اجرى الصحفي البريطاني تيم سباستيان المعروف بأسئلته الصعبة مع صناع القرار في العالم، مقابلة مطولة مع رئيس الوزراء رامي الحمد الله ضمن برنامج "منطقة نزاع" الذي اذيع على قناة "دوتشي فيله" وجاءت تحت سؤال: هل تنزلق المنطقة نحو الحرب في ضوء عمليات الطعن اليومية وضعف السلطة؟
كانت المقابلة بأسالة سريعة لكن الأسئلة كانت محرجه وحاول الدكتور رامي الحمد الله الرد عليها بدبلوماسية شديده وان كانت لا تتناسب مع عمق الأسئلة المطروحة. عكست الأسئلة تشخيص الغرب للوضع الفلسطيني وكان من الواضح ان الصحفي متحيز للرواية الإسرائيلية.
1. اصر المذيع ان الحكومة ضعيفة وفشلت في تحقيق المصالحة والمفاوضات معا. وانه لا يمكن وجود حل لمشروع الدولتين بين فلسطين واسرائيل في ظل الانقسام الحالي، حيث ان أي اتفاقات بين اسرائيل والسلطة سوف لا تعترف بها حماس في غزه والعكس صحيح.
فرد د رامي الحمد الله ان منظمه التحرير الفلسطينية هي من يتولى المفاوضات مع اسرائيل وهي الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
2. اصر المذيع ان الانقسام الحالي من المستحيل ان ينتهي فمنذ 10 سنوات تتفاوض حماس وفتح لا نهائه بدون نتيجة عمليه على الارض.
فرد د رامي الحمد الله انهم ما زالوا يعملون على تشكيل حكومة وحده وطنيه، وان حكومته نجحت في اعادة الاعمار وبناء الكثير من المشاريع في القطاع وتقديم الخدمات الإنسانية في ظل الانقسام الحالي مع عدم تمكينها للعمل بالقطاع.
3. اصر المذيع انه يوجد فساد كبير في مؤسسات السلطة بسبب تعطل المجلس التشريعي، والواسطة والمحسوبية هي السائدة في مؤسسات السلطة كما يوجد فساد مالي. بل يوجد مؤسسات اصبحت ملكيه خاصه للوزراء ووكلاء الوزارات.
فرد د رامي الحمد الله انه يوجد مؤسسات بديله للمجلس التشريعي وهي هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة الإدارية والمالية وانه يوجد رقابه وشفافية في عمل كافة المؤسسات في ظل حكومته.
4. اصر المذيع ان السلطة تحرض على استمرار الانتفاضة وان الاوضاع ذاهبه لانتفاضه مسلحه لن تستطيع السلطة السيطرة عليها مما يجعل حل الدولتين صعب جدا.
فرد الدكتور رامي الحمد الله ان حكومته تؤيد المقاومة السلمية فقط وان عمليات الطعن تحدث في اماكن ليست تحت سيطرة الحكومة بسبب قهر الاحتلال والاستيطان وعدم وجود افق لحل سياسي عبر المفاوضات.
5. اصر المذيع انه لا يوجد حريه راي ويعتقل الصحفيون على خلفية حريه الراي، اضف الى الاعتقالات السياسية وتعرض المعتقلين للتعذيب. وهناك اعتقالات طالت بعض المدرسين المضربين وتم منع المدرسين المضربين من الوصول لرام الله.
فرد الدكتور رامي الحمد الله انه لا يوجد اعتقالات لصحفيين او اعتقالات سياسيه او اعتقالات لمدرسين او اي عمليات تعذيب، ولم يتم منع المدرسين من التظاهر، وانها لو حدثت فبشكل نادر.
كنت اتمنى ان يكمل الصحفي المقابلة مع احد قادة حماس في غزه ، وكان سيجد نفس الدبلوماسية في الإجابة وان كانت ردودهم مختلفة ومعروفه لنا مقدما. سوف يتهمون حكومة د رامي الحمد الله بالتقصير في تحمل مسئولياتها بالقطاع خاصه فيما يخص دفع رواتب موظفيهم وموازنات الوزارات، لأنه من واجب حكومة الوفاق تحمل كافة المسئوليات المالية للقطاع من رواتب واعاده اعمار ومساعدات انسانيه في ظل سيطرتهم المطلقة له بوجود موظفيهم واجهزتهم الأمنية وبدون عوده للموظفين القدامى. وسيدعي قادة حماس ان الامن مستتب في القطاع ولا يوجد لديهم اعتقالات سياسيه او اعتقالات على خلفيه حريه الراي، وسينكرون قمع المظاهرات. وسيدعون ان كتلتهم في المجلس التشريعي تقوم بدورها الرقابي بشكل شفاف ولا يوجد أي خلل او فساد في مؤسسات قطاع غزه، بالإضافة لديوان الرقابة المالية والإدارية التابع لحماس. وسينكرون وجود أي واسطه او محسوبية في مؤسساتهم خاصه في اليه التوظيف. كما سيطالبون بإعادة تشكيل منظمه التحرير الفلسطينية لا نها في وضعها الحالي لا تمثلهم حيث لا تضم حركة حماس والجهاد، ومن ثم هم غير ملزمين باي اتفاقيات او برنامج لها وبرنامجهم يتمثل في تحرير فلسطين التاريخية ابتداء من اراضي ال 1967 مع عودة اللاجئين ثم يتم التفاوض على باقي اراضي ال 1948، طبعا على ان يكونوا هم المسيطرون بشكل مطلق في كافة الاراضي التي يتم تحريرها (حسب رؤيتي لبرنامجهم).
