أمسكت الليلة قلمي لأفض به بكارة بياض صفحتي، وأمتطي صهوة الكتابة عن الام الفلسطينية والعربية االتي دونت بدمائها ونضالها أمجاد المناضلات ، نساء ألارض رمز الصمود والكفاح، فلك سيدتي تحية إجلال واكبار يا صانعة الرجال، يا زوجة الأسير، يا راعية الأيتام والمسننين، يا أم الشهيد، يطل العيد خجلا ، ولكن انتي أجمل الامهات.
وفي ظل هذه الظروف تختنق الكلمات مع إطلالة عيد الأم، والأم الفلسطينية تستقبله بمرارة وحزن ودموع يترجم لحظات الألم التي تعيشها في الوقت الذي تحتفل فيه جميع أمهات العالم بهذا اليوم ويتقبلن التهاني والهدايا من أبنائهن فهناك 36 أسيرة بينهن ستة أمهات يقبعن وراء القضبان وفي عتمات الزنازين البائسة في سجون الاحتلال الصهيوني ، يفتقدها أبنائها ويحلمن بيوم تحريرهن واحتفالهن بهذا اليوم مع أبنائهن وهن يحتضنوهم ويقبلوهن ويتقبلن الورود والهدايا في تلك المناسبة منهم، والعديد منهم لا يستطيع أن يزور أمه ولفترات طويلة، وإذا استطاع زيارتها لا يتمكن من احتضانها وتقبيلها، أو حتى الحديث معها بشكل واضح نظراً للحواجز الكثيرة التي تضعها إدارة سجون الاحتلال على شبابيك الزيارة للأسيرات والأسرى.
ولذلك نقول ان الأم الأسيرة تقبع في سجون الاحتلال وحيدة في عالم موحش يحكمه الجلادون تعانى أقسى أنواع الحياة، ومحرومة من ابسط الحقوق، فهي تعيش مرارة السجن المليئة بالمضايقات والاستفزازات ومرارة الحرمان من الأبناء والأهل، والحرمان حتى من الزيارة والعلاج و التعليم، وهناك أم أسير محرومة من زيارة ابنها في سجون الاحتلال منذ سنوات، تنتظر خروجه بفارغ الصبر لكي يشاركها فرحتها، وأم ودعت الدنيا دون أن تكتحل عينيها برؤية ابنها الاسير ، وهناك أم شهيد تستذكر في هذا اليوم اللحظات التي كان يحف ابنها جنبات البيت بالفرح والابتسامة مقدما لها قبلة وباقة من الورد، وهناك أم قتل الاحتلال زوجها بدم بارد وهناك امرأة قتل الاحتلال أمومتها بعدما اغتال الاحتلال الصهيوني زوجها دون أن تنجب منه ولو طفل، وهناك أم دفعا الفقر والجوع وخاصة بعد الحصار الصهيوني على قطاع غزة للوقوف أمام ابواب جمعيات الإغاثة للحصول على ما تسد به رمق أطفالها، وهناك أم ضاقت بها الغربة وتتمنى العودة إلى أرض فلسطين وديارها ... وهناك العديد من الأمهات الفلسطينيات اللواتي يعانين الأمرين في ظل الاحتلال الصهيوني ويقاومن أحزانهن بقوة إرادتهن، وهناك أما لنا أغلى من الجميع اعتدى عليها الاحتلال الصهيوني ودمرها بشتى الوسائل الإجرامية وسلب ابنها عندما احتل وطنها فلسطين .
