في ظل الوضع المأساوي العربي، نجد أنفسنا كفلسطينيين نصارع الأمواج في بحر التيه الذي غرقنا فيه، فلا نجد من موجة تحملنا إلى الشاطىء، وذلك لأننا افتقدنا البوصلة التي تحدد شاطىء الأمان الذي نسعى جاهدين للوصول إليه.
فنحن لم نحسم أمرنا في توصيف المرحلة التي نعيشها، أهي مرحلة تحرر وطني، أم مرحلة بناء وطني، وهذا لا يحسمه إلا توصيف الواقع الذي نعيشه، فنحو خمسة ملايين لاجىء ونازح فلسطيني ما زالوا يعيشون بعيدا عن ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948 وعام 1967 نتيجة الغزو الصهيوني لفلسطين، ونحو خمسة ملايين ما زالوا يعيشون تحت الاحتلال منذ عامي 1948 و1967، حيث أن قطاع غزة الجزء الجنوبي من فلسطين ما زال في قبضة الاحتلال وإن تمركزت قواته خارج القطاع، وكذلك فإن أرض الضفة الغربية قد التهمها الاستيطان بوجود نحو (600000) مستوطن صهيوني يعيشون في المستوطنات التي تحيط بالقدس والعديد من المدن الفلسطينية، إضافة إلى وجود جدار الفصل العنصري الذي التهم المزيد من الأرض الفلسطينية ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على طبيعة الصراع بأنه صراع وجود وليس نزاع حدود.
ولأن صراعنا مع الغزو الصهيوني لبلادنا هو صراع وجود فإن المرحلة لا يمكن توصيفها إلا بأنها مرحلة تحرر وطني رغم وجود السلطة الوطنية الفلسطينية على الأرض، إلا إنها سلطة بلا سلطة، أو أنها سلطة دون سيادة، ولا يمكن بالتالي أن تطغى مرحلة البناء الوطني على مرحلة التحرر الوطني ، لأن البناء الوطني مرتبط بممارسة السيادة الفلسطينية على الأرض وهذا غير موجود، بل أن قوات الاحتلال تقوم دائما بتدمير ما تبنيه السلطة الفلسطينية فكان تخريب المطار والميناء وتدمير جزء من مبنى المقاطعة أثناء حصار القائد الرمز أبو عمار، أضف إلى اجتياحات قوات الاحتلال اليومية للمدن والقرى الفلسطينية حيث القتل والاعتقال وهدم البيوت ومصادرة الأراضي والتي كان آخرها مصادرة أكثر من نحو (2300) دونم لصالح الاستيطان.
وهذا يتطلب منا إعادة بناء استراتيجيتنا الفلسطينية على قاعدة أننا نخوض صراع وجود مع عدونا في إطار مرحلة التحرر الوطني والتي تفرض علينا بشكل حتمي الانتقال الفوري من مرحلة السلطة دون سلطة إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال وتحميل العدو الصهيوني كلفة احتلاله لأرضنا.
ولأننا نعيش مرحلة ترهل وانفلاش وفساد يجب علينا أن نعيد النظر في مقومات نضالنا الفلسطيني ، مع ملاحظة التوزع الجغرافي لشعبنا، حيث تتطلب كل منطقة جغرافية استراتيجية نضالية تختلف عن استراتيجيات المناطق الأخرى، فلكل منطقة خصوصيتها التي تفرض عليها اختيار أسلوب نضالها وأدواته، فلا يمكن أن يكون أسلوب النضال وأدواته في الضفة الغربية هي ذاتها في مخيمات اللاجئين في المحيط العربي، والتي تختلف عن أسلوب النضال في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، والتي لا يمكن أن تكون ذاتها في قطاع غزة المختلفة عن أسلوب النضال لدى الجاليات الفلسطينية في دول العالم.
ولكن الأهم في أي استراتيجية فلسطينية لأي منطقة كانت هي تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية كقاعدة صلبة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني، هذه القاعدة تتطلب انهاء حالة الانقسام والتشرذم الفلسطيني من خلال الدعوة السريعة لاجتماع الإطار القيادي المؤقت توطئة لانعقاد الدورة العادية للمجلس الوطني الفلسطيني ، هذا المجلس المنوط به وضع استراتيجية المرحلة المقبلة للنضال الفلسطيني بما يحقق أمال وأهداف شعبنا الفلسطيني على امتداد فلسطين كل فلسطين التي بلعها الغزاة الصهاينة منذ مائة عام.
2016/3/19. صلاح صبحية