حتما لم يجد الصحفي اجابات شافيه لأسئلته من د رامي الحمد الله خاصه ان الصحفي منحاز للرواية الإسرائيلية، لكن اسمحوا لي كمواطنه عاديه ان اعقب على بعض اسئلته من خلال رؤيتي للواقع الفلسطيني الذي نعيشه وبدون دبلوماسية:
1. بالفعل الانقسام من الصعب جدا انتهاءه لسبب رئيسي ان حماس تناور بكافة الطرق للحصول على مكاسب اضافيه في ظل بقاءها بالسلطة. ببساطه حماس استغلت الانتخابات التشريعية لتسيطر على غزه وتريد ان تستغل تشكيل الحكومة لتمويل سيطرتها على القطاع ودفع رواتب موظفيها. وارى انها تعمل ايضا جاده لا سقاط السلطة في الضفة حسب تصريحات بعض قياديها.
2. نعم يوجد فساد مستشري في مؤسساتنا سواء في غزه او الضفة وما يسود لدينا نظام هو الواسطة والمحسوبية والحزبية في كافة المؤسسات. يوجد مؤسسات اصبحت ملكيه خاصه للوزراء ولوكلاء الوزارات. ابسط مثال ان وزارة الطاقة تم تحويلها لسلطه طاقه ليتحكم بها الوزير ووكيل الوزارة للابد، اضف ان وكيل الوزارة في الضفة اصلا مؤهله اداري وليس هندسي في مجال الطاقة. هم من يتحكمون بالتعيين منذ عام 1998 في سلطة الطاقة وشركات الكهرباء، وانا اول ضحاياهم حيث عرقلوا عملي في سلطة الطاقة وشركات الكهرباء وانا حاصله على دكتوراه بالطاقة وكانت تعييناتهم تتم بالواسطة بدون اعلانات توظيف لموظفين غير متخصصين بالطاقة حتى على مستوى البكالوريوس. في عام 2007 سعت حماس للسيطرة المسلحة على كافة مؤسسات القطاع لتختصر الطريق وتنقل ملكيه المؤسسات في القطاع بأسرع الطرق لها. وضعت ابناءها في اعلى المناصب لتأخذ حريتها في توظيف كوادرها وتجبي وترقي وتعتقل وتستفرد بالقرارات والاموال والاراضي كما تشاء، وحتى اعلانات توظيفها تتميز بالعنصرية؟؟ تشترط عادة في اعلانات التوظيف في المؤسسات والشركات والبلديات الحكومية بغزه ان يكون عمر المتقدم اقل من 30 عام وكأنها تبحث عن عرسان وعرائس، وتكون الامتحانات ان وجدت اختبار من متعدد وبها اخطاء. اما اعلانات التوظيف لمدراء فتشترط ان يكون المتقدم اقل من 40 عام او 45 عام حسب المزاح، ويكون الترشيح صوري لشخص مدعوم سلفا بدون أي معايير او اختبارات او مقابلات مهنيه. وكل ذلك يعبر عن فساد اليه التوظيف في مؤسسات السلطة وقطاع غزه. هذا بالإضافة للفساد الاداري والاكاديمي المستشري بالجامعات الحكومية والأهلية حيث ان توزيع المواد بها يخضع للواسطة والمزاجية والحزبية، فكل جامعه توظف عناصر الحزب التي تمثله ادارة الجامعة حسب مزاج رئيس القسم والعميد بها. اضف للفساد الذي تعاني منه وزارة الصحة ابتداء من الاهمال الطبي الى نظام الواسطة في التحويل للعلاج للخارج. حتى السفر عبر معبر ايريز ومعبر رفح يخضع للواسطة والمزاجية والرشاوي، ورفض حماس لمبادرة معبر رفح التي سيطرت عليه بالسلاح وقد كانت قائمه على المشاركة لتجعل منه ورقه تساوم بها على رواتب موظفيها وجه اخر للفساد. ولدينا نماذج اخرى لا تعد ولا تحصى من الفساد. ففصائلنا اخذت على عاتقها ان ترهن مصالح الناس في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة.