من هنا نوجه تحية إلى الأم الفلسطينية صانعة الرجال وهي ترسم البسمة على شفاه أفراد أسرتها جميعًا، وتأبى إلا أن ترسمها على شفاه وطنها الجريح، الذي ينزف وجعًا من العدوان والاحتلال والاستيطان ، والقتل بشتى أنواعه والدمار والتجريف لبيوت المواطنين واراضيهم الزراعية ومؤسساتهم المدنية وسياسة الإذلال والإهانة التي تلحق بألامهات على الحواجز الصهيونية ،حيث التفتيشات المذلة والمهينة والتي تنتهك الخصوصية والكرامة، من تفتيش وضربهن، وكذلك تحية خاصة للأم الإعلامية التي سطرت وما زالت تسطر أروع عبارات الصمود وهي تنقل اخبار فلسطين، وتنبض قلوبها بل ترتجف خوفًا على فلذات أكبادها، تقهر
الرجفة بالتقدم إلى الأمام ومواجهة الأخطار بقلب ثابت وضمير يقظ وعقلٍ متفتح فألف تحية للمرأة الفلسطينية المرابطة والصامدة، التي رغم تجرعها لكل أشكال وأنواع الذل من قبل الاحتلال الصهيوني، إلا أنها تصر أن تبقى وردة مشرقة متفتحة تأبى الذبول رغم الوجع والمشقة والحصار والعدوان الصهيوني المتواصل عليها.
ان عيد الأم هو يوم تكريم الأمهات واعتراف عالمي برسالة الام وبدورها وتضحياتها الكبيرة، الام كلمة عظيمة كبيرة الكل يشعر بها، كلمة تحمل كتلة لا حدود لها من معاني الحب والعطف والحنان ، فهي ملحمة الارض، حيث تحتضن الحياة برحابتها وصدق عاطفتها ونبل عطائها،الأم الفلسطينية هي أم المناضلين وأم المعاناة، وأم التضحية التي لا حدود لها، وهي التي تشرح واقع المعاناة الذي لم ينقطع يوما عن هذا الشعب المعطاء منذ العام فهي رمز للتضحية التي لا حدود لها، وللعطاء الذي يفيض خيرا في كل نواحي الأرض.
ان المرأة الفلسطينية هي التي تملك أمنع الحصون فكانت أم الشهيد وأخت الأسير هن اللواتي ارتدين الصبر ثوبا لهن ،هن اللواتي جعلن من دموعهن قطرات من ندى تروي ظمأ فلذات أكبادهن في سجون الاحتلال، هي الأم الثكلى والأرملة الصامدة هن من يافا وجنين هن من اللد والرملة ورام الله ونابلس والخليل ورفح وخانيونس وبيت ساحور وبيت جالا وبيت لحم ، هن من غزة هاشم وهي المقدسية الصابرة ... هي الأم الفلسطينية.
لهذا نرى ان الأم ليست كلمة, الأم هي الدنيا التي تضيء سماءنا وتنور دربنا, هي رمز الحنان ونبع العطاء الذي يملأ حياتنا سعادة وطمأنينة, فكل كلمات العالم لا ترقى إلى مكانة الأم المرشد والمعلم التي لا تعرف حدود الحرمان ولا حدود التضحية, أنها أمي وامك، ومن أروع القصائد التي كتبت للأم هي بقلم الشاعر الشهيد الكبير محمود درويش، أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر يومي واعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي ، هذه هي اللحظات التي نرى فيها الام الفلسطينية والسورية واللبنانية والعربية بشكل عام تمتلك نوراً كأنوار النجوم، وجهها كالقمر، وهي تودع ابنتها او ابنها او اخيها او اختها في انتفاضة فلسطين ، كما ودعت الام اللبنانية ابنها المقاوم وهي ترفع رأسها ، كما ودعت الام المصرية سالي زهران، وودعت والدة سناء محيدلي زهرة الجنــوب، كما ودعت الام السورية ابنتها وابنها وزوجها ، هي الام العربية إذن، التي تمتلك صمود و شجاعة وتضحية آيات الأخرس ، وجسارة وفاء إدريس، ومن هنا لن نصمت إذن عندما نقول بأن صوت المرأة ثورة، هي الأم والأخت والصديقة، هي الحبيبة والحياة، هي الثــــورة، وتحية بحجم هذا اليوم لكل أمهات الشهداء.
