدوليين والصهاينة الغزاة وبالرغم من تكاثر وتجمع المؤامرات عليها بقوة وتركيز، استطاعت الجبهة باستمرار نضالها بكل الايمان والتحدي في جذورها واسسها ان تخترق طريقها وتشق دربها حاملة معها من الجراح و الآلام طريق النضال، حيث كانت تصنع المعجزة مع التكامل الرائع في مسار النضال، وشكلت مع جميع المناضلين طريق الكفاح وخاصة مع حلفائها ورفاق السلاح في حركات التحرير في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، لانهم جميعا كانت الجبهة تقف واياهم في خندق نضالي واحد تصنع تراثا حيا ومتجددا في مواجهة القوى الامبريالية والمؤامرات الصهيونية.

كثيرة هي معارك المجد والبطولة التي التي خاضتها الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية من خلال القوات المشتركة قبل غزو العدو الصهيوني للبنان صيف عام 1982 في مراحلها الماضية ، وهي اعوام من الكفاح في إتون المعارك النضالية ، فقد تميزت هذه الحقبة بالعديد من الملاحم خضناها سويا على اكثر من صعيد وفي اكثر من درب و من خلال تصاعد العمليات المشتركة بمواجهة العدو الصهيوني، حيث شكلت صورة فائقة من صور النضال، ولتعطي برهانا ثابتا للالتحام المتعاظم بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني ومع المناضلين العرب والاممين في مواجهة القوى المعادية ، من خلال هذا الدرع المتين واهميته في دعم الثورة ودفعها بقوة وثبات في دربها الطويل، وتتكامل هذه الصورة وتتلاحم مع صور الصمود والبطولة في الجنوب اللبناني، هذا الكبرياء العظيم شكل امتداد عميق لخط كمال جنبلاط .

وامام ذكرى القائد الكبير كمال جنبلاط نستحضر شهداء شعبنا الفلسطيني، وأمتنا العربية الذين عمّدوا بدمائهم الذكية طريق النضال وتصدوا لكل المخططات الصهيونية والاستعمارية الهادفة لتغييب القضية الفلسطينية، ولتقسيم الوطن العربي وإشغاله من خلال إثارة النعرات الطائفية والدينية، نستذكر الرئيس الرمز ياسر عرفات والقادة الشهداء العظام ابو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والحكيم وأبوعلي مصطفى وأحمد ياسين وفتحي الشقاقي وعمر القاسم ، وشهداء الانتفاضة جميعاً من شابات وشباب ونساء ورجال وأطفال.. كما ونستذكر شهداء المقاومة العربية الشهيد القادة مؤسس جبهة المقاومة جورج حاوي وعماد مغنية وسمير القنطار ومحمد سعد وسناء محيدلي .. ونستذكر قائمة طويلة من هؤلاء الشهداء الذين نستلهم من تضحياتهم ومسيرتهم دروساً في الوفاء والنضال، و نعبّر لهم اننا سنبقى الى جانب المقاومة

وبإنجازاتها ومقاومتها وشهدائها، لانها هي رأس حربة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وأذنابه وضد المخططات الغربية في المنطقة، ونعتبر ان قرار وصم حزب الله ومقاومته بالإرهاب لا قيمة له ويزيده شرفاً لدوره وموقعه.

واليوم الشعب الفلسطيني بانتفاضته الباسلة التي يقودها شابات وشباب فلسطين بكل ارادة وعزيمة حيث لم يسخو في العطاء بالدم فهو عطاء سخيا، ويتصدى للاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه التي يمتلك اضخم السلاح من حليفته الدائمة وحاميته المستمرة الولايات المتحدة الامريكية، ورغم ذلك يصنع ابطال الانتفاضة من اجسادهم طريق النضال لشعب الكبرياء والبطولات، شعب التضحيات والشهداء .

وفي ظل هذه الاوضاع نرى انه لا بد ان تتحد كل الجهود ولتتعانق مع انتفاضة فلسطين ولتتلاحم جميع الايدي لمواجهة المرحلة المقبلة، وما يترتب على هذا من مسؤوليات جسام كثيرة واعباء ثقيلة وخطيرة وكفاح مكثف ومركز للانتفاضة حتى تستمر إلى الافاق النضالية الجديدة بخطوات واثقة وايقاعات مؤمنة ثابتة وبعزيمة لا تكل وارادة لا تلين.

ختاما : لا بد من القول ان تاريخ معمد بالنضال والتضحية في شهر آذار، وان الوفاء لعملية الشهيد كمال جنبلاط وكل الشهداء تتطلب من الجميع الحذر مما يحاك لاجهاض الانتفاضة ، في ظل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية ، لأن الهدف هو تصفية القضية الفلسطينية ، فعلينا ان نعمل على ان نعتمد على حروف اللغة التي توحد الجميع بقوة خلف صمود وتضحيات شباب الانتفاضة ، لذلك نرفع الصوت عاليا من اجل تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني على طريق تحقيق أهداف شعبنا المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة.

بقلم/ عباس الجمعة