مراجعات حركة حماس برجماتية ام انتهازية ؟

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

توطئة : قبل الخوض في غمار مقالنا لابد ان نضع القارئ امام مفهوم المصطلحات لتسهيل الوصول الى الهدف المراد من قراءتنا

اولا – مفهوم البرجماتية السياسية

يرتبط مصطلح البراغماتية في المنطقة العربية بفكرة الانتهازية والأنانية والمصلحة الفردية، مع أن العديد من أبرز القادة العرب، وصفوا من قبل الغرب بالقادة البراجماتيين، إشارة إلى ذكائهم الاستراتيجي وقدرتهم على إدارة الأزمات والسعي الى تحقيق مصالح شعوبهم وبلدانهم. وأصبح النهج البراغماتي هو المسيطر في العلاقات الدولية والمحرك الأساسي للنخب السياسية وصناع القر ارفى مختلف دول العالم ،و يستخدم هذا المصطلح في السياسة ، فيقال : فلان براغماتي ، والحركة الفلانية حركة براغماتية ، وفي أغلب الأحوال يقصد بها النفعية أو من يغلب الجانب العملي على النظري والجانب النفعي على المبادئ ..

والاصل اللغوي للمصطلح يرجع إلى الكلمة اليونانية Progma وتعني (عمل) أو (مسألة عملية) ..

ثانيا – مفهوم الانتهازية السياسية :

تشتق كلمة " الانتهازية" في معناها اللغوي من مادة ( نهز ) التي تعني اغتنم ، و الانتهاز هو المبادرة و يقال انتهز الفرصة أي اغتنمها و بادر إليها ، و هي في معناها الاصطلاحي أو السياسي لا تختلف كثيرا عن المعنى اللغوي المشار إليه فالإنسان الانتهازي هو الذي يغتنم الفرص و يستثمرها من أجل أهداف معينة تختلف باختلاف منطلقاتها فقد تكون محدودة ضيقة الأفق لا تخرج عن إطار المنفعية الذاتية القصيرة الأمد .

والانتهازي إنسان ذكي جدا يتمتع بمرونة عجيبة ، غير مبدئي ، فهو شخص مجرد من أي مبدأ سياسي أو عقيدة أخلاقية أو فكرة أو مذهب معين عدا المبدأ النفعي الخاص و سرعان ما ينقلب على ادعاءاته و لا يمانع من الخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها ، و يتصف بصفات الغدر و الخيانة للفئة أو الحزب الذي ينتمي إليه، وهو مستعد كامل الاستعداد للانقلاب على ادعاءاته والخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها، فهو لاعب ماهر يجيد كل الأدوار ، و هو يخاطب الجماهير معتمدا على ثقافة كل المعارف الاعتيادية و بالتالي يمارس نشاطه وفق أيديولوجية اعتيادية ، و هو أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة ، و يقوم بدور خطير في تزييف الواقع برمته مقابل مصالح شخصية و يضحي بالمصالح الاستراتيجية للوطن في سبيل تحقيق مصالحه الذاتية . فهو يستخدم الواقعية و المثالية تبعا للحالة أو الموقف و الفائدة ، و بما أن هدفه في العيش هو براغماتي في الأصل ،فهو يسعى دائما إلى تجميد المفاهيم و فبركتها بحيث تخدم أهدافه المرحلية ، و يزين الواقع بغية إقناع الجماهير المعذبة و المسحوقة كرامتها الإنسانية بما يخدم مصالحه

رؤية حماس ومواقفها مع دول المحيط :

تأسيسا لتلك القراءات ، اخضعنا كمراقبين مواقف حركة حماس وتحولاتها الاخيرة الى مفاهيم سياسية قد تنسجم مع المصطلحات الدارجة على ألسن المثقفين ، وبدراسة تفحصيه سريعة سنعرض تلك المواقف التي توضح في أي الفريقين تقف الحركة ..

حركة حماس واللعب على محاور عديدة :

اولا : محور اسرائيل : وفي هذا المحور نرى ان حماس توصل رسائل بانها تلتزم بهدنة مع اسرائيل ، فتقوم بالتالي بمنع أي اطلاق لصواريخ قد تطلقها مجموعات عمل مسلح من داخل غزة ، تجيئ كردة فعل على اعتداءات اسرائيل اليومية ضد السكان في قطاع غزة . وفي هذا رسالة لإسرائيل ، انها لاتزال هي الاقوى بين الفصائل على الارض ، وهي من تقوم من بضبط الأمن والحدود ، وبالتالي توجه حماس رزم من الرسائل انه يتوجب على اسرائيل وحلفائها ان يسعوا للتوصل الى اتفاقات في كافة المجالات مع من يتواجد على الارض بالفعل ؟

ثانيا : المحور الامريكي والغربي :

مما لاشك فيه ان حماس و باعتقادي مرشحه تماما لدخول هذا القالب الأمريكي على اعتبار أنها أقل تشددا وأكثر اعتدالا، وثمة هنا ما يشير إلى تقبل ذلك الطرح في حماس على اعتبار أن هذه النموذج الحمساوي الجديد المنسجم مع التغيرات الدولية قادر على التوصل إلى توازن ما في العلاقة مع أمريكا. .فحماس تحولت وتبدلت في الأشهر الخمسة الماضية أسرع مما ينبغي في إطار رياح التغيير التي هبت على المنطقة.. واليوم أصبحت حماس أقرب إلى توقيع معاهدة سلام أو هدنة دائمة أو ربما الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع إسرائيل منها إلى العودة لخيار العمليات الاستشهادية او الدخول في حروب جديدة تعرف عقباها .

