في عيد الأم.. ماذا بقي للأم الفلسطينية والعربية كي تحتفل..؟؟

بقلم: راسم عبيدات

في عيد الأم او يوم الأم ليس المهم التوصيف،بل المهم الجوهر،في هذا اليوم الذي تحتفل فيه كل امهات العالم وتغمرهن الفرحة والسرور في احتفالات متنوعة ومتعددة مع الأهل والأصدقاء والمؤسسات النسوية والمجتمعية والقوى والأحزاب التي تكرم وتحتفل بالأمهات عاملات وغير عاملات ،حيث تجري عمليات الإحتفال والإحتفاء والتكريم على نطاق أسري ضيق او جماهيري،شعبي واسع تقديراً وتكريماً لهن على دورهن وما قدمنه أسريا ومجتمعياً واقتصاديا ونضالياً ووطنياً.

نعم هذا يوم وفاء للمرأة وتقدير لها وتثمين لجهودها وتضحياتها ونضالاتها،والأحق بهذا التكريم والوفاء وهذه الإحتفالات هن النساء والأمهات اللواتي لم يدخل الفرح الى قلوبهن في فلسطين والعالم العربي،فلسطين التي تتعرض الى ابشع واطول إحتلال في التاريخ،حيث ليس فقط يطال القمع نساءها بالقتل والإعدامات الميدانية،والتي كان آخرها السيدة فدوى أبو طير،والتي اعدمت بدم بارد على أبواب المسجد الأقصى والإعتقال والحرمان من اطفالهن وعائلاتهن،بل المئات منهن ينتظرن الغياب من أبنائهن المناضلين الأسرى في سجون وزنازين الإحتلال منذ عشرات السنيين،يحدوهن الأمل بأن يحتضن أبنائهن او يكحلن عيونهن برؤيتهم قبل ان يغادرن هذه الحياة الفانية،او يحلمن بأن يحضرن أعراسهم ويحضن احفادهن...هي ام عميد الأسرى كريم يونس الصابرة ،المناضلة منذ 34 عاماً وهي تنتظر ان ترى ابنها كريم،في كل مرة يجري فيها عمليات تبادل او إطلاق سراح دفعة من الأسرى،يحدوها الأمل ان يكون كريم من بينهم،وكذلك هن امهات الأسرى الذين مضى على وجودهم في الأسر عشرين عاماً فما فوق.

هؤلاء هن نساء فلسطين الماجدات،شهيدات وأسيرات وأمهات لشهداء وأسرى،ينتظرن خروجهم من المعتقل،او ينتظرن إستلام جثامين أبنائهن الشهداء والذين مضى على البعض منهم اكثر من خمسة شهور في ثلاجات الإحتلال ،الإحتلال الذي يعذب الشهيد واهل الشهيد وعائلة الشهيد ويمتهن كرامة الإنسان في موته وحياته،وليس هذا فحسب،بل يجري حرمانهن من الدخول للأقصى من اجل الصلاة فيه،حيث يتعرضن يومياً للقمع والإذلال والتفتيشات المهينة والمذلة والإبعاد عن الأقصى والقدس والإعتقال..

وحال المرأة العربية،ليس بأفضل من حال المرأة الفلسطينية،وخصوصاً من بعد ما سمي ب " ثورات الربيع العربي"،حيث جرى ويجري "تسليع" المرأة العربية،أي بيعها وشرائها كأي بضاعة،وإمتهان كرامتها وإنتهاك حرمة جسدها وإستغلالها جنسياً،حتى الطفلات منهن،كما جرى مع النساء السوريات والعراقيات والليبيات وغيرهن، حيث وجدنا كيف ان العصابات التكفيرية والإرهابية من القاعدة ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" وبقية الألوية والتشكيلات الإرهابية،كانت تبيع النساء اليزيديات والسوريات في أسواق النخاسة لقوادي امراء ومشايخ الخليج.

