قُم للمعلِّم وفِّه التبجيلا…

بقلم: عماد شقور

يقول امير الشعراء، احمد شوقي: "قم للمعلّمِ وفِّهِ الّتبجيلا… كاد المعلّمُ ان يكونَ رسولا // أعلِمتَ أشرفَ او أجلَّ من الذي…يبني ويُنشئُ انفُساً وعُقولا // إن الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ…ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا".

ولو ان "المعلمة الافضل في العالم"، حنان الحروب،الفلسطينية، اللاجئة، عاصرت احمد شوقي، لكان الأمير، في اعتقادي، أنّثَ قصيدته، ولخاطب شعب فلسطين منشدا: "ٌقم للمعلمة (حنان) وفِّها التبجيلا"….
من بين كل المعلمين في العالم، وعددهم نحو مئة مليون معلم، تم ترشيح ثمانية آلاف فقط، في المنافسة على لقب "أفضل معلم في العالم"، ونيل التكريم والجائزة التي تعادل "جائزة نوبل" على صعيدي القيمة المعنوية التقديرية، والقيمة المادية، (مليون دولار)، وكانت حنان واحدة منهم. وحين وصلت التصفيات إلى ابقاء خمسين متنافساً فقط، حافظت حنان على مقعدها بينهم. وعندما غربلت مؤسسة "فاركي فاونديشن"، صاحبة ومطلقة هذه المنافسة والجائزة، واختارت العشرة الاوائل الباقين في المنافسة، قبل حوالي الشهرين، اوكلت إلى العالِم البريطاني ستيفن هوكينغ، اعلان اسماء هؤلاء العشرة، وكان اسم حنان واحدا من الاسماء التي لفظها هوكينغ بطريقته المعروفة، جراء مرضه النادر. وعند اقرار فوزها باللقب الكبير والشهادة والجائزة، كان البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، هو من اتصل بحنان معلنا فوزها، وكان هو اول المهنئين لها. ثم كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو من سلّم حنان الشهادة والجائزة. واخيرا كانت كريستيان آمانبور الصحافية الاولى التي اجرت معها اول مقابلة تلفزيونية بعد فوزها.
مسلسل كثيف من القمم المتتابعة في مسيرة " أفضل معلم في العالم"، المعلمة الفلسطينية حنان حامد عبيدالله الحروب:
أن تجتمع هذه القمم العالمية الشامخة، مع قمة القضايا العادلة للعالم المعاصر، قضية فلسطين، ممثلة بالمعلمة حنان، رمز عدالتها، بجدارة وتميُّز واقتدار وانسانية، ليس حدثا عابرا عاديا. لنشرح ونفصِّل:
ـ العالِم ستيفن هوكينغ، قِمّة. فهو الاهم والاول بين علماء الارض في عصرنا، صاحب النظريات العلمية ذات العلاقة بـ "الانفجار العظيم" و"الثقوب السوداء" في الكون، ودورها. وهو الأشهَر بين المقاطِعين لدولة الاحتلال والاستعمار، اسرائيل، والرافض منذ سنين للتعامل معها او زيارتها، بسبب سياستها وعنصرية حكوماتها. ( ولا يضيرنا التذكير، في هذا السياق، بأن الأهم بين علماء الفيزياء في العالم، العالم اليهودي البرت آينشتاين، صاحب نظرية النسبية، كان قد رفض، عرض دافيد بن غوريون له سنة 1948، ان يكون اول رئيس لدولة اسرائيل، لأنه رأى فيها دولة عنصرية).
