احتلت فلسطين المرتبة الثالثة عشر بين الدول العربية والمرتبة 108 من بين 157 دولة في العالم شملها تقرير "مؤشر السعادة" الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، لعقود عدة اقتصر مؤشر قياس تطور المجتمعات على إجمالي الناتج المحلي ومتوسط دخل الفرد، لم يكن مؤشر القياس ذلك دقيقاً في رصد تطور ورقي المجتمع، سيما وأن زيادة الناتج المحلي لدولة ما لا يعني تلقائياً ان مواطنيها تحسنت احوالهم المعيشية، لذا اضطرت الامم المتحدة مؤخراً لاعتماد مقياس جديد يلامس جوانب الحياة المختلفة داخل المجتمعات للوقوف على حقيقة التنمية فيها وانعكاسها على حياة الفرد، وهو ما بات يعرف بمؤشر السعادة.
الأمم المتحدة تصدر تقريرها السنوي المتعلق بمؤشر السعادة في اليوم العالمي للسعادة "20 مارس"، المفارقة أن مملكة بوتان الصغيرة الواقعة جنوب آسيا على حدود جبال الهيمالايا هي من طالبت الأمم المتحدة بإعتماد يوم عالمي للسعادة، وهي ذاتها التي تعتمد على مؤشر السعادة كمقياس للتنمية فيها، والغريب أن هذه المملكة التي عاشت حروباً عدة امتدت لأجيال متعاقبة دوماً ما كانت تخسر حروبها، وتضطر بعدها لتوقيع اتفاقيات سلام من موقع المنهزم، وهي الدولة التي تم تصنيفها بأنها أكثر الدول عزلة في العالم، حيث ظل استخدام التلفاز والانترنت محظوراً فيها حتى عام 1999 حين قررت حكومتها رفع الحظر عنهما، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تغيراً كبيراً انتقلت فيها من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية، وشقت طريقها نحو تعزيز الديمقراطية في نظام حكمها، وهي الدولة التي اكتشفت مؤخراً أن السعادة تقود إلى زيادة الناتج القومي وليس العكس كما كان يعتقد الكثير.
ليس بالضرورة أن نفتش في وجوه الناس عن الابتسامة كي تؤكد لنا سعادتهم، كما ان غيابها لا ينبيءعن تعاستهم، وفي الوقت ذاته لا يعطي منسوب التذمر دلالة قاطعة عن اختلال الميزان بينهما، ترتيب فلسطين طبقاً لمؤشر السعادة جاء متقدماً على العديد من الدول العربية، رغم ان فلسطين ما زالت تحت الاحتلال الذي يتحمل الكثير من مآسينا، ورغم أن انقسامنا ما زال يراوح مكانه يمطرنا يومياً بالمزيد من النكد والشحناء والبغضاء، والانقسام يتحمل القسط الأكبر من مساحة الاستياء والاحباط التي دبت في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، وهو من يقف خلف رغبة الكثير من الشباب في الهجرة بحثاً عن حياة فيها مساحة أوسع من السعادة.
المثير للإهتمام في تقرير الأمم المتحدة لهذا العام المتعلق بمؤشر السعادة أن فلسطين تقدمت على العديد من الدول العربية بما فيها مصر، رغم أن الشعب المصري يتمتع بلغة الفكاهة ولا يفوت فرصة ولو هامشية إلا ويستحضر فيها مفردات الترفيه عن الذات، وهو المجتمع العربي الأكثر تداولاً للنكتة، ويمتلك أفراده قدرة فائقة على رسم الابتسامة على محياهم وسط كومة من همومهم الحياتية، فيما المجتمع الفلسطيني يميل بفطرته التي اكتسبها عبر سنوات طويلة من الاحتلال ومنغصاته إلى التنقيب عن النكد، وسلوكه الحاد دوماً ما يدفعه إلى براثن الخلاف والاختلاف الذي لا يتوقف عند حدود الرأي الذي لا يفسد للود قضية، لعل غياب الابتسامة لفترات متباعدة أفقدت عضلات الوجه لدى الكثير منا قدرتها على التكيف معها، وهو ما أعطى حزب عاقد الحاجبين "حزب 111" قدرة تفوق قدرة الاحزاب السياسية في استقطاب الجيل الشاب إليه، لكن بالمؤكد أن عمق العلاقة المجتمعية رغم ما أصابها من ضرر بفعل الانقسام ما زالت تشكل أحد مقومات السعادة في المجتمع الفلسطيني، وإن أردنا أن نحسن من موقعنا طبقاً لسلم السعادة لا بد وأن يكون ذلك عبر انهاء الانقسام قبل أي شيء آخر.
مؤشر السعادة التي اعتمدت عليه الأمم المتحدة في القياس بني على عدة عوامل من بينها اجمالي الناتج المحلي ونوعية الخدمات الصحية والتعليمية والفساد في مؤسسات المجتمع وحرية الرأي، وطبقاً لذلك ليس غريباً أن تأتي دولة الامارات في المكانة الأولى عربياً، وليس غريباً أن تتفاعل الامارات مع مؤشر السعادة بتعيين وزير مختص لها، فيما سوريا تحتل ذيل القائمة ينافسها في ذلك العراق واليمن، الواضح أن الربيع العربي لم يجلب للعالم العربي سوى المزيد من أزهار الحنضل.
بقلم/ د. أسامه الفرا