ستبقي أمي ذكري خالدة ...تملأ بها ذاكرة حياتي ....كما وتعيش معي بكافة جنبات حياتي ....لأنها أمي ....التي حملتني تسعه أشهر ...ورضعت من ثديها ....وتربيت على يدها ...وأخذت قسطا من حنانها ....بما قسم لي ...وما توفر لي من وقت عشته معها .....حيث عشت طفولتي المبكرة معها ...حتي جاء وقت الغياب والفراق ....الذي يخرج عن اطار ارادتي ....وحتي رغبتي ....وحتي قدرتي على منع هذا الغياب والفراق ...ليستقر بها الحال في دمشق الفيحاء ...حيث كان مستقرها ...والتي دفنت في ثري ترابها ....ولأكون أنا واخواني وأخواتي في هذه البقعة الصغيرة .....وفي هذا الجزء الفلسطيني الجنوبي المسماه غزة .
وما بين دمشق وغزه..... كانت مصر بما فيها من محبه جامعة ودفء أحاط بنا وبلقائنا وجدد الاتصال والاستمرار بيننا.
قصتي مع أمي وذكرياتي معها..... ربما تكون خاصة بخصوصياتها وأحاديثها وأسبابها ....لكنها ظاهرة عامه وقائمه ومنتشرة عند الكثيرين من الذين افتقدوا غياب أمهاتهم لظروف وأسباب عديدة ....وليس لسبب واحد مؤحد ....لكنها بالنهاية حالة فراق وغياب لها تأثيراتها وانعكاساتها .
شاهدت أمي مرات عديدة ....مرة بالقاهرة ...ومرة بغزة ...ومرة بعمان ...ومرة بدمشق ...وكلها لأيام معدودة ومحدودة ....لكنها كانت تحقق المراد منها..... والهدف من ورائها لأستزيد بجرعة من حنانها ....تجعلني أمتلك قدرا ولو ضئيلا لمواجهة جفاف الحياة..... ومصاعبها ....ولمحاصرة مرارة الفراق وحسرة الغياب .
احتفلت بعيد الام مرة واحدة بحياتي ....عندما شاء القدر أن تأتي والدتي الي غزة مع بداية عودة السلطة الوطنية ولعدة أيام ....كان من حسن الطالع أن يكون الواحد والعشرين من مارس هو أحد ايام هذه الزيارة ...حتي نعيش هذا اليوم ....بكل ما فيه بصورة مضاعفه ....يغلب عليه حرمان سنوات طويلة ...وفقدان أمومة وحنان لأعوام عديدة ....وكأننا نحاول في هذا اليوم استرجاع الزمن والسنوات .....لنضعها على طاولة الاحتفال.... وفي داخل عواطف وأحاسيس كل منا .
فرحت أمي ...وفرحت زوجتي وأولادي ....وزادنا اليوم حزنا وفرحا ....صعب عليا التفريق بين الفرحة والحزن .
فرحت بهذا اليوم ...وبهذا الجمع ...وبهذا الحضور..... بعد حرمان سنوات طويلة ....لم أقل فيها أمي ....ولم تناديني أمي ...مما جعلني اشعر بقيمه هذا اليوم ...وبقيمه هذه الفرحة ....لكن حزني على سنوات طويلة افتقدت فيها فرحة هذا اللقاء ....جعلتني أحزن كثيرا ...كما وجعلتني اشعر أن ما حرمت منه كان قدرا لا أحمله لأحد .
حرمان لا يقدره الا من عاشه ....بكافة ظروفه وملابساته وأحاسيسه .....لكنها التجربة الحياتية المليئة والتي يعيشها كل منا ...والتي تزيده قوة وايمان ...وقدرة على الصبر والتحدي لمواجهة مصاعب الحياة وحرمانها .
انها تجربة عيد الام الوحيدة .....التي عشتها مع أمي ....لكنها تجربة ليوم مشهود ملئ بالعواطف والاحداث .....التي يصعب ترجمه كل ما فيها من خلال كلمات ومفردات عبر مقال .
عيد الام .....ولقد جاء اليوم لأفتقد فيه أمي التي رحلت عن الدنيا ...وياليتها بقت بعيدة.... دون أن ترحل .... لأن غيابها بحكم عوامل الزمن والجغرافيا ...يجعلني أعيش أمل لقاءها ....لكنها وقد غابت ورحلت الي خالقها ...فاللقاء بها يوم اللقاء ...ودعائي لها بالرحمة والمغفرة ....كما دعائي لوالدي ...ولجميع أمهاتنا وأبائنا .
وكل عام وأمهاتنا بخير
الكاتب : وفيق زنداح