3. يقول د رامي الحمد الله انه مع تعطل المجلس التشريعي، ترتكز حكومته على الرقابة من خلال هيئه مكافحة الفساد او ديوان الرقابة الإدارية والمالية. اما في غزه، فتدعي حماس ان كتلتها في المجلس التشريعي وديوان الرقابة المالية والإدارية تعمل على مراقبه المؤسسات في غزه بشفافية. انا شخصيا توجهت بشكاوي لمؤسسه امان لمكافحة الفساد بخصوص استبعادي المتعمد من العمل بمؤسسات الطاقة منذ عام 1998 ، كما شكوت لهم عنصريه اعلانات التوظيف في المؤسسات الحكومية التي تحدد العمر اقل من 30 عام ونظام الترشيح لوظيفه مدير الذي يتم بشكل صوري بدون معايير، لكنهم حفظوها بحجه ان ذلك لا يدخل دائرة الفساد وتستطيع أي مؤسسه ان تضع شروطها في الاعلانات وترشح من تشاء. وتوجهت للمجلس التشريعي بنفس الشكوى وحفظوها بحجه عدم التدخل في اليه التوظيف في المؤسسات، الا ان السبب الرئيسي هو عدم انتماءي لحماس. فكيف ممكن الثقة بهذه المؤسسات بينما دورها حفظ الشكاوي والغض عن فساد المؤسسات على قاعدة الانتماء الحزبي والمحسوبية ؟؟؟؟ حتما فاقد الشيء لا يعطيه.
4. يوجد اعتقالات واستدعاءات على خلفيه حريه راي واعتقالات سياسيه وقمع للمظاهرات وتعذيب لمعتقلين، وان كنت لا اعرف صورتها في الضفة، لكن نراها بوضوح في غزه، وكان اخرها اعتقال القيادي الفتحاوي منذر محسن مع ابنه المراهق، بتهمه التخابر مع مصر والسلطة، والاستدعاءات التي تتم لقيادات توجسا من حدوث أي تظاهرات.
5. اما حل القضية الفلسطينية سواء على قاعدة الدولة الواحدة او الدولتين او الثلاث دول، فاري ان هذا الامر غير مجدي الحديث عنه طالما اسرائيل هي التي تحتل كافة معابرنا سواء في غزه او الضفة وحنى معبر رفح هي من تتحكم في فتحه عن طريق مصر. وطالما ان معابرنا وحواجزنا يتحكم بها الاحتلال ومع زيادة الاستيطان وعدم وجود افق لعودة اللاجئين، اضف ان الجواز الفلسطيني مرهون بهويه الاحتلال ، فلا اتصور ممكن نجاح مشروع الدولتين او الثلاث دول. التوصيف الدقيق لحالنا اننا نعيش تحت حكم ذاتي فلسطيني في غزه والضفة وان تصارعت فتح وحماس على السيطرة على مؤسساتنا ومواردنا. لجأت اسرائيل لأوسلو حتى تتملص من مسئولياتها في القطاع والضفة من رواتب وتوظيف وكهرباء ومياه وتبعات اقتصاديه. والكلام الفصل ان حل القضية الفلسطينية هي مسئوليه الدول العربية ولأوربية وامريكا وتركيا في المقام الاول، لان الثورة العربية هي من اطاحت بالحكم العثماني ابان الحرب العالمية الاولى وتركتنا تحت رحمة الاحتلال البريطاني فسلمت فلسطين لإسرائيل وتسببت لنا بالماسي التي نعيشها اليوم، ابتداء من تهجير ملايين الفلسطينيين في الشتات بدون وطن والمجازر والحروب المتعاقبة والحصار والسيطرة المطلقة على المعابر والاعتقالات. وطالما القهر الاسرائيلي موجود، فسيبقى الاحتقان والانتفاضة بكافة اشكالها. اضف ان الفلسطينيين لا يمكن تقسيمهم، سواء كانوا بالضفة او غزه او الشتات او ال 1948 فقضيتهم قضيه واحده مترابطة ودمهم واحد كما يرتبط لاجئونا ارتباط وثيق بأراضيهم في ال 1948. لذا لن يكون هناك أي افق لحل الدولتين او الثلاث، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسئولياته بحل قضيتنا واعادة فلسطين واللاجئين لتحكمها قياده نزيهة موحده، هذه المعادلة التي لم يعيها الصحفي والعالم اجمع.
سهيله عمر
[email protected]