وليس هذا فقط فالكثير منهن فقدن الزوج والأخ والإبن في حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية التي غذتها ومولتها مشيخات النفط والكاز وجماعة الخليفة السلجوقي والغرب الإستعماري على بلدانهن،واللواتي عدد لا بأس به منهن اضطررن للقيام باعمال قاسية متناقضة ومتعارضة مع كرامتهن ومبادئهن وقيمهن،من اجل تامين مصدر دخل لأسرهن وعائلاتهن،وكذلك وجدت الكثير منهن حالها،تترك بلدها ووطنها في رحلة لجوء محفوفة بالكثير من المخاطر الى العديد من الدول الغربية،او أن تقيم في مخيمات في الدول المجاورة تفتقر الى أدنى مقومات الحياة الإنسانية والبشرية.

كيف ستحتفل مثل هؤلاء الأمهات العربيات في عيد الأم ؟؟؟،في وقت تغتصب فيه اوطانهن، ويتعرضن هن وبناتهن للإغتصاب والإذلال والتعامل معهن كبضاعة تعرض في ساحات وأسواق ويجري المساومة على بيعهن لمن يدفع سعراً اعلى لكي يستبيح جسدها رغمن عن إرادتها ورغبتها.

في ظل هكذا واقع فلسطيني وعربي،تتعرض فيه المراة للظلم والإضطهاد وإمتهان الكرامة،والحط من شانها وقيمتها والتعامل معها كسلعة،فإن احتفالها بعيد الأم سيكون بطعم الحزن والألم وسكب الدموع على الأحباب والغياب شهداء،أسرى،مهجرين ومبعدين.

في عيد الأم رغم كل الحزن والألم والظلم والإضطهاد،فهؤلاء الأمهات هن عناوين ورموز صمود وعطاء وتضحية،ومصدر فخر وعز لشعوبهن وامتهن،هن ماجدات هذه الأمة في وطن،اجدب من القادة الحقيقيين لهذه الأمة الذين ينصرونهن ويدافعون عنهن وينتقمون لشرفهن وكرامتهن،حتى انهم جزء من عملية الإمتهان والإغتصاب لهن.

الظلم والإضطهاد والعدوان يا ماجدات هذا الوطن لن يدوم،وسياتي يوم الحرية والإنعتاق،وستكون الإحتفالات بعيد الأم جماعية،في كل الساحات والميادين،في كل شارع وحي وحارة وزقة من شوارع واحياء وحواري وأزقة مدننا وقرانا العربية،لن يكون هناك فواصل وحدود وجدران بين أقطارنا العربية،سيهزم مشروع التقسيم والتجزئة والتذرير والتفكيك لجغرافيتنا العربية وإعادة تركيبها على تخوم وحدود المذهبية والطائفية،سينتصر مشروعنا القومي العروبي،رغم كل الدماء والتضحيات،وستعود لشعارات امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة بيرقها ومجدها،وسننشد مجدداً :- بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ

ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ،فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا

لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ .

امهاتنا في فلسطين وعلى طول جغرافيا وطننا العربي من خليجه الى محيطه،أنتن مصدر فخرنا وإعتزازنا،أعتز بكل ام ضحت وتضحي من اجل وطنها وأسرتها،من اجل أداء رسالة قيمية واخلاقية وتربوية ونضالية ووطنية.أفتخر بكل ام تفني حياتها من اجل أسرتها وأطفالها بعد فقدان الزوج،واعتز بوالدتي التي دفعت ثمناً باهظاً في حياتها حتى أقعدها المرض،حيث سهرت على تربيتنا سنين طويلة، تعرضت للذل والمهانة من قبل جنود الإحتلال ومخابراته،عندما كانت تخرج فجراً ولتعود في ساعة متاخرة من الليل لزيارتنا في سجون الاحتلال ومعتقلاته انا وأشقائي،فطوبى لكل أمهات شهدائنا وأسرانا،والف تحية لكل نساء امتنا الماجدات، الصابرات في عيد الأم على طول وعرض جغرافيا وطننا العربي.

بقلم/ راسم عبيدات