ومن موقع التحية للامهاتنا اتوجه بالتحية الى والدة راشيل كوري، هذا الفتاة ألامريكية، من مواليد عام 1979، كانت تعمل مع حركة التضامن الدولية (ISM)، سافرت إلى فلسطين في يناير 2003، لتشاهد أحداث الانتفاضة على أرض الواقع، وقالت في رسالة لوالديها، اعتقد أن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة بمؤتمرات أو مشاهدة افلام وثائقية أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، لتنتهي حياتها على أيدي قوات الاحتلال قبل إتمامها عامها الثالث والعشرين، ولتفاجاء
العالم بتقدم قائد الجرافة الصهيونية بدهسها، والمرور على جثتها مرتين، مما دفع البعض لوصف ما حدث بـ “مصرع الضمير الإنساني”.
وامام كل ذلك نقول هي الام الفلسطينية والعربية هي التي اختصرت كل نساء العالم هي المتعلمة المثقفة التي جعلت من كل رجلٍ رجلاً عظيما وتربعت بذلك على عرش القلوب وعرش المماليك، ونحن نتمنى لكل أم مثالية، أم مخلصة، أم حنونة ، أن تحقق ما تصبو اليه نفسها، وان تعيش في راحة وأمان وتجد مستقبلاً زاخراً بالحب والوفاء، لانها هي الأم التي أعدت جيلاً طيب الأخلاق، عظيم التضحيات والبطولات والتطلعات وهي جامعة الحياة في البدايات والنهايات ورائحة الذكريات، فهي الأخت والرفيقه والأسيرة والشهيدة، صاحبة رسالة توارثتها جيلاً بعد جيل ونسجت خيوطاً من الوفاء وعهداً لا إنفصال فيه ولا إنفصام، حيث غرست في الأرض ابتسامة وأمل وصنعت تراثا وعنوانا من عناوين الوجود التاريخي والحضاري لاجيال تناقلته عبر العصور وظل أحد أهم ركائز تطور المجتمعات وتحضرها.
نعم هي المقاتلة والمناضلة والثائرة المنبعثة نوراً وحياة في الوطن المحتل أو في الشتات، حارسة الحلم وضامنه البقاء وموقدة نار الثورة والانتفاضة الفلسطينية الجديدة ، ومهما تبدلت أدوارها ظلت بروحها واحدة تجمع كل الصفات وتتقن فن إدارتها بامتياز وباستثنائية لا يستطيع أيً من الرجال إتقانها فهي معجونة معها منذ التكوين بالصبر والرقة والحنان والحب والاحساس والطاقة والغيرة والجمال والانوثة والكبرياء الزاهد والطيبة المتواضعة، متمنيا بهذه المناسبة لعلي أوفيها حقها من المجد والعطاء بل من الرفعة والعلياء ، لانها هي أكبر من مجرد كلمة ، وأكبر من مجرد إحساس ،وأكبر من مجرد يوم يخصص لعيد الام ، وأيضاً أكبر من مكان وأي زمان، هذه الكلمة بمعناها الكبير يجب أن تتجسد فينا قولاً وفعلاً وممارسة تحتم علينا أن نرد هذا الجميل لهذا النبع من العطاء الذي أصلاً لا ينتظر منا ان نرده.
ختاما : لا بد من القول ان الوطن أم والأم وطن ، هما كلمتان من الصعب ان يفترقا عن بعضهما أو ينفصلا فعيد الأم هو عيد يجمع الجميع ، لذلك نقول في هذه الايام الدقيقة ستبقى الام الفلسطينية والعربية شامخة لأن هناك ارادة مقاومة ، وهي من تقود مشعل من نور يستقي منه العالم اجمع، قوية بارادتها الكبيرة الذي تملأ أرجاء الامة حبا وعطاء ..فالام الفلسطينية والعربية قوية بثقافتها ونحن ننحني إجلالاً لكل المناضلات اللواتي يقدمون الاب والابن والزوج والاخت والاخ في سبيل الحرية ، ونبارك للأم عيدها وندعوا لها بالمزيد من التقدم والعطاء على ذات الطريق لرفعة المجتمع وتطوره ومزيداً من العطاء، وهذه باقة زهور مليئة بورود الياسمين والريحان لأمهات العالم أجمع.
بقلم/ عباس الجمعة