وحماس اليوم مستعدة للانصهار في بوتقة منظمة التحرير الفلسطينية وهي آخذة تدريجيا في التحول إلى حزب سياسي له وزرائه في الحكومة الفلسطينية ، ونوابه في المجلس التشريعي... وللأمر مقدمات تاريخية سابقة تتعلق أحيانا بالايدلوجيا السياسية ..فحماس التي لا تزال على قائمة الإرهاب الأمريكية ..رفضت وترفض استهداف المصالح الأمريكية ...وفي حديث صحفي يقول خالد مشع إن مواقف حماس وقراراتها في هذه المرحلة كانت مبنية على رؤية وتقدير موقف سياسي في الحركة،

ثالثا : المحور الاقليمي : فبعد أن استمر بقاء نظام الأسد في الحكم ،نراها تحاول ترميم ما تمزق من ثوب العلاقات الخارجية ، سواء مع ايران ، أو مصر ، أو حزب الله . كما نراها تمد بخيوط نحو السعودية ودول الخليج التي نراها تعلن " حزب الله اللبناني " منظمة ارهابية ، فعليها أن تنأى بنفسها عنه لألى يطالها نفس المصير .

رابعا : محور سلطة رام الله : فكلما جرى الاقتراب من التوافق والمصالحة وتنهمر التصريحات لإنهاء الانقسام بين جناحي الوطن ، ويجري التزاور وعقد الاجتماعات وتوقيع الأوراق هنا وهناك ، تبقى حماس على الأرض متمسكة بكل شيء ، ورغم خدعة تشكيل حكومة التوافق ، الا ان حماس تشكل بشكل مواز حكومة ظل ، ولا مؤشر لديها على أي زحزحة عن المواقع على الأرض ، لا في المعابر، ولا في التمسك بالوزارات والمقرات والمؤسسات .

خامسا : محور مصر : فمصر هي بوابة غزة وحماس الى العالم ، فغضب مصر من حماس أدى الى تدمير الأنفاق التي لها فوائد متعددة لها من شتى النواحي وخاصة الاقتصادية ، مما أدى الى زيادة وطأة الحصار ، والى سجنها في غزة ماليا وحراكيا ، فلا تدفق مالي سرا ولا علنا ، ولا سفر لقياداتها ولا تواصل بين اطقمها وفروعها في الخارج .

وهذا أدى بحكومة حماس أن تعاني من ضائقة مالية تزداد في ثقلها يوما بعد يوم ، فعجزت عن دفع رواتب الموظفين التي قامت بتوظيفهم ، لتدير شئون غزة بعد الانقسام عن السلطة ، فقامت بفرض ضرائب على كل ما يدخل قطاع غزة من مواد غذائية أو غيرها .مما الحق اذى بالمواطنين وساد السخط والتذمر من سياستها الضريبية

ان الانقسام ، والضرائب واغلاق المعابر جعل قطاع غزة اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا مكاناً لا يطاق وغير صالح لكي يعيش به انسان ، فكل قطاع غزة أصبح عالة على الخارج ، وداخليا كل شيء ليس في مكانه الصحيح ، والناس تعيش على الأمل في الغيب ، وهذا الأمل يضعف يوما بعد يوم لدرجة اليأس .

ولما طال صبر حماس ولا أمل قريب في عودة الاخوان للحكم في مصر ، رأت أن لا مفر من التلون ومنع التصريحات التي تثير حفيظة مصر . وابداء الرغبة في التعاون والبدء من جديد .، وتطورت الاحداث وابدت حماس مواقفها البرجماتية ، وبعد رسائل خاصة سمح لوفد حماس زيارة مصر وذاب الجليد عن القطيعة ، وسارعت حماس بتغير شعارتها وجدارياتها في غزة ، وصرح البعض عن النية لفك الارتباط بحركة الاخوان المصنفة ارهابية ، بل وازيلت الشعارات المتعلقة بالإخوان والمعادية لحكومة الرئيس السيسي ..

أمام تلك الارهاصات الحمساوية يرى البعض ان امر التخلي عن الاخوان يحتاج الى ردحة من الزمن ولكن فقه المصالح يغلب فقه الحزب ، وقادة حماس لديهم الخبرة في التلون واظهار عكس ما يبطِنون حينما يريدون تحقيق أهدافهم المرحلية أما الدعاية الداخلية للخلايا المنبثقة عنهم فستبقى كما هي الى حين ، وسينظرون لعناصرهم ومناصريهم أن الظروف تتطلب منا هذا الموقف .

بقلم/ د. ناصر اسماعيل اليافاوي