ـ البابا فرنسيس، قِمّة. فهو رأس الكنيسة الكاثوليكية، اكبر الكنائس المسيحية، اكثر الديانات انتشارا في العالم، الذي نجح في المبادرة والاشراف وادارة مفاوضات سرية بالكامل، لاكثر من شهرين، بين الولايات المتحدة وكوبا، اثمرت انهاء القطيعة بين البلدين، واثمرت هذه الايام اول زيارة لرئيس أمريكي إلى كوبا بعد سبعة عقود من العداء. وهو البابا الذي نجح، بمبادرة منه، (والتقاء مصالح مع روسيا الاتحادية بزعامة بوتين)، انهاء قطيعة مع الكنيسة الارثوذكسية استمرت الف عام. وهو البابا الذي يحدث ثورة ايديولوجية في المسيحية، بهدف تقريبها من الحياة ومن البشر، وتطوير قيمها لتلائم العصر، لدرجة الاعلان ان الجنّة تتسع ايضا لغير المؤمنين، إذا هم اتسموا بالاخلاق الحميدة. هذا البابا وجد متسعا من وقته ليكون هو من يبلغ المعلمة الفلسطينية حنان بفوزها، وليكون هو اول المهنئين لها.
ـ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المتميز، يكفي ان نقول انه، وهو حاكم امارة دبي، ورئيس مجلس وزراء دولة الامارات العربية، استنبط واستنبت "وزارة السعادة" غير المسبوقة، وهو من اعلن، بثقة واعتزاز، قرب الاحتفال، (نعم "الاحتفال")، بتصدير آخر برميل بترول من بلده، لأنه اعد ارضية راسخة لاقتصاد متين لا يستند فقط إلى ما في باطن الارض من موارد طبيعية، بعد ان جعل حصة البترول في اقتصاد بلده بحدود 20٪ فقط. هذا الشيخ المسكون بالابداع، وجد متسعا في برنامج عمله ليخصص امسية كاملة لمسابقة ملِكتها وعروسها المعلمة الفلسطينية حنان الحروب.
ـ الصحافية كريستيان آمانبور، قِمّة. فهذه الصحافية المتميزة، المولودة في بريطانيا لأُم انكليزية واب إيراني، هو محمد آمانبور، بدأت حياتها الصحافية مراسلة حربية، (هل تذكرنا بقمّة الصحافة العربية، محمد حسنين هيكل الذي بدأ حياته الصحافية كمراسل حربي في العلمين ثم فلسطين وبعدها كوريا وإيران ايام ثورة مصدّق). وتشغل أمانبور حاليا منصب "رئيسة المراسلين الدوليين لفضائية سي إن إن"، الأهم بين شبكات التلفزيون العالمية، ومقدمة برنامج المقابلات الليلي على شبكة سي إن إن الدولية، وهي الصحافية الاكثر متابعة من قِبَل اكبر عدد من القادة العالميين.آمانبور هذه خصصت وقتا ثمينا من برنامجها التلفزيوني، (اكثر من سبع دقائق)، للمعلمة الفلسطينية حنان.
ـ وبعد كل هؤلاء، كان جورج براون، رئيس الحكومة البريطانية هو الاول بين المهنئين للمعلمة، اللاجئة الفلسطينية، حنان، بفوزها. ولكن براون هذا يتحمل هو واباؤه وسابقوه في المنصب، تحويل والدَي حنان إلى لاجئَين، يهدون للعالم، جرّاء حُبّهما وعلاقتهما، "لاجئة"(!!!) تحرز لقب "افضل معلم في العالم".
كل ما تقدم من كلام هو سرد لاحداث، وتسليط لضوءٍ وانارةٌ لبعض ابعاد تلك الاحداث، ولابطالها. صيغت جميعها مجبولة بعواطف، لم احاول ولم أسعَ لكبح جماحها. لكن هذا ليس كافيا، على اية حال.
إذ: ماذا بعد؟.
هل نكتفي بالعرض والشرح والتغني والإطراء؟. نعم، هذا هو دور وواجب الناس، بسطاء الناس. لكن ماذا عن دور الرئيس الفلسطيني، و"الرئاسة" الفلسطينية؟ ماذا عن دور الحكومة الفلسطينية؟ وماذا – تحديدا- عن دور وواجب وعمل وزارة الخارجية الفلسطينية، وما يتبعها من السفارات والبعثات الدبلوماسية في عواصم ومدن دول العالم؟
هذه الصورة الجميلة لفلسطين، بفضل المعلمة حنان حامد عبيدالله الحروب، لا يجوز ان تبقى محصورة في حدود فلسطين. يجدر بنا ان نرفعها وننشرها في العالم. وكما يقول السيد المسيح، ليس مكان السِّراج في موقع منخفض ولا تحت غطاء، مكانه موقع مرتفع ليُنير "البيت" كله. و"بيتنا"، في مواجهة الحركة الصهيونية واسرائيل وسياستها العنصرية والاستعمارية هو العالم باسره.
أحرزت المعلمة حنان الحروب، لقب وشهادة وجائزة "افضل معلم في العالم"، لانها ابدعت في الانتصار على مشاعرها الطبيعية، إثر تعرض زوجها للاصابة برصاصات جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي، امام عيون اطفالهما، فعالجت اطفالها أولا، ثم تلاميذها ثانيا، ثم تلاميذ شعبها ثالثا، بابتكار العاب وطرق واساليب تعليم، تحصّن عقول الاطفال وتحميها من الانجرار والانزلاق إلى التعصب والعنف، رغم كل ما يشاهدونه من بطش وعنصرية جنود جيش الاستعمار الاسرائيلي، وجدرانه، وحواجزه، وتصرفاته الهمجية. ووجهت المعلمة حنان بهذا، ضربة، يمكن لها ان تكون قاضية، (اذا احسنت الجهات الفلسطينية ذات العلاقة الاستفادة منها)، لكل ادعاءات اسرائيل بان الفلسطينيين يقدّسون الموت والقتل والعنف، ويحرضون اطفالهم على ذلك، في حين تقدّس اسرائيل الحياة والتعايش والسلام (!!!).
ولكي لا "تُرهق" وزارة الخارجية الفلسطينية نفسها، في البحث عن ذخيرة تزوِّد بها "ترسانتها"، لفضح عنصرية دولة الاحتلال والاستعمار، اسرائيل، زودتها وسائل الاعلام الاسرائيلية قبل ايام فقط، وتحديدا يوم الاثنين الماضي، (21.3.2016) بفضيحة عنصرية اسرائيلية جديدة: كشفت تلك الوسائل الاعلامية إقرار وتبنّي وزارة التعليم الاسرائيلية، (وزيرها هو بينيت، مؤسس ورئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني العنصري)، لكتاب تعليم للصف الاول الابتدائي في المدارس الدينية اليهودية، يتضمن درساً يتحدث عن حوار بين طفلتين يهوديتين حول رغبتهما في التخفي بمناسبة "عيد المساخر" اليهودي على شكل… "زنجيتين"، (وهو ما يعادل في اللغة العربية تعبير "عبدتين")، (وليس على شكل طفلتين افريقيتين مثلا، او طفلتين ببشرتين سوداء)، ثم تدخُل الطفلتان، حسب كتاب "التربية"(!!) هذا، إلى غرفة الصف وهما تتحدثان بـ..".اللغة الزنجية"، (لغة العبيد)!!. وطبعا، سارعت وزارة التعليم الاسرائيلية لاصدار بيان قالت فيه انها ستسحب اعتمادها لهذا الكتاب التعليمي، وتمنع تداوله.
تجيئ هذه الفضيحة العنصرية الاسرائيلية، بعد سلسلة طويلة من الممارسات والمواقف والخطوات العنصرية المشينة، لوزارتي التعليم والثقافة في اسرائيل، منها، على سبيل المثال لا الحصر: منع تداول رواية "الجدار الحي"، لأنها تتحدث عن علاقة عاطفية تربط بين شاب عربي وفتاة يهودية، ومنها: رفع الدعم عن مسرح لأنه يقدم صورة انسانية بسيطة لأسير فلسطيني متهم بممارسة العنف ضد اهداف اسرائيلية، ومنها: إقدام عنصريين اسرائيليين على حرق مدرسة لأنها ثنائية اللغة، أي انها تعتمد اللغة العربية، اضافة إلى اللغة العبرية، كلغة للتدريس، ومنها: منع وزارة التعليم الاسرائيلية مؤخرا، تداول كتاب عن "المواطنة" يصحح بعضاً من عمليات التزوير في التأريخ للاحداث في فلسطين.
أدت المعلمة حنان واجبها الوطني على اكمل واحسن وجه، وأهدت شعبها ارفع شهادة ووسام. فهل ستعرف الجهات الفلسطينية ذات العلاقة، كيف تستفيد من هذا الانجاز؟
شكراً حنان.

٭ كاتب فلسطيني

عماد شقور